لماذا نسميها انتخابات إذا كنا نرفض صناديق الاقتراع؟ سؤالٌ مطروح من قبل المؤمنين بالديمقراطية وبالرياضة النظيفة من أي ارتباطات خارجة عن إطارها. هو سؤالٌ مشروع بالتأكيد لأن الانتخابات عادةً تعني اقتراعاً وأصواتاً ولوائح متنافسة بروحٍ رياضية، لكن ليس في لبنان حيث اعتاد الرأي العام الرياضي غالباً على تزكية من هنا وتعيينات من هناك، والأسوأ أنها لحظت التوزيع الطائفي والحزبي، فبقي أحياناً أصحاب الاختصاص أو من يستحق خارج دائرة المناصب.من هنا، يعتبر كثيرون بأن انتخابات اللجنة الأولمبية اللبنانية التي أجريت قبل أيام سجّلت انتصاراً لمحازبي الديمقراطية قبل المرشحين الحزبيين الناجحين، وخصوصاً بعدما أجريت انتخابات صوَرية في العديد من الاتحادات الرياضية، فبدا الأمر أشبه بالتعيينات التي تبرع الأحزاب السياسية في ترجمتها من خلال الدوائر والوظائف الرسمية، التي ذهبت في بعض الأحيان إلى أناسٍ غير متخصّصين أو لا يستحقون ما وصلوا إليه، فكانت النتيجة مأساوية بشكلٍ عام للبلاد الرازحة تحت ضربات الهدر والسرقة والفساد.
صحيحٌ أن تجارب عدة في الاتحادات المحلية التي وُلدت من خلال اتفاقات بين الأطراف المختلفة، أرست سلاماً واستقراراً خلال ولاياتها، لكن لا يخفى أن اتحادات أخرى عاشت عواصف داخلية وسط صراعات قاسية بين أقطابها رغم وصولهم سويّاً من خلال الاتفاقات نفسها. وهذا يعني أن التوافق لا يؤمّن الهدوء والاستقرار دائماً بل إن الاختلاف في وجهات النظر قد يكون حاضراً ويرسّخ انشقاقاً داخلياً يعطّل آلية العمل ويضرّ بالمصلحة العامة، وهي مسألة شهدناها في فترةٍ من الفترات في واحدٍ من أكبر الاتحادات.
جولةٌ على عالم الرياضة في البلدان المتقدّمة تترك المتابع أمام مشهدين أساسيين في بلدانٍ تترجم فعلاً معنى الديمقراطية في انتخاباتها.
المشهد الأول هو عدم ارتباط أي انتخابات رياضية بالأحزاب السياسية، وهو الأمر الذي تحرّمه أصلاً المؤسسات الرياضية الكبرى، أي الاتحادات الدولية، حيث تنادي دائماً بإيقاف أي دولةٍ في حال كان هناك أي تدخلٍ سياسي في أي شأنٍ رياضي. طبعاً يأتي هذا الأمر في إطار ضغطٍ حكومي أو غيره للتأثير في عمل اتحادٍ ما، لكن لا يخفى أنه في لبنان تصل أيادي المسؤولين الحزبيين إلى قلب الاتحادات لإبداء رأيها أو فرضه أحياناً في ما خصّ قضايا مفصلية.
كما لا بدّ من التنبّه إلى أنه ورغم وصول أعضاء اتحاديين باتفاقات بين الأحزاب السياسية، فإن المشكلة قد تخلق فجأة في حال توتر الوضع سياسياً بين الأحزاب نفسها في المشهد العام، فتنتقل الكيدية ومحاولات تسجيل النقاط إلى الاتحادات، ليسود جوّ من التوتر وتطفو المشكلات البعيدة كل البعد عن الإطار الرياضي.
الانتخابات عادةً تعني اقتراعاً وأصواتاً ولوائح متنافسة لا تعيينات وتزكية


اما المشهد الثاني الذي يفترض أن يكون أساسياً خلال أي انتخابات اتحادية أو أولمبية في موازاة الاعتراف بالديمقراطية من خلال تقبّل فكرة الدخول في معركة انتخابية، فهو تنافس اللوائح في ما بينها من خلال تقديم مشاريع لإنماء الرياضة وتطويرها، وهي مسألة نادراً ما شهدناها في الوسط الرياضي اللبناني، حيث لا يخرج الإداريون للتلويح بملفاتهم الجاهزة لنقل ألعابهم إلى مستوى أعلى، بل يكتفون بنيل رضى مرجعياتهم أو المسؤولين عن الرياضة في أحزابهم للوصول إلى مناصب بدت وكأنها "بريستيج" لا أكثر بالنسبة إلى البعض، بينما لم يردها البعض الآخر أصلاً بل ملأها لأنه تلقّى "أمراً حزبياً" بهذا الخصوص!
طبعاً لا يمكن نكران دور الأحزاب في تأمين الدعم لأنديةٍ معيّنة، ولا يمكن نكران دورها الأساسي في تطوير المجتمع عامةً، وهو السبب المفترض أنها وُجدت من أجله، لكن لا بدّ أيضاً من القول بأنه ورغم التحالفات الغريبة عن تلك الخاصة بالسياسة وأحزابها، ورغم إقحام السياسة في الانتخابات، فإن مجرد إجراء الأخيرة وسط أجواء ديمقراطية هو مسألة أكثر من صحيّة في بلدٍ يعتبر نفسه ديمقراطياً، لكنّ أقطابه اعتادوا على تقاسم قالب الجبنة، ومن لا يدور في فلكهم يبقى خارج المشهد أيّاً كانت إمكاناته أو معرفته أو ثقافته.
أما النقطة الأخيرة في ما يخصّ التنافس الانتخابي ونتائجه فهي ترتبط بقبول النتيجة والإنصات إلى صناديق الاقتراع وما أفرزته، وطبعاً الأهم بروحٍ رياضية، لأن الرياضة ترتكز بالأساس على هاتين الكلمتين الأساسيتين، فالفائز يملك دوراً، والخاسر يملك دوراً أكبر يُختصر بحقه المشروع بالمعارضة وبالرقابة وبالعمل على تصحيح المسار والإضاءة على الأخطاء في حال وُجدت.
ربما كانت انتخابات اللجنة الأولمبية اللبنانية الأخيرة مجرد بدايةٍ لتغييرٍ في النمطية المتّبعة، ولو أن الكل يعرف بأن سبب إرساء معركة انتخابية لم يكن رياضياً بحتاً. لكنّ الجوّ العام الذي فرض على الجميع، شغل بعض المرشحين خلال شهرٍ واحدٍ أكثر مما يجتهدون في اتحاداتهم خلال ولاية كاملة تمتد لأربع سنوات. أما النتائج فهي أمانة في يد اللجنة الجديدة التي حملت العديد من الوجوه القديمة، وهي أيضاً ورقة في يد الاتحادات التي يفترض أن تراقب وتحاسب بتجديد الثقة أو العكس في الانتخابات المقبلة، وذلك استناداً إلى العمل والتطوير اللذين تحتاج إليهما الرياضة اللبنانية المتراجعة بشكلٍ عام بفعل التأثيرات المالية والاقتصادية والصحية التي تعيشها البلاد.



توزيع المناصب في الأولمبية اللبنانية


عقدت اللجنة الأولمبية اللبنانية المنتخَبة حديثاً أول جلسة لها برئاسة أكبر الأعضاء سناً الدكتور بطرس جلخ، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقد استهلّها مرحِّباً وأعلن أخذ العلم باستقالة السيدَين جهاد سلامة رئيس اتّحاد المبارزة ورولان سعادة رئيس اتحاد ألعاب القوى ثم جرى توزيع المناصب وجاءت على النحو التالي:
الدكتور بطرس جلخ (رئيساً) المهندس هاشم حيدر والسادة جاك تامر وسامي قبلاوي وأسعد النخل (نواباً للرئيس)، العميد المتقاعد حسان رستم (أميناً عاماً)، السيد خضر مقلّد (أميناً للصندوق)، الكومودور ربيع سالم (محاسباً)، المهندس مازن رمضان والمهندس محمود حطاب والسيدان رافي مومجوغليان ووليد دمياطي (أعضاء مستشارين).
بعدها وجّه رئيس اللجنة التهنئة والمباركة لأعضاء اللجنة التنفيذية متمنّياً لهم التوفيق والنجاح في مهامهم، ومشدّداً على وجوب اعتماد روحيّة العمل الجماعي، شاكراً ومقدّراً غالياً لأعضاء الجمعية العمومية على ثقتهم مؤكّداً انتهاج العمل البنّاء لما فيه خير الرياضة والحركة الأولمبية في لبنان.
وختم منوّهاً بجهود اللجنة الأولمبية السابقة برئاسة السيد جان همام والأعضاء خلال السنوات الماضية على الصعد والمجالات كافة.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس اللجنة الدكتور بطرس جلخ هو الشخصية الثامنة في سجل رؤساء اللجنة الأولمبية اللبنانية بدءاً من عام 1947 ولتاريخه وهم السادة: غبريال الجميل ـ حسين سجعان ـ خليل حلمي ـ طوني خوري ـ اللواء سهيل خوري ـ أنطوان شارتييه ـ جان همام.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا