تركت خسارة العهد أمام مضيفه اتحاد جدة السعودي بثلاثية نظيفة قلقاً كبيراً حول ما يمكن أن يقدّمه النجمة في مواجهة الترجي التونسي مساء اليوم، ليس لأن الأخير يملك مستوى عالياً جداً وربما حتى أعلى من الاتحاد، ولا لأنه بطل أفريقيا، بل عندما ترى أن بطل لبنان الذي لم يخسر طوال موسمين على الصعيد المحلي يخرج بخسارة بهذا الحجم، ستشعر حتماً بالقلق على فريقٍ احتلّ المركز الثالث في الموسم الماضي مسجّلاً تراجعاً فنياً صريحاً مقارنةً بالموسم الذي سبقه.ومع خسارة العهد كان لا بدّ أن يجتاح «التزريك» مواقع التواصل الاجتماعي من قِبل الجماهير المنافسة للفريق الأصفر، وتحديداً جمهور النجمة الذي يترقّب النتيجة التي ستؤول إليها المباراة الأولى لفريقه، وهو الذي يعلم تماماً مدى الصعوبات التي تحملها هذه البطولة في مواجهة فرق محترفة على غرار ما عاشه أمام الأهلي المصري في الموسم الماضي.
من هنا، كانت الواقعية حاضرة في تعليقات عكست نضوج كاتبيها، محذّرة من الانجراف وراء انتقاد العهد، لأن النجمة قد لا يكون بمنأى عن مواجهة «معمودية النار» بطريقة مشابهة بعدما بدت القرعة قاسية عليه وعلى غريمه، عندما وضعتهما أمام اثنين من أقوى الفرق العربية.

الاعتراف بالواقع المرير
مما لا شك فيه أن التشاؤم الذي ساد منذ خسارة العهد مزعج، لكن الأكثر إزعاجاً كانت عبارة «هذا هو مستوانا»، التي يمكن أن تعتبر صفعة توقظ البعض من أوهام أن لبنان وبتأهّله إلى كأس آسيا 2019 يمكن أن يكون قد اقترب من كبارها، وهو أمر لا يخرج إلا من أفواه العاطفيين والمتحمّسين أكثر من اللزوم. الواقع أن العبارة تعكس واقعاً أليماً يطرح سؤالاً عريضاً حول أسباب اتّساع الهوّة التي كانت موجودة أصلاً بين لبنان وأقرانه العرب، في وقتٍ تبدو فيه الإجابات كثيرة.
الإجابة الصريحة الأولى تنطلق من نتائج المنتخب الوطني في العرس القاري، إذ بدا واضحاً الفارق في المستوى بينه وبين خصمين قويين في مجموعته أي منتخبي السعودية وقطر اللذين قدّما منتخباً من نتاج الدوري المحلي، بينما جمع «منتخب الأرز» تشكيلة تخلط بين المحليين والمغتربين الذين ينشطون في بطولات أوروبية، بينها ما هو أعلى من الدوري السعودي والدوري القطري. لكنّ ارتفاع مستوى اللاعبين السعوديين والقطريين هو بسبب الدوري في البلدين، وبسبب الأندية والنظام العام، وبسبب الإمكانات المتوفّرة، وكل هذه النقاط لا يمكن مقارنتها بمكان عند ذكر اسم لبنان. لذا ينطلق الكلام بدايةً من ضعف الدوري اللبناني، وخصوصاً انحصار المنافسة بين فريقين أو ثلاثة على أبعد تقدير أقلّه في الأعوام العشرة الأخيرة، وهو أمر لم ينتج فرقاً قوية كثيرة أو يعزّز روح المنافسة بين اللاعبين بحكم تجمّعهم في فرقٍ محددة، ما يعني أن اللاعب الذي ينشط مع أحد فرق المقدّمة قد يخوض 4 مباريات قوية كحدٍّ أقصى خلال الموسم.
المطلوب هو خروج الجميع إلى مرحلة تطويرية تنقل اللعبة إلى فضاء أكبر


أضف أن الإمكانات المحدودة لا تسمح للفرق اللبنانية باستقدام أجانب بمستوى أولئك الذين تستقدمهم الفرق العربية التي تلعب في بطولات محترفة في آسيا وأفريقيا، حيث تصرف الملايين وتنافس أحياناً الأندية الأوروبية على أسماء معروفة، وهو أمر يساهم في رفع مستوى الفرق وتطوّر اللاعبين المحليين بحُكم احتكاكهم مع لاعبين يملكون مستوى أعلى منهم. ويمكن أخذ الدوري السعودي كمثالٍ صارخ في هذا الإطار حيث يسمح لكلّ فريق باستقدام 7 أجانب، إضافةً إلى أحقيتهم بضم لاعبٍ أجنبي إضافي إذا كان من مواليد السعودية.
وهذه النقطة أفادت الأندية المعتمدة على الأجانب بشكلٍ كبير في البطولة العربية حيث يسمح القانون لكلٍّ منها بضم 5 لاعبين، في وقتٍ لم يواكب فيه لبنان حتى الآن أقله معايير البطولة التي يشارك فيها قارياً أي كأس الاتحاد الآسيوي، حيث يسمح لكل فريق بإضافة لاعبٍ يحمل جنسية أحد البلدان الآسيوية إلى قائمته. وفي هذه المسألة إفادة إيجابية كبيرة لناحية رفع مستوى الدوري، إضافةً إلى أنها حاجة واضحة على اعتبار أن المستوى العام تراجع تباعاً منذ مطلع الألفية الجديدة بفعل عدم ظهور مواهب استثنائية بشكلٍ كبير، والدليل تواصل تألق اللاعبين المخضرمين، ومنهم من شارف على العقد الرابع من العمر، في البطولات المحلية.

مشاركات قارية غير مفيدة
بالحديث عن كأس الاتحاد الآسيوي، فإن هذه البطولة تبدو بعيدة كل البعد عن البطولة الأم أي دوري أبطال آسيا، إذ يمكن تصنيفها ببطولة مخصّصة للبلدان الهاوية حصراً، ولا تضيف المشاركة فيها الشيء الكثير للاعب على المستوى الشخصي فنياً ولا حتى للأندية لناحية العائدات المالية التي يمكن من خلالها تحسين البنية التحتية الأساسية في مسألة تطوير اللاعبين، وطبعاً التي تساعد هذه الأندية على استقدام أجانب أفضل، وتفرّغ اللاعبين تماماً للكرة، إذ إن الاحتراف ليس بالعقد المثبّت في الاتحاد المحلي فقط بل من خلال أسلوب الحياة والتدرّب والالتزام والارتباط الصحيح باللعبة.
وفي الإضاءة على الاحتراف يبرز الواقع المرير الذي يمكن أن يبقي الفرق اللبنانية في ظل نظيرتها العربية المتقدّمة لسنواتٍ طويلة من دون أن تنتظر أي إنجاز. وهنا المقصود هو المعايير التي وضعها الاتحاد الآسيوي في ما خصّ منح التراخيص للأندية للمشاركة في البطولة القارية الأكبر، وهي معايير إلزامية محددة بجوانب رياضية وأخرى تخصّ البنى التحتية والإدارية والقانونية والمالية. وكل هذه الجوانب ليست متوفّرة في الأندية اللبنانية كافةً، ما يعني أنه حتى لو غضّ الاتحاد القاري النظر عن بعض النقاط، فإن هناك استحالة لتغاضيه عن معايير محددة تبدو أساسية في عملية قبوله للأندية المشاركة في الأبطال حيث الهدف نقلها إلى مستوى احترافي على كافة الصعد.
إذاً المسألة هي مسألة عامة و«الحق على النظام»، بمعنى لا يصوّب على نظام الاتحاد الآسيوي أو على نظام الاتحاد اللبناني بشكلٍ مباشر، ولا على الأندية اللبنانية أيضاً، بل على عدم وجود استعداد لدى الجميع بالخروج إلى مساحةٍ أوسع تنقل معها اللعبة والأندية والمنتخبات إلى فضاء أكبر، وهو أمر لن يحصل إلا من خلال ورشة حقيقية داخلية تخرج بقرارات تطويرية حاسمة أصبحت لزاماً على لبنان قبل أن يجد نفسه بعيداً أكثر عن أشقائه العرب الذين سبقوه أصلاً إلى العالمية البعيدة المنال بالنسبة إليه.