بايرن ميونيخ بطلاً للدوري الألماني لكرة القدم. العنوان ليس غريباً، فالفريق البافاري رفع درع «البوندسليغا» للمرة الـ 11 على التوالي. الأمر نفسه في فرنسا مع تتويج باريس سان جيرمان بطلاً لـ«الليغ 1»، ليصيب رقماً قياسياً بـ 11 لقباً محلياً، وهو إنجازٌ كان متوقّعاً تماماً كتفوّق البايرن في ألمانيا.لكنّ الواقع أن هذين الإنجازين قد يكونان غير نافعين بالنسبة إلى الفريقين، إذ ربما كان الأفضل بالنسبة إليهما التعثّر هذا الموسم للدخول في مرحلة جديدة تفرز نتائج أفضل وأهم، وتقدّم إلى القارة الأوروبية فريقين يليقان بالاسمين الكبيرين لهذين الناديين. فعلاً، بالنسبة إلى بايرن وباريس سان جيرمان كانت خسارة اللقب أفضل من الفوز به لأن هذا التعثر كان سيأخذ الإدارتين إلى العمل وفق استراتيجياتٍ مختلفة تكون مبنيّة على قناعةٍ متصلة بالحاجات الفعلية لكل فريق، وهو ما لم يحصل في الصيف الماضي، فحصد كلٌّ منهما الخيبة القارية والكثير من الانتقادات.

بايرن بحاجةٍ إلى الخسارة
ومما لا شك فيه، وباعتراف عددٍ كبير من محبيه، لم يكن بايرن يستحق اللقب هذا الموسم. لا لأنه كان هناك فريق أفضل منه في ألمانيا، بل لأنه قدّم أسوأ مستوى له في المواسم العشرة الأخيرة، لكنه رغم ذلك تُوّج بطلاً بسبب افتقار خصومه إلى الشخصية القوية، والدليل النهاية الدراماتيكية لبوروسيا دورتموند الذي دخل إلى الجولة الأخيرة متصدّراً، ثم فرّط في استعادة اللقب الغائب عنه منذ فترةٍ طويلة.
فعلاً، هو الموسم الأسوأ لبايرن على جميع المستويات، إن كانت الإدارية أو الفنية، وهو أدرك ذلك، فتقاطعت الاحتفالات الرمزية إذا صح التعبير مع إقالة سريعة لأيقونتين في النادي، هما: المدير التنفيذي أوليفر كان والمدير الرياضي حسن صالحميدزيتش، والسبب طبعاً هو القرار الانتحاري بإقالة المدرب يوليان ناغلسمان في عزّ الموسم وتعيين توماس توخيل بدلاً منه، فكانت النتيجة صادمة بخروج بايرن من دوري أبطال أوروبا بعدما بدا متفوّقاً على فرقٍ كبيرة مثل إنتر ميلانو الإيطالي الذي بلغ المباراة النهائية، وبرشلونة الإسباني، وباريس سان جيرمان. أضف إلى ذلك الخروج من كأس ألمانيا، وخسارة الصدارة في الدوري حتى أعادها دورتموند إليه في المرحلة الختامية.
كان الأفضل لبايرن وباريس سان جيرمان التعثّر هذا الموسم لتصحيح أخطائهما الكثيرة


الواقع أن بايرن كان بحاجة إلى فقدان اللقب، لا إلى الفرحة التي لم تكن كما اعتادها، فالأفضل لو أن إدارته شعرت بحرارة غضب الجمهور وذهبت إلى تصحيح ما اقترفته من أخطاء، ولعل أبرزها عدم تعويض رحيل هدّافها الأول روبرت ليفاندوفسكي. هذه النقطة كانت جزءاً بسيطاً من سياسة التعاقدات الخاطئة التي أفضت إلى ضمّ لاعبين سبقهم صيتهم، لكن تبيّن أن لا دور لهم في الفريق الأحمر، أمثال لاعب الوسط الهولندي راين غرافنبرش والمهاجم الفرنسي ماتيس تيل. كما لا يمكن إسقاط صفقة استقدام السنغالي ساديو مانيه غير الواضح دوره مع الفريق، وأيضاً استعارة نجمٍ عالمي بحجم البرتغالي جواو كانسيلو ووضعه على مقاعد البدلاء في معظم الأحيان!
ببساطة، نامت الإدارة البافارية على حرير الإنجازات التي حقّقها الفريق سابقاً، مقتنعةً بأنها بميزانية صغيرة مقارنةً بالمنافسين الكبار يمكنها الحصول على أكثر من لقب الدوري الألماني، فكانت الصفعة القوية من مانشستر سيتي الإنكليزي في دوري الأبطال، والسيناريو الهزيل الذي أبقى فريقها بطلاً للدوري، لكن من دون طعمٍ أو نكهة، ما يفرض عليها الآن العمل وكأنها خسرت السباق إلى اللقب من أجل تعزيز صفوف الفريق وسدّ النقص الكبير في حاجاته الفنيّة.

ثورة باريسية مطلوبة
هناك في باريس، لا تبدو الأمور مغايرة لا بل أسوأ في مكانٍ ما لأن الإدارة لم تبخل بأي شيء من أجل تكوين فريقٍ قوي بغية الجلوس على عرش القارة الأوروبية. لكن سنةً بعد أخرى، وبوجود نجومٍ هم الأفضل في العالم، عجز الـ PSG عن تحقيق المطلوب، فجاء لقب الدوري الفرنسي بمثابة جائزة الترضية، لكنه لا يفترض أن يُسقط مسألة أساسية وهي أن الفريق يحتاج إلى ثورة تغييرية حتى لو اضطرّ الأمر الى إبعاد رؤوسٍ كبيرة عنه.
هو ما يبدو أنه ستذهب إليه الإدارة غير المكتفية بلا شك بلقب الدوري مقارنةً بالملايين التي صرفتها، ولهذا السبب كان عدم تزعّم الـ PSG للبطولة الفرنسية سيساعد في اتخاذ خطوات جريئة وصادمة قيل إنها تنتظر التطبيق، أمثال التخلّص من اللاعبين غير النافعين رغم حصولهم على رواتب كبيرة، وعدم ممانعة رفض النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي تجديد عقده، وبيع النجم الآخر البرازيلي نيمار بأسرع وقتٍ ممكن وبأي سعرٍ مقبول من دون النظر إلى المبلغ القياسي الذي دفعه لاستقدامه من برشلونة.
أما الهدف الأساس فهو بناء فريقٍ جديد يتمتع بذهنية الفوز والطموح اللامحدود الذي يعكسه النجم الدولي كيليان مبابيه، إذ بدا واضحاً أن الثالوث الذي يجمعه بميسي ونيمار غير قابل لتقديم أكثر مما قدّمه، ففشلت التركيبة الرهيبة بالعنوان والخالية من النتائج بالمضمون.
ما يحتاج إليه الـ PSG بلا شك هو نوعية لاعبين يقتنعون بأدوارهم من دون الاكتراث إلى التسابق نحو النجومية المطلقة وأرقام الرواتب والحوافز التي يفاوضون عليها، ولو أن حتى مبابيه أحدث في مكانٍ ما ضرراً خلال المفاوضات الماراثونية لتمديد عقده بعدما أربك النادي ووتّر الجمهور بأخبار رحيله إلى ريال مدريد الإسباني.
باختصار، هو حال الأندية الكبرى التي تشهد هزّات وارتدادات غير بسيطة، لكن يبقى ما يميّزها أنه في مناسبات الفوز والخسارة، تعرف الطريق للعودة إلى المسار الصحيح الذي يوصلها في نهاية المطاف إلى منصات التتويج، وهو ما حصل بكل بساطة مع بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان هذا الموسم.