غالباً ومع بداية كلّ موسم جديد في الدوري اللبناني لكرة القدم يرتفع عدد الإصابات في الفرق. هو أمر ملموس بالنظر إلى عدم التحضير البدني الجيّد لدى عددٍ من الفرق قبل انطلاق الموسم، إذ تحتاج عضلة اللاعب إلى برامج معيّنة لكي تتمتع بقوة تحمّل ولكي تكون محميّة بشكلٍ طبيعي.هذا النوع من الإصابات ارتفع بوتيرة واضحة في المراحل الست الأولى، وترافق مع ما يسمّى بالتشنّجات العضلية التي أصابت أحياناً عدداً كبيراً من اللاعبين ومن نفس الفريق فسقطوا على الأرض واحداً تلو الآخر في نفس المباراة أو أجبروا مدرّبهم على القيام بتبديلات اضطرارية.

الشدّ والعوامل المسبّبة
هذا النوع من التشنّجات أو ما يُعرف بالشدّ العضلي ترافق مع تمزّق أنسجة بوتيرة عالية، ما يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة بهدف تفاديها في موازاة تطوير العمل الذي يقوم به المدرّبون أو المعدّون البدنيّون.
وفي هذا الإطار يشير المعالج الفيزيائي والباحث في مجال الطبّ الرياضي الدكتور ملحم شمص إلى أنه أجرى دراسة حديثة على عدد من اللاعبين اللبنانيين أخيراً مكنّته من تحديد العوامل المؤثرة لتزايد الإصابات، وهي مسألة مهمّة جداً بالنسبة إليه بحسب ما يقول، لأنها تمكّنه من محاصرة جوانب المشكلة المشتركة ومعالجتها، كونه يعمل مع عددٍ كبير منهم، إذ إنه يشرف طبيّاً على فريق الصفاء في الدرجة الأولى، وفريق سبورتينغ في الدرجة الثانية، وفريق حومين في كرة القدم للصالات، إضافةً إلى المنتخب الأولمبي وعددٍ من الأكاديميات.
ويقول شمص: «عند إصابة اللاعبين بهذا الكمّ أو معاناتهم من نفس المشكلة يجب أن نسأل أولاً إذا ما استوفى التحضير البدني وقته الكافي أو الشروط المعتمدة عالمياً، خصوصاً أن «الفيفا» أطلق برامج متطوّرة للاعبين من أجل العودة إلى الملاعب بعد أزمة «كورونا». لذا يجب أن يتماشى تدريب اللياقة اولاً مع التطورات والوضع الآني وفترة التوقّف القسري».
لكن لا بدّ هنا من التوقّف عند مسؤولية اللاعب أيضاً في ما خصّ التحضير للمباريات، وذلك لناحية تناول الغذاء الصحيح والمكمّلات الغذائية، ونيل قسطٍ كافٍ من النوم، وهي مسألة ترتبط بالتوعية الرياضية لناحية تثقيف اللاعبين والإضاءة على نقطة مهمّة وهي أن أجسامهم هي مسؤولية خاصة تجاه أنفسهم.
الافتقار للوعي وتحمّل المسؤولية الفردية خلال الإقفال أدى إلى تزايد مستوى الإصابات


كما تتحمل الأندية ومن خلفها المدرّبون مسألة يشكو منها اللاعبون كثيراً، وهي الإلحاح عليهم للعودة إلى التمارين رغم عدم تعافيهم تماماً من الإصابة أو شعورهم بالإرهاق، ما يرفع من خطر إصابتهم أو مضاعفة إصابة موجودة أصلاً وتحوّلها في بعض الحالات إلى إصابة مزمنة.
ويعلّق شمص على هذه النقطة قائلاً: «هي مسؤلية الجهازَين الفني والطبي لتطبيق القواعد السليمة من منح الوقت الكافي للاعب لاستئناف نشاطه، ونوعية الإحماء والتبريد قبل وبعد كلّ حصة تدريبية، وهي خطوات لا تطبّق في كثيرٍ من الأندية بشهادة عددٍ كبير من اللاعبين».
لكن لا شكّ في أن «كورونا» ضربت كلّ الأنظمة المرتبطة بالحياة اليومية للاعبين، وتحديداً النظام الغذائي، إذ مع ملازمة غالبية اللاعبين لمنازلهم لفترة طويلة، عانى غالبيتهم من زيادة الوزن بسبب الإفراط في تناول الطعام والابتعاد عن الروتين اليومي المعتاد الذي يفرض الانتباه إلى نوعية الأكل وكميّته وخلق توازن بين النظامَين الغذائي والتدريبي، وهو أمر مفترض أن يخضع لرقابة الأجهزة الفنية أيضاً.

بين الحلول البدنيّة والطبيّة
إذاً كثيرة هي المشكلات التي تنتج عنها إصابات اللاعبين حالياً في الدوري اللبناني، وقد وصلت باعتراف بعض المدربين إلى تحميل السبب للاعبيهم بسبب نوعية الأحذية التي يستخدمونها، وذلك في موازاة لعبهم معظم المباريات على أرضية اصطناعية، ومنها بحالة سيئة جداً وتتسبّب بالإصابات.
لكن الأكيد أكثر أن الإقفال القسري للبلاد سيؤدّي إلى المزيد من المشكلات في ما خصّ الإصابات، إذ أن مدة توقف التمارين والمباريات ليست قصيرة ولو أن بعض الفرق واصلت التدرّب بالسرّ، بينما كان يفترض بالفرق العاجزة عن استكمال نشاطها المعتاد متابعة لاعبيها عن كثب أو الإيعاز إليهم بضرورة التدّرب فردياً.
ويقارن شمص هذه النقطة مع ما حصل حول العالم فيقول شارحاً: «مدة الإغلاق وحدوثه المفاجئ كان عملاً أساسياً في تردّي الجهوزية البدنية لمعظم اللاعبين عالمياً، لكن ثقافة الرياضي واحترافيته في الخارج مكّنته من استدراك المخاطر والبدء بالتحضير المبكر إمّا بمبادرة شخصية أو جماعية». ويضيف: «لكن يجب التنبّه إلى أن دراسات عالمية توقعت ازدياداً في عدد الإصابات على اعتبار أن التدريب المنزلي غير كافٍ، إضافةً إلى تغيّر الروتين الغذائي للاعب ووجود عامل الضغط النفسي، ما يؤدي إلى استنزافٍ واضح لجهوزية اللاعب».
بالفعل كشفت بعض الدراسات التي أجريت في الدوري الألماني والدوري الأوسترالي مع استئناف الموسم الكروي بعد التوقف بسبب «كورونا» ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الإصابات، خصوصاً تلك المرتبطة بالتشنجات والتمزق العضلي وحتى ازدياد الإصابات المرتبطة بالأغشية العضلية. أما في لبنان، فإن الافتقار للوعي الرياضي وتحمّل المسؤولية الفردية لا سيما خلال الإقفال أدّى إلى تزايد مستوى الإصابات، فالمطلوب مبادرات جماعية لتحفيز اللاعبين على المواظبة على التمارين، وهي مسألة وإن حصلت في بعض الأندية لكنها كانت خجولة.
ويتوقّف شمص عند هذه النقطة فيقول: «علينا كجهاز فنيّ وطبيّ مجتمعين التوصية ببرنامج تحضير بدني متداخل مع برنامج وقاية من الإصابات وتعميمه ليكون مدخلاً عاماً للعمل لجميع فرق الدوري. كما أن تطوير برامج التدريب وتحديد أطرها هي من المسائل الأساسية والحاسمة للوقاية من الإصابة». ويتابع: «يجب أن تتضمّن الدورات التدريبية برامج خاصّة بالتمارين الهوائية والمقاومة والسرعة والمرونة، خصوصاً في مراحل معيّنة من الموسم، وكل هذا طبعاً بناءً على مدى تقدّم حمل التدريب وما يترتب على ذلك من استجابة التكيّف الفيزيولوجي». ويختم: «علاوة على ذلك يجب دمج تمارين الوقاية من الإصابة مع التركيز بشكل خاصّ على تفادي الإصابات الشائعة في ما يرتبط بالأوتار والعضلات».
هذه البرامج ليست بجديدة فهي موجودة لدى الاتحاد الدولي للعبة، وقد تمّ تطويرها ودراسة فعاليتها، لذا يبقى التطبيق الجاد والمسؤول في قطاعنا الرياضي، وذلك في موازاة توجيهات القيّمين على اللعبة والمتخصّصين في هذا المجال لتوزيع المعلومات بهدف تقسيم المهام وخلق هيكلية واضحة ومفيدة للبرامج الخاصة بالأجهزة الفنية، ما يعني أن خلق لجنة طبيّة رياضيّة مشتركة أصبحت مسألة مفصلية لمراقبة وتقييم وتطوير وتطبيق ما يلزم خدمةً للمصلحة العامة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا