انتهت المباراة التي جمعت المنتخب التركي بنظيره الألباني ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس أمم أوروبا 2020، بفوزٍ قاتل لـ«نجوم الهلال» في الدقيقة 90. فوز أعطى الأتراك صدارة المجموعة بالتساوي مع منتخب فرنسا. بعد الفوز المثير، احتفل اللاعبون الأتراك برفع التحية العسكرية، تزامناً مع العملية العسكرية ضد الأكراد في الشمال السوري. ونشرت صفحة المنتخب التركي الرسمية على تويتر، صورة للاعبين والكادر الفني للمنتخب وهم يحتفلون مع تغريدة، «نهدي هذا الفوز لجنودنا الشجعان ولشهدائنا». تصرفٌ مخالف لقوانين الفيفا، أثار موجة من الغضب في أوروبا.ما حصل اليوم ليس جديداً فعلى مدى السنوات ، ازداد ارتباط كرة القدم بالسياسة. انتقلت الشعارات السياسية من الشوارع الى ملاعب الكرة. المدرجات لها قوانينها، كما كرة القدم، فيصبح بذلك الملعب صورة عن البلاد والصراع بين السلطة والشعب. وبعيداً عن الشقّ الترفيهي للعبة، شكّلت المدرجات منبراً للشعب، الذي رأى بين زوايا الملعب مساحة أكبر للحرية. عادةً، تعدّ القواعد الجماهيرية صانعاً أساسياً لشرارات الثورات، ولكن قوانين الفيفا تسعى دائما الى تكبيل الجماهير تجنّباً لاستبدال الجانب الترفيهي بالشغب بحسب رأيها، ما يستدعى التشدد الأمني، وخاصةً تجاه الـ«ألتراس» وهي الجماهير التي تعرف في الأوساط الكروية على أنها الأكثر تعصباً. رغم كثرة العقوبات التي تطاول «الجماهير السياسية»، تبقى قابلة للتخفيض أو التغاضي عنها، بعكس العقوبات التي تطاول اللاعبين المتورطين بحركاتٍ مماثلة، إذ تمنع قوانين الاتحاد الدولي اللاعبين من القيام بأي إشارات سياسية في المباريات، وتفرض عليهم عقوبات قاسية، تصل أحياناً إلى التوقيف مدى الحياة.
من رفض برونو نيري القيام بالتحية الفاشية عند افتتاح ملعب فلورنسا عام 1931، وصولاً إلى احتفال شاكيري وتشاكا أمام المنتخب الصربي بتجسيد رمز النسر المزدوج الخاص بالمنتخب الألباني، مروراً بتحية دي كانيو الفاشية أمام ليفورنو عام 2005. إشارات سياسية تاريخية تجاوزت الرياضة، وأدت إلى مطالبات لإنزال أقسى العقوبات بحق هؤلاء اللاعبين. تكرر الوضع هذا الأسبوع، إثر قيام لاعبي المنتخب التركي بالتحية العسكرية في مباراتيه الأخيرتين.
استغنت بعض الأندية عن لاعبيها الأتراك بسبب تصرّف لاعبي المنتخب أخيراً


بعد التحية الأولى، خلال مباراة ألبانيا، وصل الغضب ببعض السياسيين الفرنسيين إلى حد المطالبة بإلغاء مباراتهم مع تركيا التي لعبت يوم الاثنين. وغرّد أحدهم قائلاً: «إذا احتفل اللاعبون الأتراك بالتحية العسكرية، فيجب معاملتهم كجنود للعدو، لذا لا يجب أن نلعب ضدهم، فالروح الرياضية لم تعد حاضرة»، فيما صرّح زعيم أحد أحزاب اليمين في فرنسا: «بهذه التحية، كسر المنتخب الوطني التركي الحد الفاصل بين الرياضة والسياسة، وبالتالي لا يمكن أن نرحب بحفاوة في ملعب ستاد دي فرانس غداً بأولئك الذين يحيون ذبح الأكراد».
في هذا الوقت، أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أنه سيمعن النظر في الاحتفالية، وقال المسؤول الصحافي في الاتحاد فيليب تاونسند «أنا شخصياً لم أر ذلك التصرف الذي يمكن أن يعدّ استفزازا»، مضيفاً: « سوف ننظر في هذا الوضع، دعوني أتأكد من صحته». مباراة تركيا وفرنسا لم يتم إلغاؤها، ولكنها لُعبت في أجواء متشنجة. ما زاد الأمور حدةً هو تكرار التحية العسكرية من اللاعبين الأتراك بعد تسجيلهم هدف التعادل على الأراضي الفرنسية. هذا الأمر أثار ردود فعل غاضبة جداً في الأوساط الصحافية والرياضية، وطالبت العديد من الجهات بمعاقبة المنتخب التركي. وأفاد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بأنه عيّن مفتشاً لبدء «تحقيق تأديبي» في ما يتعلق بسلوك «الاستفزاز السياسي المحتمل».
هذه العقوبات بدأتها الأندية قبل الاتحادات، نظراً إلى الصورة السيئة التي تعكسها هذه التصرفات داخل الملاعب. نادي ميلان الإيطالي أعرب عن غضبه من تصرف اللاعبين الأتراك، ونقلت مصادر مقربة من النادي أن ميلان يمكن أن يبيع لاعبه التركي هاكان شالهانوغلو في سوق الانتقالات المقبل، بسبب تصرف اللاعبين الأتراك ومن ورائهم الاتحاد التركي لكرة القدم. واستغنى نادي سانت باولي الناشط في دوري الدرجة الثانية الألماني عن لاعب الوسط التركي جينك شاهين بسبب منشور له على «إنستغرام» يدعم فيه تدخل بلاده العسكري في شمال سوريا.
هي السياسة التي ترتبط دائماً بالرياضة، والتي بدأت تتّخذ أشكالاً أكثر تطرّفاً، وهي باتت فعلاً بحاجة إلى حلول حقيقية لكي لا تغيّر وجه كرة القدم نحو الأسوأ.