دمشق | في زاوية معتمة من بساتين أرض «كيوان» على ضفاف نهر بردى، ثمّة قاتل اسمه «عرفان». يرتدي سترة جلدية، بهيئة هوليودية، ويترصّد ضحيّته؛ أحد موّزعي المخدرّات الصغار، ليتخلّص منه، قبل أن يصل إليه المحقق «كمال» الذي نصب كميناً لـ«الديلر» ظنّ أنّه محكم. هذا هو المشهد أمام كاميرا المخرج أحمد سويداني. أمّا خلفها، فثمّة عمل صعب يبذله طاقم فنيّي مسلسل «مذنبون... أبرياء»، وسط البرد القاسي هذه الأيّام في دمشق.
لا تبدو أحداث العمل وثيقة الصلة بسوريا، إذ يمكن حدوثها في أي مكان من العالم، حيث تواجه الشرطة عصابة للإتجار بالمخدرات ذات طرازٍ «مافيوي»، ضمن إطار تصّح تسميته بلعبة «القط والفأر». وذلك وسط أجواء بوليسية تسودها الإثارة. فكلّما ضاقت الحلقة على العصابة، تتغير خطتّها كلّها.
«مذنبون... أبرياء» كتبه باسل خليل، وعالجه درامياً أحمد قصّار عن فكرة لعبد المجيد سليمان العنزي، ويشكّل العمل باكورة إنتاجات شركة «ديالا» في الدراما السورية، ويقدّمه المخرج سويداني «في إطار فني جديد، إذ تتوزع حلقاته الثلاثون على سداسيات، يصلح كل منها لأن يكون موسماً بحد ذاته (season)»، على حد قوله لـ«الأخبار». كما أنّه «يبدو بلا نهاية، ويمكن إنتاج المزيد منه لأنّ الشخصيات تتغيّر بسلاسة وذكاء، ويحمل الكثير من المفاجآت».
تتوزّع حلقاته الثلاثون على سداسيات، يصلح كل منها لأن يكون موسماً بحد ثاته



رغم عدم ارتباط العمل بالحدث السوري الراهن، لكن «من المهم تقديمه»، بحسب سويداني، باعتباره «يتحدّث عن أنواع المخدرّات، وتأثيراتها، والحلول، وسبل معالجة الإدمان، ضمن إطار توعوي وبطريقةٍ علمية. إلى جانب كونه مسلسلاً بوليسياً ــ اجتماعياً في الوقت نفسه. فلكل شخصيّة جانب إنساني يتم الإضاءة عليه بوضوح، خصوصاً أولئك المذنبون، ما يضع المشاهد في صورة الظروف التي اضطرهم للوصول إلى هنا، أو فرضت عليهم طريقاً يصعب الرجوع عنه. بهذا المعنى يكونون، مذنبون/ أبرياء».
هكذا، سنرى كيفية انتشار المخدرات بين طلاّب الجامعات، وكيف يمكن أن تكون المستشفيات والصيدليات مصدراً لها، وارتباط ذلك كلّه بشخصيات سياسية، إضافة إلى مواضيع أخرى يطرحها العمل ضمن القصّة الرئيسية التي يكون أبطالها الأساسيون المحقق «كمال» (خالد القيش)، وسيدّة الأعمال «ليليان» (رنا الأبيض). هذه الأخير تكون واجهةً لتاجر مخدرّات كبير، وتستعين بأخيها «عرفان» (مصطفى سعد الدين) لأداء مهمّات قذرة كالاغتيالات، بينما تلعب جيني إسبر دور الطبيبة النفسيّة، وتجسّد ميسون أبو أسعد شخصية «سراب»، إحدى موزعي المواد المخدّرة.
هذه ليست المرّة الأولى التي يلعب فيها خالد القيش دور المحقق. سبق له تقديمه بأوجه مختلفة في أعمال تلفزيونية عدّة، و«سيبدو مختلفاً» أيضاً في «مذنبون... أبرياء»، كما يوضح الممثل السوري لـ«الأخبار». ويضيف أنّ «كمال» لن يكون «معنياً بالمطاردات التقليدية، بل سيتابع سير الأحداث من مكتبه، ويجمع معلوماته، قبل أن ينصب الكمين للعصابة»، وثمّة جانب إنساني في قصّته، لأنّ زوجته (علا الباشا) مدمنة على المخدرات. يلاحظ الزوج التغيّر في سلوكها، خصوصاً عندما يتكرر معها الإجهاض، ويحرص على معالجتها، قبل طلاقهما، لكنّه في هذه الأثناء يقع في حب الطبيبة.
عن أهمية تقديم عمل كهذا خلال المرحلة الراهنة، يقول القيش إن «الأزمة التي تمر بها سوريا لم تخلق من فراغ، فهناك تراكمات اجتماعية أدّت بنا إلى هنا. كانت موجودة وتعززت أكثر أخيراً، كما أنّ الفكرة التي تقدّم في أي مسلسل تصل إلى بيت المتلقي، وهناك الكثيرون ممن لا يعرفون الصواب من الخطأ، وهذا مهم جداً لإصلاح مشاكل اجتماعية كثيرة، بعيداً من التنظير. تأثير هذه الأعمال يكون جيّداً على المدى الطويل، وينبغي تكرارها».
أما الممثلة رنا الأبيض، فترى أنّه «مهما تغيّرت الأزمنة والأمكنة، يبقى هناك تشابه في جوانب معينه، كفساد وضعف بعض نفوس العاملين في الأجهزة الأمنية، والمراكز الصحية، وكبار التجّار، وأطماعهم التي لا حدود لها، إضافة إلى الاستهتار بالمعالجة قبل تفاقم المشاكل، لنصل في النهاية إلى ما آلت إليه أحداث سوريا».
وتأتي مشاركة الأبيض في المسلسل في إطار «بداية جديدة» ترسمها لنفسها كممثلة، وضمن «اعتبارات وحسابات مغايرة لما سبق». بطلة فيلم «غراميات نجلاء» تشدد على أنّ «ليليان» هي «من جوف الواقع، وهذا ما تباحثنا فيه مطوّلاً أثناء ورشة الكتابة؛ توضيح الأسباب والظروف التي أوصلت كل شخصية إلى الانحدار، لتبدو على ما هي عليه في العمل».
المشاركون في بطولة أولى سداسيات المسلسل هم أيضاً: علي كريّم، وباسل خليل، وفاتن شاهين، ومحمد خاوندي، وكنان العشعوش، ومريم أحمد، وعلي القاسم، ومؤيد الخراط، وآخرون.