حَمل قميص فريقه الجديد كارديف سيتي، إلا أن الطائرة التي أقلّته لم تكن قادرة بدورها على حمله من مدينة نانت الفرنسيّة إلى مدينة كارديف الويلزيّة. هذه هي القصّة الحزينة والمأسوية، لمهاجم الدوري الفرنسي، الأرجنتيني إيميليانو سالا. الأخير، ولمن لا يعرفه، مهاجم أرجنتيني، شارك في ما يفوق الـ 100 مباراة مع فريقه الفرنسي نانت، أحد أبرز هدّافي الدوري هذا الموسم، إلى جانب ثلاثي باريس سان جرمان «المرعب». أنهى نادي كارديف سيتي صفقة سالا، بل إنه انتقل من نانت إلى كارديف ليوقّع على عقده مع فريقه الجديد، ولم تسنح له الفرصة بأن يودّع زملاءه في نانت، ما دفعه إلى أن يستقّل طائرة خاصّة، ليعود إلى مقر ناديه السابق لتوديع رفاقه. لم يكن سالا على علم بأن هذه الرحلة لن يكون هناك من بعدها عودة، فالطائرة الخاصّة اختفت من على رادار الطائرات، بل إنها اختفت تماماً، وكل الأخبار ترجّح بأن سالا والطيّار الخاص به قد سقطا في البحر.عندما بدأت الأمور تزداد سوءاً في طريق عودته إلى كارديف، راسل سالا أصدقاءه، وكتب لهم هذه الكلمات، التي كانت آخر ما وصلهم منه، «أنا الآن على متن طائرة يبدو لي أنها على وشك السقوط، إنني ذاهب إلى كارديف، وربّما لن أصل إلى هناك، إذا مرّت ساعة ونصف ساعة دون أن أصل، أبلغوا المعنيين بذلك، إنني خائف!». رسالة لم تكن كافية ليصل رجال الإغاثة إلى سالا، فالطائرة اختفت، تماماً كما اختفت حياته من الوجود. لمدّة يوم كامل، بحثت الشرطة الفرنسية عن أثر للطائرة، لكن دون جدوى، لم يكن هناك أي إشارة تدل على وجود طائرة محطّمة على الأقل، وكأن بسالا وطائرته، عاشا أسطورة «مثلث برمودا» الشهير، والذي في أسطورته، تختفي الطائرات والسفن عندما تمرّ من خلاله. في صباح يوم أمس (الأربعاء)، استكملت الشرطة بحثها، والنتيجة ذاتها، طائرة اللاعب الأرجنتيني مختفية تماماً. هذه الحادثة المؤلمة، ليست الأولى من نوعها في عالم كرة القدم، فمنذ سنتين، سقطت طائرة الفريق البرازيلي «شابيكوينسي» في البحر، وتحطّمت بالكامل، وكانت الحصيلة 71 من الطاقم التدريبي واللاعبين والموظفين في النادي، قد لقوا حتفهم جرّاء هذا السقوط. كانت الطائرة الكولومبيّة تقل الفريق البرازيلي للعب نهائي بطولة «كوبا سودا أميريكيانا»، التي تعادل بطولة «الدوري الأوروبي» «يوروباليغ» في أوروبا، إلا أن الطرف الثاني من النهائي، لم يستطع الوصول. حادثة هزّت عالم كرة القدم، بل هزّت العالم أجمع، فريق بأكمله فارق الحياة، وانتهت مسيرتهم الكرويّة في لحظة لم يكن أحد ليتوقّعها. كانت الطائرة تضم 21 لاعباً من لاعبي الفريق البرازيلي، إضافة إلى أعضاء الجهاز الفني البالغ عددهم ثمانية، وركّاب آخرين من أعضاء النادي ورابطة المشجعين.
أرسل اللاعب الأرجنتيني رسالة من الطائرة إلى زملائه في نانت يبلغهم أنه يشعر بالخوف على متن الطائرة


حادثة النادي البرازيلي ليست الوحيدة في عالم كرة القدم، فهناك العديد من مآسي الطائرات في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية في العالم. ففي 1949 تحطّمت طائرة نادي تورينو الإيطالي بالقرب من مطار المدينة، حيث سقط معظم أعضاء الفريق البالغ عددهم 23 لاعباً. وفي حادثة شهيرة أخرى، تحطّمت طائرة نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي بالقرب من مدينة ميونيخ الألمانية وذلك في 1958، وتعتبر من أهم الحوادث شهرة وأبرزها، نظراً الى قوة فريق كاليونايتد، والذي فقد في الحادثة 8 لاعبين، إضافة إلى ثلاثة من أعضاء النادي. ومن بين المآسي التاريخية أيضاً، تحطّم الطائرة التي تضم أعضاء فريق كلورفول الهولندي في مدينة باراماريبو في سورينمام عام 1989، حادثة مروّعة توفي على إثرها 176 شخصاً، من بينهم 15 لاعباً من الفريق الهولندي. هل سيكون سالا الضحيّة الجديدة؟ الأمور لا تزال ضبابيّة!
أعلن نادي نانت الفرنسي تأجيل مباراته المقبلة في الدوري، وذلك تضامناً مع قضيّة لاعب الفريق السابق والحالي في الوقت عينه، فسالا لا يزال لاعباً في نانت بالنسبة الى النادي الفرنسي (لم يتمكّن المهاجم الأرجنتيني حتّى من خوض أي مباراة مع فريقه الجديد كارديف سيتي، بل إنه لم يحضر مرانه الأوّل). وسينتظر عالم الكرة المستديرة خبر نجاة سالا قبل أي خبر آخر. فور انتشار الخبر الحزين، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والتعليقات المساندة للمهاجم الأرجنتيني، وسريعاً تصدّر هاشتاغ «#صلّوا لسالا» الصفحات، في إشارة منهم إلى الدعاء بنجاة مهاجم نانت. ومن بين المساندين، كان كل من مواطنه أنخيل دي ماريا لاعب باريس سان جرمان ولاعب برشلونة وقائده السابق أندريس إنييستا.
تترك هذه الأحداث مشاعر وانطباعات حزينة في قلوب مشجعي كرة القدم، ومتابعي هذه الرياضة حول العالم، ولا أحد يتمنّى وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل. إلا أن ما جرى أول من أمس مع المهاجم إيميليانو سالا، يبقى حالة خاصّة، فحتّى اللحظة، لم يعرف مصير لاعب، كان على مقربة من تجربة احترافية جديدة. تجربة، كادت لتكون مكافأة على نجاحاته في الدوري الفرنسي وأهدافه المتواصلة مع فريقه السابق نانت. قيمة الصفقة وصلت إلى 18 مليون يورو، ولو أن الأمر يحسم بالأموال، لكان سالا يتدرّب اليوم مع فريقه الجديد كارديف، إلا أنه لا مكان للأموال، عندما تأتي لحظة، لا يستطيع أي أحد فعل شيء حيالها.