لا يخفى أن الأنصار هو الفريق الأكثر مشاركةً في المسابقات الآسيوية بين الفرق اللبنانية، وهو أمر طبيعي كونه الأكثر حصداً للألقاب المحلية، إذ حمل كأس بطولة الدوري 13 مرّة، وكأس لبنان في 14 مناسبة.ألقاب أضيفت إلى مشاركاته القارية، حيث أطلّ في 11 نسخة من بطولة الأندية الآسيوية (دوري أبطال آسيا حالياً)، وفي 5 نسخات في كأس الاتّحاد الآسيوي، إضافةً إلى مرتين في كأس الكؤوس الآسيوية التي انطلقت عام 1991 وتوقفت عام 2002، حيث توزّعت الفرق الفائزة باللقبين المحليين على البطولة الأم، ومن ثم وزّعت بين البطولة الكبرى وتلك الأصغر منها أي كأس الاتحاد بعد إطلاقها عام 2004، وذلك بحسب معايير محدّدة وضعها الاتّحاد الآسيوي تفصل بين الدول التي تنظّم دوري محترف، ودول أخرى لا تزال تنظّم دوري هواة أو لا تملك هوية واضحة على هذا الصعيد، أي أنها تتأرجح بين الهواية ونصف الاحتراف إذا صحّ التعبير.
خلال كل تلك المشاركات الكثيرة، عرف الأنصار محطات مجيدة، أبرزها بالتأكيد بلوغه الدور ربع النهائي 3 مرات في بطولة الأندية الآسيوية، وهي مسألة ليست بالبسيطة أبداً، لكن هنا ينقسم الرأي بين من يقول بأنه كان بإمكان النادي البيروتي الذهاب بعيداً في المسابقة الأكبر كونه ضمّ وقتذاك أبرز نجوم اللعبة في لبنان، وبين من يقول بأنه كان من المستحيل على الأنصار الفوز بأيّ لقبٍ آسيوي بسبب قوة الفرق التي واجهها غالباً، وفي نفس الوقت يعتبرون أن ما قيل إنه إنجاز ببلوغ ربع النهائي في أكبر قارةٍ في العالم هو دليل ملموس على أن «الأخضر» لم يسيطر على اللقب المحلي بفضل مساعدة من خارج الملعب، ولو أن هذه النقطة تحديداً تفتح جدالاً لم ينتهِ أصلاً منذ سير الأنصار في تلك السلسة القياسية من النجاحات التي أدخلته موسوعة غينيس.
لكن بشكلٍ أو بآخر، فإنّ الاضاءة على نقطة احتكار الأنصار لبطولة الدوري اللبناني وتمتّعه بوجود كوكبة من النجوم التاريخيين في صفوفه والأسماء الكبيرة التي لا تُنسى، وخلفهم مدير فني عظيم هو عدنان الشرقي (من دون نسيان دور رفيقه الدائم المدرب محمود برجاوي «أبو طالب» والكادر التدريبي المساعد)، يترك مجالاً للكلام عن أن الأنصار اعتاد على حصد الخيبات رغم طموحه الكبير بإحراز لقبٍ خارجي، ليسجّل نفسه مجدّداً على رأس كتّاب وصنّاع تاريخ كرة القدم اللبنانية، وهو ما سبقه إليه العهد في الموسم الماضي برفعه كأس الاتّحاد الآسيوي. تلك المسابقة التي يدخلها الأنصار بطموحاتٍ غير خفيّة على أحد، جعلته يعمل بعكس التيار بالنسبة إلى كل الفرق التي لا تزال تنشط بعد الأزمة التي عصفت بلبنان، فحافظ على استقرارٍ مالي في ما خصّ ارتباطاته باللاعبين، وعمل على عدم الاستغناء عن أيّ لاعبٍ أجنبي لا بل إنه تعاقد مع مدربٍ جديد، وعمل على تعزيز صفوفه أكثر.
هل حان وقت الأنصار لمحو الخيبات الآسيوية وتسطير إنجازات بالكؤوس لا بالنتائج؟


كل هذا من أجل كأس الاتّحاد التي خرج الأنصار منها من دور المجموعات في كل مشاركاته السابقة، محققاً نتائج لا تترك أي ذكرى على شاكلة تلك التي تركها للمتابعين في تسعينيات القرن الماضي في بطولة الأندية الآسيوية، والتي اعتبرها الأنصاريون إنجازات رغم عدم الفوز باللقب، وذلك لأسبابٍ واضحة وصريحة، وهي أن شكل البطولة الآسيوية سابقاً كان أكبر من كرة القدم اللبنانية، لكن الأنصار تمكّن من فعل ما اعتُبر مستحيلاً في مراتٍ عدة، من دون أن يسقط المنطق الذي يُختصر بوجود فرقٍ يابانية، صينية، سعودية، إماراتية، إيرانية وغيرها في دائرة المنافسة التي دخلها، وهي فرق كانت قد سبقت بلدانها لناحية التطور الكروي ووصلت إلى كأس العالم واستقطبت أجانب على مستوى عالٍ جداً بغية الفوز بالكأس الأهم.
العودة إلى موسم (1993-1994)، وهو الموسم الذي بلغ فيه الأنصار ربع نهائي بطولة الأندية الآسيوية بعد 3 مشاركات سابقة، تعيد إلى الذكرى تلك المباريات الكبيرة التي قدّمها «الزعيم»، والتي بدأها بإقصائه الاتّحاد القطري في عقر داره في الدور التمهيدي، حيث قلب تأخره أمامه إلى فوز (3-1) بعد تعادلهما (0-0) في بيروت. بعدها كان التعادل السلبي حاضراً في لقاءي الذهاب والإياب أمام باس طهران الإيراني، لكن الأنصار حسمها (5-4) بركلات الترجيح ليبلغ ربع النهائي الذي ضمّ 6 فرق فقط تمّ تقسيمها على مجموعتين، فاحتلّ بطل لبنان المركز الثالث في المجموعة الأولى خلف فيردي كاواساكي الياباني وعُمان الذي عاد وبلغ المباراة النهائية التي خسرها أمام تاي فارمرز بنك التايلاندي.
بعدها بموسمٍ واحد فقط (1994-1995)، وصل الأنصار إلى نفس المرحلة بعد مباراة لا يمكن نسيانها وشهد عليها ملعب بلدية برج حمود. هناك دخل الأنصار إلى لقاء الإياب مع الشباب السعودي ضمن الدور الثاني، وهو متأخر بثلاثة أهداف نظيفة بعد مباراة الذهاب. لكن نجوم الأنصار تفوّقوا على أنفسهم وعلى نجوم الشباب وعلى رأسهم النجم المغربي رشيد الداوودي، وتمكّنوا من الفوز مجدّداً بركلات الترجيح (5-4) بعدما فرضوا التعادل بفوزهم (3-0).
لم يفُز الأنصار بعدها بأيّ مباراة في هذه النسخة، إذ أن كلّ الفرق عملت على رفع مستواها لتتمكّن من بلوغ أبعد المراحل، فاحتلّ الأنصاريون المركز الأخير في مجموعة صعبة ضمّتهم إلى جانب نفيتشي الأوزبكي، العربي القطري (وصيف هذه النسخة التي فاز فيها تاي فارمرز بنك أيضاً)، والوصل الإماراتي.


غاب الأنصار عن ربع نهائي النسخة التي تلت، وعاد إليه سريعاً في موسم (1997-1998)، فائزاً على العربي الكويتي ذهاباً (2-1)، وإياباً (1-0)، في الدور الأول، ليتابع المشوار نحو الدور الثاني مُقصياً الوحدة السوري بتسجيله 4 أهداف مقسّمة على المواجهتين، قبل أن يقف في وضعٍ صعب أمام برسيبوليس الإيراني والهلال السعودي في المجموعة التي تذيّلها وضمّت أيضاً نافباهور الأوزبكي. نتائج لا بدّ من التوقّف عندها، لكن المنطق الذي ساد في تلك الفترة والقائل بأنّ وضع الدوري وعدم وجود منافسٍ فعليّ قوي للأنصار محلياً، وميزانية الفريق البيروتي مقارنةً بمنافسيه الآسيويين، ووضع اللاعبين الهواة مقارنةً بالمحترفين، تترك قناعة ضمنية بأن ما حققه «الأخضر» يوماً يصبّ في خانة «شبه الإنجازات»، لكنه داخلياً لا يخرج من خانة الخيبات أيضاً، وهو الأمر الذي يسعى اليوم لتعويضه من بوابة مسابقة تبدو في المتناول، إذ لا يخفى بأن فرق كأس الاتحاد الآسيوي تبدو بعيدة كل البعد عن فرق الصف الأول المشاركة في دوري أبطال آسيا، وحتى أن عودة الكويتيين إلى البطولة لم تظهر أنها عائق كبير، أقلّه من خلال ما قدّمه بطل المسابقة 3 مرات أي الكويت في مواجهة وصيف الدوري اللبناني.
لذا لا ضير من السؤال: هل حان وقت الأنصار لمحو كلّ تلك الخيبات وتسطير إنجازات بالكؤوس لا بالنتائج فقط، أم أن فترة الانتظار ستطول أكثر، ويبقى مجد الأنصار محصوراً بالساحة المحلية؟