كان من المفترض ان تكون سنة 2020 السنة الذهبية بالنسبة الى كرة القدم في لبنان؛ فالمنتخب الوطني كان قد قدّم نفسه بين المنتخبات الاساسية في القارة الصفراء من خلال بلوغه نهائيات كأس آسيا. كما ان العهد وضع لبنان على خارطة الألقاب الآسيوية بفوزه بلقب كأس الاتحاد الآسيوي، ما لفت الأنظار الى الدوري اللبناني والى نجومه، فكان الترقب كبيراً لموسمٍ انتهى بقرار الغاء بعد مراحل معدودة على انطلاقه.بداية الخسائر التي سُجّلت في الـ 2020 كانت عند انطلاق التحركات الشعبية في البلاد (17 تشرين الاول 2019)، ما ألحق أضراراً أولاً بالاندية التي كانت قد دفعت مبالغ كبيرة لتعزيز صفوفها واستقطاب اللاعبين المميزين المحليين والاجانب. ومما لا شك فيه أن العمل على هذا الصعيد كان حثيثاً لدى الفرق الكبيرة التي أجبرها فوز العهد باللقب القاري ومواصلته هيمنته المحلية، على وضع ثقلها لضم أفضل اللاعبين المتاحين من أجل محاولة إنزال البطل عن عرش الدوري المحلي، لكن إيقاف الدوري أفقد اللعبة متعة منافسة كانت لتعتبر استثنائية بعد ارتفاع مستوى البطولة موسماً بعد آخر في الاعوام القريبة الماضية.
هذه الخسارة ربما بالإمكان تعويضها جزئياً، لكن نوعية التعويض لا تبدو نفسها بالتأكيد، إذ خسرت الفرق أولاً اللاعبين الاجانب الذين لطالما شكّلوا إضافةً إيجابية على المستوى العام، بغض النظر عن الفوارق الفنية في ما خصّ نوعية العنصر الاجنبي بين فرق المقدمة والفرق الاخرى.
كما لا يمكن إغفال مسألة مهمة وأساسية تعدّ خسارة كبيرة للدوري وتالياً للمنتخب، وتتمثّل في ترك لاعبين لبنانيين قَدِموا من الخارج الفرق اللبنانية فور تفاقم الأزمة في البلاد، على سبيل المثال لا الحصر ثنائي الانصار عدنان حيدر وحسن "سوني" سعد.
والتوقف عند هذا الشق يشير الى خسائر من نوعٍ آخر، وهي الأهم بالنسبة الى الفرق اللبنانية، وتختصر بفقدانها قدرتها الشرائية بسبب شحّ الاموال عقب الازمة المالية التي تفاقمت بشكلٍ سريع. وهذه المسألة ترافقت طبعاً مع ابتعاد الرعاة والمعلنين عن الدوري وعن الاندية، فكان الإنقاذ الوحيد لها تلك المساعدة التي أرسلها الاتحاد الدولي "الفيفا" الى نظيره اللبناني، ما مكّن الاكثرية الساحقة من أندية الدرجة الاولى من المشاركة في البطولة التي لم تكن في حسابات البعض منها في فترةٍ من الفترات، بعدما كان تأمين المال شبه مستحيل بالنسبة اليها.
ومع توقف الدوري وابتعاد الاجانب وانخفاض المستوى الفني بشكلٍ طبيعي، لا بدّ من ان يتأثر المنتخب الوطني الذي كان من الصعب جمعه في ظل الظروف الصعبة المختلفة، ومن ثم حتى عندما عادت الحياة الى اللعبة بفعل عدم قدرة العديد من اللاعبين المحترفين في الخارج على الالتحاق بصفوف المنتخب بسبب القيود الصحيّة التي فرضتها جائحة "كورونا" على العالم أجمع، وبسبب إصابة أكثر من لاعب بالفيروس، ما جعل من عملية تجمع المنتخب مجرد مناسبة عادية لم يتمكن من الاستفادة منها بالشكل المطلوب.
وهنا خسرت الكرة اللبنانية ايضاً، إذ إن المنتخب خسر فرصة التطوّر التي سار عليها في الاعوام الاخيرة وصولاً الى كأس آسيا؛ ففي ظل الافتقاد للعملة الصعبة، بات صعباً استقدام الكوادر الأجانب لمختلف المنتخبات الوطنية، وهو ما يؤثر على عملية تطوير النشء أو تعزيز الخبرات المحلية بفنيين أجانب اعتادوا تقديم الاضافة الايجابية.
سنة مأسوية على مختلف المستويات الكروية بسبب الخسائر المختلفة الأوجه


كذلك، طال الإيقاف كل الأنشطة، وبينها بطولات الفئات العمرية، وهي خسارة فعلية للكرة اللبنانية، لأنه بكل بساطة عدم الانتظام بالتمارين وخوض المباريات يوقف نمو اللاعبين الشبان وتطوّرهم، ويؤثر بشكلٍ مباشر على مستقبل اللعبة. وهذه المسألة تنطبق ايضاً على فئات كروية اخرى، مثل كرة القدم للسيدات التي كانت قد بدأت تفرض حضورها الخارجي، وطبعاً كرة القدم للصالات التي خسرت أبرز فريقٍ في تاريخها وهو بنك بيروت الذي اضطر الى ترك ساحة اللعبة، التي فرغت من أبرز نجومها، حيث هاجر بعضهم والتحق البعض الآخر بفرق الملاعب الخضراء.
وهذه الملاعب تحديداً لم تعد خضراء أصلاً في مناطق كثيرة، إذ إن الشح المالي عامةً أبعد البلديات والمسؤولين عن الملاعب عن عملية صيانتها، فتحوّل بعضها الى مشاريع شبه مهجورة وتفتقر الى أقل المقوّمات لاستضافة المباريات، وهو ما يمثّل خسارة إضافية، لأن الملاعب هي المكان الاساس لإطلاق أي مشروعٍ كروي والسير في ركب التطوّر.
بالفعل هي سنة مأسوية على مختلف المستويات، لكن الرياضة وكرة القدم كانتا من بين الخاسرين الكبار، وما المرحلة الحالية بكل شوائبها سوى علامة مضيئة تترك أملاً بإمكان النهوض، ولو أن هذا المشروع يحتاج الى وقتٍ ليس بقصير.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا