وراء كل تسمية حكاية، ووراء تسمية إقليم الخرّوب حكاية برائحة التراب ولون الليل. سمي إقليم الخروب بهذا الاسم نسبة إلى شجر الخروب الذي كان يكسو سفوحه ومنحدراته. استغلّ أبناء الإقليم ثروة منطقتهم واستثمروها في صناعة دبس الخرّوب. لكن اليوم، وفي ظل التوسّع العمراني، تقلّصت ثروة إقليم الخروب حتى أصبح عدد شجرات الخرّوب في الإقليم كعدد الليرات في الجيب المثقوب... إلا أن صناعة الدبس في الإقليم لا تزال قائمة وإن بكميات أقلّ، ولكنها صامدة بوجود ستّة معامل موزّعة بين القرى أغلبها في قرية «البُرجَيْن».تمرّ صناعة دبس الخرّوب بمراحل عدّة. نبدأ من موعد قطاف قرون الخرّوب في أوائل أيلول، حيث تقطف القرون البنيّة اللون يابسة عن شجرة الخرّوب الدائمة الخضار. اعتاد أهالي الإقليم فيما مضى قطف خرّوبهم من مناطقهم. ولكن اليوم، وبعد «شحوح» الخروب في إقليمه، يعمد أصحاب المعامل إلى شراء الخرّوب من التجّار الذين يأتون به من قرى الجنوب ودير قوبل وعرمون، وإذا اضطر الأمر يستوردونه من قبرص.

في المرحلة الثانية من صناعة دبس الخرّوب، يوضع الخرّوب في ماكينة خاصّة لطحنه. فتنزل قرون الخروب في الماكينة، تُطحن وتصل إلى ما يشبه المصفاة ذات الثلاث مخارج، تفصل عبر كل مخرج الخرّوب المطحون من الخشن، إلى الأقل خشونة وصولاً إلى الناعم. يوضّب الخروب المطحون في أكياس نايلون كبيرة كأكياس الطحين، وتُرصف فوق بعضها البعض، حيث تُترك لمدّةٍ تتراوح بين الثلاثين والأربعين يوماً كي «يدبّس»- أي يحلو- ولا يمتص الماء في المرحلة المقبلة. بعد انقضاء المدّة، يوضع الخروب في أوعيةٍ كبيرة مخصّصة لها صنبور (حنفيّة) في كعبها و يُغمر بالماء. يُنقع الخروب بالماء بمعدّل ست ساعات خلال فصل الشتاء، وبمعدّل أربع ساعات صيفاً كي لا يحمض بسبب حرارة الجو. ثم تُفتح الصنابير لتُصفّى ماء النقع وتفصل عن الخروب.
الخرّوب الذي يبقى في الأوعية بعد تصفية الماء يُستخدم كسماد للأشجار. في المرحلة الأخيرة من صناعة الدبس، يُوضع ماء نقع الخرّوب المُصفّى في «الخنقينة»، وهي قدرٌ مصنوعٌ من النحاس أو الستانلس. يُغلى محتوى القدر لمدّة ساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات على حرارة نار المازوت إلى أن يخرج منه بخار الماء ويبقى الدبس. ثم يُفرّغ في قدرٍ للتبريد ويُعبّأ بأوعية بلاستيكية للبيع.
مراحل عدّة في التصنيع تنتج دبساً لذيذاً ومفيداً في آنٍ معاً. فبحسب أخصائيّة التغذية سارة فوّاز، لدبس الخرّوب فوائد غذائيّة وصحيّة عديدة. فهو يحتوي على مواد مضادّة للأكسدة كالفيتامين «E» الأمر الذي يقوّي مناعة الجسد ضدّ العديد من الأمراض. كما يساهم بتحسين الجهاز الهضمي ويُعدّل الكوليسترول في الدم ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض السرطانيّة. ويحتوي دبس الخرّوب على البوتاسيوم والفوسفوريس والحديد ما يحسّن عمل الكِلى ويمنع فقر الدم ويقلل من هشاشة العظام.ويساعد في تقليل التهابات الجيوب الأنفيّة والحبال الصوتية. أضف إلى ذلك تأثيره في علاج الأمراض الجلديّة التي تظهر في فصل الصيف ويَخدم أيضاً كمضاد للاكتئاب.
فوائدٌ جمّة تجدها في القليل من دبس الخرّوب. الدبس الذي صنّعه وعرف فوائده أجدادنا والذي بات صنّاعه قليلين ومتناولوه من الجيل الحالي أقل. وإذا كانت من نصيحة، من المفيد تناول القليل من دبس الخرّوب بشكلٍ دوري ولكن من دون الإكثار منه فكل شيءٍ زاد عن حدّه نقص.