شهد الأسبوع الماضي جدلاً كبيراً في ألمانيا ذهب بنادي بايرن ميونيخ للخروج إلى الإعلام من أجل الدفاع عن نفسه في وجه منتقديه.القصة بدأت عندما نشر بطل ألمانيا صورةً للاعبَيه الدوليين سيرج غنابري وليون غوريتسكا مرتديين بزّةً رياضية جديدة تحمل الألوان التقليدية للنادي البافاري وشعاره، معلناً عن بدء عملية بيعها في متاجر النادي وعبر شبكة الإنترنت بسعرٍ يصل إلى 400 يورو.
هذا السعر أثار سخط محبي البايرن الذين اعتبروا أن ناديهم المفضّل وشريكه «أديداس» الذي يزوّده بكل التجهيزات اللازمة، يعمدون إلى سرقة المشجعين، والدليل أن البزّة التي اعتمدها الفريق هذا الموسم وسبق أن طرحها في الأسواق يبلغ سعرها 130 يورو فقط.
الطرفان المعنيان سارعا إلى تبرير سبب هذا السعر المرتفع، كاشفين أن البزّة الجديدة التي تحمل شعار «أديداس أوريجينالز»، وهي الماركة الأغلى لدى المصنّع الألماني الشهير، قد تمّ تصنيعها في ألمانيا حيث اليد العاملة أكثر كلفةً بكثير من تلك الموجودة في مصانع شرق آسيا حيث اليد العاملة الأرخص، والتي تنتج عادةً الأكثرية الساحقة من التجهيزات الرياضية للعالم أجمع.
لكن ما الذي يدفع نادياً للإقدام على طرح منتجٍ جديد في نصف الموسم بعد كشفه في وقتٍ سابق عن تشكيلته الكاملة من الملابس والتجهيزات للموسم الحالي؟
الواقع أن هذه الخطوة ليست بالجديدة وهدفها واضح ويتمثّل بجمع المزيد من الموارد المالية التي يمكنها أن تساهم في تقوية النادي مالياً لكي يكون قادراً على تأمين المتطلبات اليومية، وذلك وسط التضخم الحاصل في سوق الانتقالات وتالياً رواتب اللاعبين.
ببساطة خطوة البايرن أو غيره من الأندية التي تعمد إلى تعزيز وضعها المالي تبدو مبررة، كيف لا، وهذا النادي مثلاً عليه تأمين 2.73 مليون يورو أسبوعياً لدفع رواتب لاعبي فريقه الأول، والتي يصل معدلها إلى 5.07 مليون يورو لكل لاعب سنوياً.

استقطاب النجوم مكلف
بطبيعة الحال، شهد الموسم الحالي رقماً ضخماً في ما خصّ الأموال التي دفعتها أندية البطولات الأوروبية الخمس الكبرى في سوق الانتقالات والتي وصلت إلى 5.7 مليار يورو أي بزيادة 50% عن الرقم الذي دفعته في الموسم الماضي.
لكن إلى جانب التعاقدات التي أجرتها وكلّفتها الكثير، تدفع الأندية الأوروبية الأقوى مئات الملايين شهرياً للاعبين يدافعون عن ألوانها، وطبعاً بأرقامٍ متفاوتة تختلف بحسب أهمية اللاعب في الفريق.
وكما كان باريس سان جيرمان الفرنسي الأكثر حصداً للأموال من العائدات التسويقية وعائدات النقل التلفزيوني طوال سنةٍ كاملة، خلُصت دراسة أوروبية متخصّصة حصلت «الأخبار» على نسخةٍ منها بأن بطل فرنسا هو النادي الذي يدفع أعلى رقمٍ من الرواتب هذا الموسم ويصل إلى 6.71 مليون يورو.
رقمٌ منطقي إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود ثلاثة من النجوم الذين يتقاضون أعلى الرواتب في تاريخ اللعبة، وهم كيليان مبابي، البرازيلي نيمار، والأرجنتيني ليونيل ميسي. هؤلاء كغيرهم من النجوم الكبار يفاوضون أوّلاً على حجم الراتب الذي سيتقاضونه قبل مدة العقود التي يوقّعون عليها، وطبعاً بعيداً من المخصصات الأخرى والأرباح التي يجنونها من عقود الإعلانات وغيرها.
تدفع الأندية الخمسة الكبرى في أوروبا 14 مليون يورو أسبوعياً كرواتب للاعبيها


مطامع اللاعبين تبدو مبررة أيضاً، فهي زادت في الأعوام الأخيرة بفعل دخول أثرياءٍ كثر إلى الأندية، منهم من اقتحم اللعبة من خلال مجموعة شركات عالمية ومختلفة الجنسية، ومنهم المتسلّحون بالأموال النفطية، وأخيراً الأوليغارشية التي تلعب دوراً اليوم في امتلاك الأندية في مختلف أنحاء القارة.
من هنا، بدا وكأن كشف الرواتب في أبرز الأندية يسير في خطٍ تصاعدي موسمياً في بلدانٍ عدة حتى لو تمّ تحديد سقف الرواتب لحماية الجميع من الإفلاس. ففي إسبانيا مثلاً يتكبّد ريال مدريد بطل أوروبا 6.07 مليون يورو كمعدل راتب للاعب الواحد في السنة، وهو الوحيد إلى جانب باريس سان جيرمان الذي يصل معدل رواتب لاعبيه إلى 6 مليون يورو أو اكثر سنوياً.
وفي المركز الثالث عالمياً يأتي القطب الإسباني الآخر برشلونة الذي يبلغ المعدل السنوي للاعبيه 5.41 مليون يورو، متقدّماً على التوالي على البايرن ومانشستر سيتي بطل إنكلترا الذي وصل إلى معدلٍ بلغ 4.78 مليون يورو.

14 مليوناً أسبوعياً
ورغم أن هذه الأندية الكبيرة تحصد مئات الملايين كأرباح من حول العالم سنويّاً، فإن رقم المدفوعات الأسبوعية الذي يترتّب عليها للاعبي فريقها يبدو صاعقاً.
باريس سان جيرمان مثلاً عليه تأمين 4 ملايين يورو كل 7 أيام، ما يعني أن قيمة الرواتب التي يدفعها طوال عامٍ كامل هي 208 ملايين يورو.
أما ريال مدريد فإن ما يدفعه في السنة الواحدة هو 139.6 مليون يورو أي 2.68 مليون أسبوعياً، بينما يصل مجموع رواتب «البرسا» السنوية إلى 119.1 مليون، بواقع 2.29 مليون في الأسبوع الواحد، وهو رقمٌ قريب من ذاك الذي يدفعه البايرن والسيتي الذي عليه تأمين 2.2 مليون يورو أسبوعياً لنجومه الكثر.
هذا يعني أن 14 مليون يورو هو المبلغ الذي تنفقه أسبوعياً الأندية الخمسة الأكثر دفعاً للرواتب في أوروبا. لذا لا يبدو مستغرباً أن يكون الـ PSG بطلاً لفرنسا، وريال مدريد بطلاً لإسبانيا وأوروبا والعالم، وبايرن ميونيخ بطلاً لألمانيا ومانشستر سيتي بطلاً لإنكلترا، وبرشلونة مسيطراً على «الليغا» في الموسم الحالي.
بكل بساطة هي دورة مالية كاملة ومتكاملة، تبدأ من الاستثمار بمبالغ كبيرة في استقدام النجوم الكبار، فتكون النتيجة الفوز بالألقاب، وتالياً اتساع القاعدة الجماهيرية، ما يعني ارتفاع مستوى العائدات والأرباح المالية.
هنا يسقط كل الكلام القائل بأن المال لا يجلب النجاح في كرة القدم، بينما الواقع يبدو مختلفاً في أماكن كثيرة، فإذا أردت المجد والألقاب والإنجازات عليك أن تجلب الأفضل، والأفضل مكلف جداً.