منذ بضعة أيام، أضاف كيفنسبايسي (1959 ــ الصورة) جوهرة جديدة إلى تاج جوائزه بالحصول على أوّل «غولدن غلوب» في مسيرته. النجم الأميركي نالها باستحقاق كأفضل ممثل في مسلسل درامي عن الموسم الثاني من House of Cards، لتضاف إلى أوسكارين و«بافتا» وعدد كبير من الترشيحات. هو واحد من أسماء كبيرة تقف خلف الـ«ويب دراما» السياسية التي تتبنّاها Netflix، إلى جانب المنتج باو ويلمون والمخرج الشهير دايفد فينشر، والسيناريست الأوسكاري إريك روث.
الاقتباس يعود إلى سلسلة بريطانية من أربع حلقات بالاسم نفسه من إنتاج «بي. بي. سي.» (1990)، وكلاهما مأخوذ عن رواية السياسي البريطاني مايكل دوبس. قوّة السلسلة وإحكامها على مستويات عدّة، أوصلاها إلى حفلات توزيع الجوائز الكبيرة كأوّل «ويب دراما» تبلغ هذا المستوى.
في المضمون، يضطلع سبايسي بدور «فرانك أندروود». سيناتور ديمقراطي طموح يفعل أيّ شيء في سبيل اعتلاء سلّم السلطة، والانتقال إلى مكاتب أرقى في الـ«كابيتول هول» ثم في البيت الأبيض. براغماتية متوحشة، ودهاء ثعالب، وسلاسة في الإجرام يظهرها مرشّح ولاية كارولينا الجنوبية خلال صعوده نحو القمّة. زوجته كلير (روبين رايت) ليست أقل قسوة وبرودة في يوميات واشنطن التي لا تنام.
هناك، حيث تحاك المؤامرات خلف الأبواب المغلقة، تُزاح أسماء وتُدفع أخرى إلى الواجهة أثناء ساعات عمل لا تنتهي. تُرسَم السياسات من تحت الأغطية، وبتأثير العلاقات الجنسية والعاطفية، تتخذ القرارات وفق مصالح الشركات العملاقة، التي تُدير كل شيء من خلف الستار. منذ إجهازه على كلب الجيران في المشهد الأوّل، يتحوّل «فرانك» إلى السياسي الأميركي الجدير بالسلطة. مثال التغوّل الرأسمالي الليبرالي الذي لا يرحم. البطل المضاد الذي يعطي ليأخذ، وينحني ليصعد، ويقتل لينظّف حديقته الخلفيّة. تعرية واسعة النطاق للـ«إستابلشمنت» السياسي ــ الاقتصادي ــ المافيوي.
هنا، يبدو وجود دايفد فينشر مألوفاً ومحبباً. المعلّم الأميركي مولع بتقشير أميركا على الملأ. في المرجعيات، نلمس إحالات شكسبيرية صارخة إلى «ريتشارد الثالث»، و«ماكبث»، وحتى «عطيل». شخصيات تمتلك طموحاً بلا حدود، وتعميها السلطة والفساد والنفوذ. كذلك، نشمّ مقارنة بمسلسل Boss الذي عُرض على تلفزيون Starz بين عامي 2011 و2012. الميديا حكاية كبيرة في الحبكة والتصعيد. الصحافيون مؤثّرون وأدوات وقنوات لتصفية الخصوم. ترسيخ لبديهيات مثل «لا تصدّق عينيك وأذنيك». الصحافية «زوي» (كايت مارا) تقترب من «فرانك»، وتدخل وكر الدبابير لتدفع الثمن على نحو طبيعي. هذا لا يعني عدم وجود بعض الخيوط المتفلّتة من قبضة «السوط» الذي يوجّه الديمقراطيين، ويستميل جزءاً من الجمهوريين عند الحاجة. ثمّة صحافيون آخرون يواصلون الحفر على الرغم من سقوط بعضهم. السيرة المأساوية للسيناتور «بيتر روسو» (كوري ستول) تحمل الكثير. بعد احتراق الورقة، لا مكان للمبادئ والكف النظيفة، ولا تسامح مع الهفوات. إنّه خطأ لمرّة واحدة وإلى الأبد. أيضاً، يبدي فرانك بعض نقاط الضعف تجاه زوجته ومساعده وغرائزه وحبّه لتناول اللحم في محل متواضع. يغفر زلّاتهم أحياناً، برغم قسوته وعدم التفاته إلى الخلف. أداء كيفن سبايسي يُدرّس بالفعل. هو العمود الفقري الذي يحمل ثقلاً وازناً على كتفيه. مشاهد القتل ستبقى طويلاً في الذاكرة. لا أحد يقتل على الشاشة بسلاسة ومتعة هذا الممثل، سواءٌ كان «أندروود» أو «جون دو» في Se7en لفينشر أو «فيربال» في The Usual Suspects لبرايان سينغر. روبين رايت تتوهّج إلى جانبه برفعة ساحرة لا يمكن تجاهلها. لقد سبقت سبايسي إلى «غولدن غلوب» أفضل ممثلة في مسلسل درامي عن الموسم الأوّل.
على امتداد الأحداث، يبدو التأزيم مثيراً للإعجاب. الحوارات سلسة وشديدة الإتقان. مونولوغات «فرانك» في حديثه للكاميرا متفاوتة، إلا أنّها أخّاذة بالمجمل مع لمعة عينيه ونظراته الساخرة. الأهم أنّ بناء الشخصيات متعدّد المستويات وغير نمطي، بما يجعلهم شديدي الالتصاق بالواقع. حتى غير المطّلع على اللعبة السياسية الأميركية، يمكنه الاستمتاع بالدرامكيفينا والتشويق. المخلصون للمسلسل سيستمرّون في التسمّر أمام الشاشة. Netflix أعلنت إطلاق الموسم الثالث ابتداءً من 27 شباط (فبراير) المقبل. التريلر يعد بالكثير من المآزق والاشتباكات السياسية ذات الطابع الدولي هذه المرّة. مباراة الشطرنج مع الخصوم التقليديين (الروس والصينيين) لا تنتهي. الاشتباك الأقوى سيكون مع المشاهد الذي يمكن أن يظنّ نفسه رئيساً لأقوى دولة على سطح الكوكب.