مانشستر يونايتد وباريس سان جيرمان، وجهان مختَلِفان في عالم كرة القدم. الأوّل يمتلك التاريخ، أمّا الثاني فهو «حديث النعمة». فور شراء ناصر الخليفي النادي الباريسي عام 2011، أكّد أن الهدف الرئيسي هو جعل باريس سان جيرمان أحد أقطاب الكرة الأوروبية، وأن الطريقة المثلى لفرض نفسه كأحد كبار الأندية، تتمثل بتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا خلال خمس سنوات. ثمان سنواتٍ مرّت، لم يتجاوز بها النادي الباريسي دور الربع نهائي، في حين اقتصرت أبرز إنجازاته على احتكار المسابقات المحليّة، فسيطر على الدوري الفرنسي في أغلب فترات الحكم القطري، متسلحاً بالمال، الذي يغيب عن باقي الأندية الفرنسيّة.في سبيل تحقيق مخططاته «الاستثمارية»، اشترى النادي العديد من نجوم الدوريات الكبرى. أسماءٌ كإديسون كافاني، نيمار دا سيلفا وكيليان مبابي انتُدِبت للنادي الباريسي بأكثر من نصف مليار يورو، رغم ذلك، فشل النادي الفرنسي في بلوغ الأدوار المتقدمة من دوري أبطال أوروبا بعد سلسلةٍ من الخيبات التي تعرض لها، كان أبرزها فضيحة الريمونتادا التاريخية أمام برشلونة في موسم 2016/ 2017، ليبلغ المشروع القطري الطامح بقوته المالية العظيمة دور الـ16 كحد أقصى في أكثر من مناسبة، وهو الدور الذي يوجد فيه مانشستر يونايتد اليوم رغم معاناته في أحد أسوأ مواسمه على الإطلاق. المال ليس بالمعيار الأساسي لتحقيق دوري أبطال أوروبا، ما هي المعايير إذاً؟
خلال ثماني سنوات لم يتجاوز النادي الباريسي الدور الربع النهائي في دوري الأبطال


في المواسم الثلاثة الماضية، حقق نادي ريال مدريد لقب دوري أبطال أوروبا، رغم أنّ صافي مشترياته لم يتجاوز الـ150 مليون يورو، أي أقل من صفقة مبابي أو نيمار بقرابة 50 مليون يورو، كما أنه لم يجلب مدرباً من ذوي «الاختصاص» الأوروبي أو المحلي على حدٍّ سواء، بل إن الخيار وقع على زين الدين زيدان، في أوّل تجربة تدريبيّة في مسيرته، لإكمال الموسم خلفاً للمدرب المقال رافاييل بينيتيز. تمكن زيدان من تحقيق معجزة كروية في أحد أسوأ مواسم الريال في تاريخه الحديث، تمثلت بتعديل مسار الفريق في فترة زمنية تاريخية وجلب لقب دوري أبطال أوروبا إلى النادي في موسمه الأول. النجاح الذي عرفه زيدان امتدّ إلى الموسمين التاليين ليسيطر ريال ـ زيدان على الكرة الأوروبية أخيراً. لم يعتمد زيدان على المال، اعتمد على الحافز، وهو شيء لا يُشترى بالمال. يشكل الحافز العنصر ذاته الذي استخدمه روبيرتو دي ماتيو عام 2012، في ظروفٍ مشابهة، إذ إن المدرب الإيطالي تمكّن في غضون ستّة أشهر من جلب لقب دوري أبطال أوروبا الوحيد إلى خزائن تشيلسي. على الورق، يمتلك النادي الباريسي كلّ المقوّمات اللازمة لتحقيق دوري الأبطال. فالمواهب التي يمتلكها هي الأبرز. ظهر ذلك جلياً في مباراة الذهاب في الأولد ترافورد، بعد أن سيطر الباريسيون على اللقاء طوال 90 دقيقة، في ظل إصابة لاعبين مؤثرين لمانشستر يونايتد. التنظيم الفني في تشكيل العناصر البشرية للفريق الباريسي، قابله فشلٌ على الصعيد الإداري في السنوات القليلة الماضية. مدرّبون كلوران بلان وأوناي إيمري لم يحققوا أهداف النادي الباريسي، بسبب ضعف خبرتهم التدريبية في دوري الأبطال، كما فشلوا في بناء الأساس الجيد، الذي يمكّن المدرب اللاحق من البناء عليه. كارلو أنشيلوتي، المدرب المتخصص بهذه البطولة، فشل أيضاً على الصعيد الأوروبي. اليوم، بدأ المدرب توماس توخيل يظهر شيئاً من لمسته التدريبية مع الفريق، رغم أن تجاوز مانشستر يونايتد في دور الـ16، ليس بمقياسٍ حقيقي لقوة الفريق، نظراً لتراجع الفريق الإنكليزي في السنوات القليلة الماضية، إضافةً إلى كمّ الإصابات الهائل التي يعاني منها.
الأرقام المميّزة للباريسيين على الصعيد المحلي تعكس مدى ضعف الدوري، والاستمرارية باللعب في مستوى منخفض سيؤثر بالتالي على ضعف مردود الفريق أوروبياً. فالمستوى الكروي المحلي مختلف كلياً عن دوري أبطال أوروبا. وفي ظل تراجع معظم الفرق الأوروبية هذا الموسم، وانحسار الترشيحات لنيل اللقب عند الأندية المستقرة فنيّاً، يحظى «بي أس جي» بفرصةٍ ذهبية للفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، لكنّ الفرصة المواتية الآن لن تسنح في المستقبل القريب، إذا ما ظلّ الدوري بهذا الضعف. البذخ وإن انعكس إيجاباً بشيء، فهو كسر أرقامه المحلية من سنةٍ لأخرى. الأموال التي تُدفع على النادي لن تطور الفريق، بل ستضعف عقلية اللاعبين أكثر، إذ سيربطون نجاحهم الأوروبي بسيطرتهم التامة محلياً، وهو فكرٌ غير واقعي بطبيعة الحال. إذا ما أراد النادي تحقيق شيء على الصعيد الأوروبي، عليه أن يسعى لتطوير الدوري بطريقةٍ ما، حيث سيساهم انتشال مستوى الدوري الفرنسي وبروز منافسين جديين للنادي الباريسي، في تعزيز روح المنافسة لدى اللاعبين ما سينعكس إيجاباً على مسار الفريق في دوري أبطال أوروبا، وإلّا سيبقى باريس سان جيرمان فريقاً تجارياً عاجزاً عن تحقيق اللقب الأوروبي الذي يحتاج إلى أكثر من المال.