احتلت الأخبار الخاصة بكرة القدم للسيدات العناوين العريضة في الأعوام القريبة الماضية، وهو ما دفع الكثير من المستفيدين من اللعبة الشعبية الأولى في العالم إلى الدفع باتجاه إيجاد مساحةٍ للنساء في أي شيءٍ يخصّ الكرة. هو أمرٌ بدا جليّاً على أعلى المستويات، والدليل ما أقدمت عليه مجلة «فرانس فوتبول» التي اشتهرت بمنح جائزة الكرة الذهبية للاعب الأفضل سنوياً عبر خلقها جائزة مماثلة للاعبة الأفضل قبل ثلاثة أعوام أي بعد 62 عاماً على تقديمها أوّل «بالون دور» للنجم الإنكليزي ستانلي ماتيوز.طبعاً الكل يحاول الاستفادة اليوم من الضجة الإعلامية المحيطة بكرة القدم للسيدات، وذلك انطلاقاً من المساواة التي نادت بها المجتمعات لدرجةٍ وصلت فيها المطالبة بمنح نفس أجور الرجال للجنس اللطيف في ميادين كرة القدم، وهو ما أُقّر في الولايات المتحدة الأميركية أخيراً في ما خصّ المنتخبات الوطنية.
لكن رغم هذه الخطوة لا تزال كرة القدم النسائية بحاجةٍ إلى قطع طريقٍ طويل لتضييق الهوة مع نظيرتها عند الرجال، وذلك رغم أنها قطعت شوطاً لا بأس به مقارنةً بأول أيام نشأتها مطلع القرن التاسع عشر عندما اعتبرت النساء غير صالحات للعب الكرة، وهو ما صوّت عليه الاتحاد الإنكليزي عام 1921 ليخرج بقرار منع كرة القدم للسيدات بذريعة عدم الصلاحية.

منتج مختلف
اللعبة تقدّمت فعلاً، وهو ما عكسته أرقام الحضور الجماهيري لمباريات السيدات، أمثال نهائي كأس أوروبا الأخيرة بين إنكلترا وألمانيا الأحد على ملعب ويمبلي في لندن، والذي سجّل رقماً قياسياً عند الجنسين للحضور 87192 متفرجاً، فيما كان الرقم السابق وهو 79115 متفرجاً مسجلاً في المباراة النهائية لنسخة الرجال عام 1964 في إسبانيا عندما توج صاحب الأرض باللقب على حساب الاتحاد السوفياتي.
كما سجّل نادي برشلونة رقماً قياسياً لمباراة كرة قدم نسائية خلال اللقاء أمام فولسبورغ في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات، حيث بلغ عدد الحضور 91648 مشجعاً.
وهذه الأرقام بالتحديد ليست ببسيطة بل يمكنها أن تقلّص الفوارق بين الجنسين، أقلّه مالياً إن لم يكن فنياً، إذ إن الرواتب الشهرية للاعبات فريقٍ كاملٍ في إنكلترا قد لا تصل إلى 200 ألف جنيه استرليني في الشهر، وهو مبلغ يوازي القيمة الأسبوعية لإيجار منزلٍ لأحد النجوم الرجال في «البريميير ليغ».
أسبابٌ تاريخية وعلمية مختلفة توضح التفوّق الأزلي لكرة الرجال على نظيرتها عند السيدات


ومن المهم أن نعرف بأن كرة القدم النسائية هي منتج مختلف تماماً عن ذاك الخاص بالرجال، وهو يمكنه أن يصبح أفضل تسويقياً لا فنياً بحسب ما تشير إليه الكثير من الدراسات.
الشق التجاري يبدو سهلاً العمل عليه لاستقطاب حجمٍ أكبر للمتابعين، إذ إن الكرة النسائية لم تغرق في جشع المال أو في قضايا الصفقات المشبوهة أو في الفساد والمراهنات، وحتى أن ثقافة الجمهور وطبيعة تصرفاته تختلف تماماً في الملعب بالنظر إلى «الأجواء العائلية» التي تطبع المباريات غالباً ولأن النساء بطبعهن لا يقمن بأعمالٍ جنونية على أرضية الميدان يمكن أن تستفز الجمهور، كمحاولة خداع الحكم أو مهاجمته مثلاً أو ضرب الخصم عمداً بطريقةٍ مؤذية، أو حتى التوجّه إلى الجمهور بطريقةٍ تثير غيظه.
وهذه الأجواء بالتحديد يمكنها أن تجذب مستثمرين وداعمين باحثين عن أجواءٍ نظيفة، ما يرفع من مستوى اللعبة وتسويقها، ما يشدّ الأنظار إليها بشكلٍ أكبر، وخصوصاً بعدما سقط أخيراً «الظلم» عن السيدات كذاك الذي عاشته لاعبات فريق تشارلتون أثلتيك الإنكليزي عام 2006 عندما اقتُطع مبلغ من رواتبهم لتمويل فريق الرجال الذي كان قد هبط من الدوري الممتاز.

التفسير العلمي
أما الجانب المنطقي الذي يدفع إلى القول باستحالة أن تسرق السيدات من الرجال جاذبية كرة القدم فهو التفسير العلمي القائل بفارق القدرات البدنية بين الجنسين حيث السرعة أقل مثلاً عند النساء منها عند الذكور.
وقد يأتي البعض ليقول بأن المستوى الفني والتكتيكي قد يصل إلى مستوى متساوٍ لدى الجنسين من خلال التدريب والموهبة الطبيعية التي يمكن أن تظهر عند إحدى اللاعبات فطرياً كما هو الحال رجالاً، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن لدى النساء بشكلٍ عام وباستثناءات بسيطة، قوة عضلية وسرعة قصوى وقدرة على التحمل أقل من الرجال.
هي حقائق بيولوجية يمكن إثباتها بسهولة من خلال السجلات العالمية في رياضات كثيرة مثل ألعاب القوى حيث سباقات المضمار التي تحكي تواقيتها كل القصة. من هنا، ستبقى كرة القدم النسائية أبطأ، أي أقل إثارة، وأقل أهدافاً خرافية من مسافاتٍ بعيدة أو من مراوغات غير عادية كتلك التي قام بها النجمان الأرجنتينيّان دييغو ارماندو مارادونا وليونيل ميسي قبل الوصول إلى الشباك.
وبين عدم التمييز والاهتمام الواسع حالياً، تستحق منافسات السيدات كل الاحترام والتقدير، لكن إذا ما أخذنا العالم أجمع كمعيار فهي لم تصل إلى نصف شعبية كرة الرجال، ولو أن كثيرين يحلمون برؤية بيلي جين كينغ أخرى في المستطيل الأخضر، وهي النجمة الأميركية السابقة في كرة المضرب التي تحدّت مواطنها المصنّف أوّل عالمياً سابقاً بوبي ريغز عام 1973 وتغلّبت عليه بثلاث مجموعات نظيفة بعدما شكّك بقدرتها على منازلته.