قد يبدو غريباً القول إن كرة القدم هي لعبة فردية في بعض الأحيان، ولو أن بعض اللاعبين المهاجمين النجوم يعكسون هذه المسألة من خلال مهاراتٍ فائقة تنتهي غالباً بتسجيلهم الأهداف التي تقود فرقهم إلى الألقاب.الفردية أصلاً لا تعني هنا فقط مسألة الموهبة الخارقة التي تمكّن هذا النجم أو ذاك من صناعة الفارق على أرضية الميدان بل التأثير الذي يتركه اللاعب على المجموعة، إذ يصبح وجوده فيها نقطة قوة دائمة، بينما يتحوّل غيابه عنها إلى كارثة حقيقية تكون نتائجها مستوى متذبذباً، خسائر وخيبات.

مانيه يضرب فريقين
هو ما يعيشه حالياً أكثر من فريق، وفي الطليعة ليفربول الإنكليزي الذي لم يكن يتخيّل جمهوره أن يتحوّل من فريقٍ خسر الدوري بفارق نقطةٍ واحدة فقط في الموسم الماضي، إلى فريقٍ يتقهقر في المراكز البعيدة عن التأهل إلى المسابقات الأوروبية، بحيث يقبع حالياً في المركز التاسع، وعلى مسافة 21 نقطة من آرسنال صاحب الصدارة. أضف أنه وبعد توديعه كأس رابطة الأندية الإنكليزية المحترفة الشهر الماضي، وجد نفسه خارج كأس إنكلترا في نهاية الأسبوع الفائت. السبب الأول والأخير لهذا التحوّل المرعب هو رحيل النجم السنغالي ساديو مانيه إلى بايرن ميونيخ الألماني، إذ رغم تعويضه بأكثر من لاعبٍ مهم وعلى رأسهم المهاجم الأوروغوياني داروين نونيس بصفقة قياسية، فإن ما فات الكثيرين هو مسألة بسيطة، وهي أن مانيه كان العنصر الأساس في خط هجوم «الريدز» حتى لو تفوّق عليه النجم المصري محمد صلاح بالأرقام التهديفية.
السنغالي بدا المجتهد الأول دفاعاً، والداعم الأول هجوماً، والوحيد القادر على اللعب في مراكز مختلفة. أما من يشكّك في هذا الكلام فعليه بكل بساطة العودة إلى النتائج الأخيرة لبايرن في غياب مانيه حيث لم يعرف طعم الفوز في السنة الجديدة، متعادلاً في ثلاث مبارياتٍ متتالية.

من ماكيليلي إلى كاسيميرو
هناك في إنكلترا يمكن استخلاص العِبَر حول التأثير الإيجابي للاعبٍ واحدٍ في فريق، وتأثيره السلبي أيضاً على فريقٍ آخر. المثال الصارخ حول هذا الكلام عنوانه البرازيلي كاسيميرو الذي حمل مانشستر يونايتد إلى مستوى آخر منذ وصوله إليه، ومنحه الفوز في نهاية الأسبوع بهدفيه اللذين سجّلهما في مرمى ريدينغ في مسابقة الكأس.
بدّل وجود كانتونا مسار وتاريخ ثلاثة أندية عند لعبه معها


بالفعل بدا كاسيميرو من عالمٍ مختلف عن ذاك الذي انتمى إليه لاعبو اليونايتد في الأعوام الأخيرة، لدرجةٍ يُعتبر حالياً أفضل صفقة في القارة الأوروبية. هذه الصفقة التي قبض ثمنها فريقه ريال مدريد الإسباني مالاً جيّداً، لكنه بدأ يدفع الثمن في غياب أحد أبرز أركان خط وسطه في فترته الذهبية، ما يعيد إلى الأذهان تلك التجربة المريرة التي عاشها الفريق الملكي بعد رحيل الفرنسي كلود ماكيليلي عنه، حيث بقي لسنواتٍ عدة يعاني لتعويضه ويتخبّط في نتائجه حتى وصل إلى أفضل توليفةٍ عبر المثلث المكوّن من كاسيميرو، الكرواتي لوكا مودريتش والألماني طوني كروس.
الأمر نفسه يحصل اليوم في تشلسي إذا ما أخذنا في الاعتبار تأثير غياب الفرنسي نغولو كانتي عنه بسبب الإصابة، إذ ساء وضع الفريق أكثر من ليفربول بالنظر إلى أنه يصعب استبدال هذا النوع من اللاعبين الذين يقدّمون مجهوداً مضاعفاً على أرض الملعب لدرجةٍ تشعر بأن فريقهم يتمتع بزيادة عددية عن خصمه.

عودة إلى زمن «الكينغ»
هذه النقطة شعر بها خصوم برشلونة لسنواتٍ طويلة بوجود النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي ترك رحيله فراغاً كبيراً لا يمكن تعويضه لا اليومَ ولا غداً، والدليل أن اللقب الذي أحرزه الفريق الكاتالوني في الكأس السوبر الإسبانية أخيراً كان الأول له منذ 19 عاماً من دون بطل مونديال قطر 2022.
مشهد الخيبة الكاتالونية في الموسم الماضي، يخافه بايرن أيضاً بعدما شاهد عودة «البرسا» بقوة إثر تعاقده مع هدّافه البولندي روبرت ليفاندوفسكي، الذي لم يعد الفريق البافاري من دونه نفس الفريق المخيف هجوماً، ولو أن موهبة الكاميروني ماكسيم تشوبو - موتينغ انفجرت بسلسلة أهداف كانت مهمة جداً لبطل «البوندسليغا».
نعم كرة القدم لعبة فردية أحياناً ولها أبطالها الخارقون، والعودة إلى الماضي تؤكد هذه الكلمات عبر مثلٍ استثنائي يحمل اسم النجم الفرنسي إيريك كانتونا، إذ لم يفز مرسيليا بلقب الدوري الفرنسي لمدة 16 عاماً حتى جاء «الكينغ» وفاز به في موسمه الأول معه. كما لم يفز ليدز يونايتد بلقب الدوري الإنكليزي لمدة 18 عاماً حتى مجيء «المخلّص» كانتونا الذي قاده إلى منصة التتويج، ومن ثم كرّرها مع مانشستر يونايتد الذي عاش 26 سنةً عجافاً حتى تعاقده مع الرقم 7 الشهير ليسيطر على البطولة بإحرازه 4 ألقاب في 5 سنواتٍ مع «سطورته» التي يستحضرها مشجّعوه في كل مباراةٍ لهم في «أولد ترافورد» الذي حوّل «إيريك ذا كينغ» مسرح أحلامه إلى حقائق جميلة.