ليست هذه انطلاقة العهد الأسوأ خلال العقد الأخير. هي نفسها انطلاقة موسم 2011-2012 مع المدرب الألماني ثيو بوكير، وأفضل من انطلاقة الفريق مع موسى حجيج في موسم 2017-2018. الفارق في الضغط اليوم يكمن في النظام الفني الاستثنائي المعتمد الذي لا يسمح بإهدار الكثير من النقاط، ما يعني وقتاً أقل للتعويض. أمّا الفارق بين الفريق الفائز بلقب الدوري في المواسم الثلاثة الأخيرة والفريق الحالي، أن الأخير لا يضم سبعةً من اللاعبين الذين خاضوا أول مباراةٍ قبل ثلاث سنوات، ولا ستة من لاعبي الأسبوع الأخير؛ لا أجانب، ووجوهٌ شابةٌ جديدة، وتحدٍّ بين فريقٍ لم يستوعب بعد أن مدرّبه صاحب الإنجاز الآسيوي قد رحل، ومدرباً جديداً يطمح لإثبات نفسه، وربما، أحد أكثر الأمور أهميّة، غياب عيسى يعقوبو.
ظهر العهد بلا روح ومفتقد للحافز في آخر مباراتين(عدنان الحاج علي)

فوزٌ صعبٌ على البرج، ثمَّ خسارةٌ أمام الإخاء الأهلي عاليه فتعادلٌ مع التضامن صور. 22 فرصة للتسجيل و32 تسديدة، 19 منها على المرمى، لكن العهد لم ينجح بعد بهزّ الشباك سوى ثلاث مرات من المباراة الأولى. «المشكلة» الهجومية لا تبدو في قلّة خَلق لاعبي الفريق فرصاً للتسجيل، وقد تكون بحسب الأرقام، إمّا رعونة المهاجمين، أو تألّق حرّاس المرمى، وربما الاحتمالين معاً، وهو الأصح. لكن الشكل الذي يظهر عليه العهد لا يتوقّف عند عدم تسجيله أي هدف في آخر مباراتين، بل يمتدّ إلى الأهداف الثلاثة التي تلقّاها، وفي خط وسطه غير الخلّاق، وانتشار اللاعبين وتمركزهم الخاطئ، وصولاً إلى غياب بعض أهم لاعبيه، وغالباً، تعيين مدربٍ جديد.
البداية من الفوز على البرج. صاحب أقوى خطّ دفاع في الموسم الأخير، الذي لم يتلقَّ سوى 9 أهداف طوال البطولة، دخل شباكه ربع هذا العدد في أوّل مباراتين، والسبب يعود أوّلاً إلى سوء تمركز اللاعبين. قبل تسجيل أبو بكر المل هدف التعادل بثوانٍ، كان العهد قد بدأ اللعبة بثلاثي دفاعي، مع تقدّم حسين دقيق إلى وسط ملعب الفريق المنافس، وهو أمرٌ يحصل بشكلٍ متكرّر. وصلت الكرة إلى حسين العوطة في أقصى اليسار، فتقدّم حسين زين للضغط عليه، تاركاً محمد جعفر خلفه، أما وليد شور، لسببٍ ما، حاول التراجع فور تسلّم العوطة الكرة، قبل التقدّم مجدّداً، في حين كان من المفترض أن يضغط على اللاعب الوحيد القادر على تسلّم التمريرة، وهو حسين ابراهيم، إذ إن تمرير الكرة إلى وليد اسماعيل قد يشكّل خطراً في ظلّ وجود طارق العلي خلفه ومحمد قدوح على الخط عينه. شور أدرك الأمر متأخّراً، ومع تسلّم ابراهيم الكرة، لعبها طويلة إلى جعفر، ليُشير جاد نور الدين، المتقدّم بدوره، إلى التسلل، في ظلّ تراجع دقيق للبقاء مع أبو بكر المل على الطرف. الأخير ضغط إلى وسط منطقة الجزاء، قبل أن يتسلّم ويُسدد مباشرةً نحو المرمى.
نور منصور أيضاً تسبب بالهدف الثاني، ففي حين كان جاد نور الدين قادراً بسهولةٍ على إبعاد تمريرة أبو بكر المل باتّجاه محمد جعفر، تقدّم منصور ليتكفّل بهذه المهمة، قبل أن يلعب تمريرة خاطئة لحمزة عبود الذي بدوره لعب عرضية إلى العوطة غير المراقَب.
التمركز الخاطئ تسبّب بالهدف الذي سجّله ابراهيم بحسون خلال المواجهة مع الإخاء. تلك لقطةٌ لا يصعب الحديث عنها، مع خروج الحارس مهدي خليل من مرماه، على الرغم من مزاحمة المدافع حسين الحسيني لمهاجم الإخاء. الهدف عموماً بدأ من تمريرةٍ خاطئة من البديل هيثم فاعور، وتمريرة طويلة ذكية من موسى الزيّات.

حنين إلى يعقوبو
وسط ملعب العهد بدا غير خلّاقٍ في المباريات الثلاث. ثنائية حسن سرور ووليد شور لا تقدّم حلولاً هجومية. العهد سبق أن لعب بمثل هذه الطريقة في كأس الاتحاد الآسيوي، وضمن المسابقات المحليّة أيضاً، أحياناً مع وجود هيثم فاعور إلى جانب شور، لكن دائماً، يعاني الفريق من صنع فرصٍ للمهاجمين من وسط الملعب قبل دخول حسين منذر، وهذا أمرٌ لا يحصل غالباً حين يشارك الغاني عيسى يعقوبو. المدرب السابق باسم مرمر اعتمد في العديد من المباريات على الثلاثي يعقوبو وفاعور ومنذر، لكن ذلك كان يحصل عندما يغيب حيدر في وسط الملعب، وبالتالي، الهدف كان دائماً خلق الفرص من الوسط إلى الطرفين، إن كان إلى الجناحين أو الظهيرين.
تلقّى العهد ربع الأهداف التي تلقاها طوال الموسم الماضي في مباراتين فقط هذا الموسم


رضا عنتر لم «يخترع» شيئاً جديداً تسبّب في ظهور وسط الفريق عاجزاً. ببساطة، يفتقد الفريق إلى يعقوبو، كما افتقد إلى فاعور في جميع المباريات، ولو أنه شارك بديلاً أمام الإخاء، ولعب أساسياً بمواجهة التضامن، إنّما في قلب الدفاع. والأمر عينه ينسحب على حسين منذر الذي خاض دقائق معدودة في المباراة الأخيرة. اللافت، أن هذا الأخير، صنع فرصة واحدة للتسجيل، أكثر ممّا صنع الثنائي حسن سرور ووليد شور في ثلاث مباريات. أما حيدر، الذي يلعب خلف المهاجمين، وكان يبدو أنه سيلعب كجناحٍ أيمن بمواجهة التضامن، لولا إصابته في الدقيقة الأولى، صنع ثلاث فرص هجومية، وقد بدا واضحاً كيف راح يتراجع إلى الخلف خلال مواجهة البرج لتمرير كراتٍ إلى الطرفين. المشكلة ليست في سرور وشور، بل في وجودهما معاً على أرض الملعب في الوقت الذي يحتاج فيه العهد إلى تسجيل الأهداف. كلاهما يلعب دوراً محورياً دفاعياً جيّداً، وكلاهما أيضاً غير قادرٍ على تقديم ما يقدّمه يعقوبو أو منذر. عنتر أساساً يُدرك هذا الأمر، فقد أشرك مهدي فحص بدلاً من شور مع انطلاق الشوط الثاني من مواجهة البرج، وأخرج الأوّل من التشكيلة الأساسية ليدخل فحص أمام الإخاء، قبل أن يتقدّم الأخير إلى مركز خلف المهاجمين أمام التضامن، مع انتقال حيدر إلى جهة اليمين. عموماً، هذه واحدة من المشكلات في العهد، وإنّما ليست المشكلة الوحيدة التي قد تُحل مع عودة منذر أخيراً، علماً أن مدّة غياب حيدر غير معروفة بعد. الفريق صنع فرصاً كثيرة عبر لاعبين آخرين، أوّلهم علي الحاج، ووصل إلى المرمى كذلك، لكن لا بدّ من ذكر أن الهدّاف في الموسم الأخير من البطولة، كان مارتن توشيف، بفارق خمسة أهدافٍ عن ثاني الهدافين محمد قدوح، وستة أهداف عن أحمد زريق. حسن شعيتو «موني» تصدّر ترتيب الهدافين في الموسم الذي سبقه، وإدريسا كوياتي جاء من بعده، ثم زريق، قبل الوصول إلى قدوح. صحيحٌ أن المجموعة كانت ناجحة، لكن الفريق يحتاج دائماً إلى الهدّافين.

مرمر الغائب الأبرز
عدا عن الأخطاء التي تسبّبت بتلقّي العهد ثلاثة أهداف، وافتقاد خط الوسط للاعبين أساسيين، إلى جانب غياب أحمد زريق عن الهجوم، ثمّة شقٌّ لا يمكن تحييده، وهو غياب المدرب باسم مرمر. الأخير صنع جوّاً خاصاً بينه وبين اللاعبين في العهد، ربما لم يكن لينجح في صنعه مع أيّ نادٍ آخر. هذه المجموعة كانت ناجحة مع المدرب السابق، و«فشلت» بعد تعيين موسى حجيج مدرباً، على الرغم من المشاركة المشرّفة في البطولة العربية وعدم خسارة أيّ مباراة في الدوري، وعادت لتنجح في الموسم عينه قبل الفوز باللقب. الإدارة والمدرب اتّفقا على فسخ العقد، وكلاهما علما أن الفريق يحتاج إلى صدمة، تمثّلت في عودة مرمر إلى القيادة الفنيّة. سنواتٌ من العمل مع مجموعةٍ واحدةٍ من اللاعبين، قلّما دخل عليها مستجد أو خرج منها أحد، من الصعب أن تتعايش مع جوٍّ جديد. ما باستطاعة المدرب تقديمه، وما في جعبته من أفكار، يحتاج إلى الوقت، وعنتر لم يُعيَّن مدرباً إلا قبل أيامٍ على انطلاق البطولة. المشكلة، أن الوقت المتاح قد لا يكون كافياً، والمواجهة المقبلة مع الأنصار ترسم طريق الفريق هذا الموسم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا