يمرّ نادي الأنصار بمرحلة «صعبة». بدأ الأمر مع «اعتكاف» الرئيس نبيل بدر «الحردان» بسبب عدم نجاحه في الانتخابات النيابية. أصدر بياناً دعا فيه من يريد تسلّم النادي إلى التقدّم بمشروع واضح يحفظ النادي واللاعبين ويؤمّن الاستمرارية، ويتمتع بالإمكانات المالية والكفاءة الإدارية لتأمين مستلزماته. كان يوم 31 أيار/مايو هو الأخير في المهلة التي أعطاها بدر لمن يريد أن يكمل المشوار. وقبل يوم واحد من نهاية المهلة، صدر بيان تحت عنوان «مبادرة إنقاذية» من الرئيس الفخري سليم دياب (النائب السابق)، جاء فيه بأن الأخير «مع مجموعة من المعنيين» اجتمعوا وقرروا تسلّم المهمة ودعوة الجمعية العمومية للتشاور الأسبوع المقبل مع شكر اللجنة الإدارية ورئيسها نبيل بدر على ما قدمته. ولم يعرف أحد طبعاً من هم «المعنيون». لم تمر 24 ساعة، حتى صدر بيان عن رئيس نادي الأنصار، بعد اجتماع اللجنة الإدارية للنادي يشير إلى العودة عن الاعتكاف، وإكمال «المسيرة» وذلك «نتيجة عدم تقديم أي جهة لمشروع جدي واضح ومكتوب بالأرقام كشرط لتسليمه زمام الأمور في النادي». وهكذا، يستمر «الأكشن».عاد الرئيس «التاريخي» للأنصار سليم دياب ــ المرتبط بالزمن «الحريري» ــ الى الواجهة بعد غياب لسنوات عديدة. لم تأتِ المباردة عبر أي شخص مقرّب منه بل عبر دياب شخصياً، لكن بدر تجاهل مبادرة دياب كأنها لم تكن.
ثلاث وجهات نظر تشرح لـ«الأخبار» الأسباب والتداعيات. الأولى لشخصية أنصارية عريقة من خارج الصراع، الثانية لأمين سر الأنصار الأسبق محمود الناطور الذي هو من ضمن فريق عمل سليم دياب، والثالثة لرئيس النادي الحالي نبيل بدر. وجهة النظر الأولى قلقة الى حد الخوف على مستقبل النادي في ظل الصراع القائم ومعرفتها للأشخاص، وخصوصاً سليم دياب الذي عاشرته سنوات طويلة. «الطرفان عنيدان ولن يتراجعا وهذا ما قد يوصل الأمور الى شرخٍ عميق وانقسام في الإدارة وفي الجمعية العمومية واتخاذ قرارات سريعة تحت ضغط المواجهة القائمة قد يدفع ثمنها النادي كثيراً». لم يكن متوقعاً أن تصل الأمور الى هنا، فاعتكاف بدر بدا كنوعٍ من الضغط ولم يكن هناك نية جدية للاستقالة. كما أن بدر لم يتوقع أن يدخل سليم دياب على الخط. فلو كان بدر جدياً لماذا تراجع عن الاعتكاف رغم مبادرة دياب، ولماذا عدم التجاوب معه؟ أسئلة لها أجوبة لاحقاً عند بدر.
أولى التداعيات كانت في اللجنة الادارية الحالية مع عدد من الأعضاء من ما قام به بدر بدءاً ببيان الاعتكاف الذي لم يعلموا به سوى من الإعلام أو بعدم التجاوب مع مبادرة سليم دياب، خصوصاً أن هناك أكثر من عضو من أصدقاء دياب ورفاق دربه في السابق كنائب الرئيس نبيل سنو والدكتور نور الدين الكوش وهيثم دوغان (مبتعد في الفترة الأخيرة). فهؤلاء أصبحوا في موقف حرج كانت ترجمته عبر أربع استقالات لسنو والكوش ودوغان مع انضمام أحمد الدنش أيضاً.
لماذا تراجع نبيل بدر عن الاعتكاف رغم مبادرة دياب؟


وقد لا تتوقف التداعيات عند تململ إداري أو استقالات أو إسقاط الإدارة بل قد تصل الى الجمعية العمومية وحتى الى ملعب النادي. فقطعة الأرض التي يقوم عليها الملعب مملوكة من الرئيس سعد الحريري ومن الممكن أن تتم استعادتها أو سحب الملعب من النادي من دون أن يعني ذلك حرمانه من التدرّب عليه. لكن إدارته والاستفادة من ريعه ستتوقف وبالتالي تخسر الإدارة منشأة ومورداً مالياً مهماً. نظرياً، الأنصار مستقلٌ بشكل كامل عن آل الحريري على الصعيد الإداري والمالي. فمنذ عام 2009 ابتعد آل الحريري مالياً باستثناء عام 2013 حين دفع الرئيس سعد الحريري مبلغ 150 ألف دولار كبادرة دعم لبدر بعد توليه الرئاسة إضافة إلى شطب ديون على النادي لبنك «ميد» بقيمة 130 ألف دولار. وهذه أرقام «ما حدا بيحكي فيها». وحتى على الصعيد الإداري وانتخابات النادي لا يوجد تدخل من آل الحريري بعكس الوضع القائم في النجمة، حيث يتم اختيار الرئيس وأعضاء اللجنة الإدارية. لكن هذا لا يعني أن الأنصار بعيد عن بيت الحريري فهناك حبٌّ وتعاطف كبير من قبل النادي وجمهوره وقد يكون هذا أحد الأسباب التي أوصلت الأمور الى هذه المرحلة وتحديداً بعد ترشّح الرئيس نبيل بدر الى الانتخابات النيابية في وجه الرئيس الحريري. أضف الى ذلك نغمة الحديث عن استقلال النادي وعدم ربطه بأي طرف. فهذا نادي الأنصار معقل تيار المستقبل وأحد خزاناته ولا يمكن أن يكون بعيداً عنه.

رئيس الأنصار الحالي نبيل بدر مع الرئيس سعد الدين الحريري(عدنان الحاج علي)

لم يكن سهلاً على الأنصاريين ــ الحريرييين، أي أن يجدوا رئيس النادي يترشّح ضد الحريري رغم أن هذا حقه كما يقول أمين السر السابق محمود الناطور، لكن ليس مقبولاً أن يتم استغلال النادي ودعوة جمهوره للتصويت لبدر ومن ثم مهاجمة هذا الجمهور لعدم توصيته له.
إدارياً، حتى لو لم يكن هناك سقوط للادارة التي تنتهي ولايتها في نهاية عام 2019 حيث أن المقربين من دياب لا يزيد عددهم عن 4 من أصل 11 عضواً، فلا شك أن العمل الاداري سيتأثر بشكل كبير وقد يصل الى حدود الشلل في حال تأزمت الأمور وتفاقمت المشكلة ما أحرج أعضاء آخرين كأمين السر الحالي أحمد لاوند القريب من الطرفين والذي قد يجد نفسه في لحظة ما مضطر الى اتخاذ قرارات مصيرية. أمين السر الهادئ تحرك يوم السبت ووجّه نداءً الى بدر طلب فيه رأب الصدع والتجاوب مع مباردة دياب الإنقاذية ليعملا يداً بيد لصالح النادي. بيان تم التشديد فيه على أنه ليس بيان استقالة من لاوند لكن في الوقت عينه تبدو الدعوة فيه الى التعاون غريبة بعض الشيء في ظل كلام دياب عن تسلّم المهمة وشكر بدر على ما قام به، ما يعني أن فريقاً واحداً يكمل الطريق. في جانب معسكر الرئيس الفخري سليم دياب التقينا أمين السر الأسبق محمود الناطور في وسط بيروت وتحديداً في ساحة النجمة. ضجيج القرية الرمضانية القائمة هناك والذي هو أحد مسؤوليها مع صديقه وضاح الصادق وعزت قريطم لا يمنع الناطور من رفع الصوت في وجه ما يحصل في الأنصار. هو من أحد الأشخاص الذي تحدث عنهم البيان الصادر عن مجموعة دياب (وقد يكون هو من صاغ البيان كونه محامياً حيث بد أنه يستخدم نفس العبارات التي جاءت في بيان بدر وغلب عليها الطابع القانوني).
يسهب الناطور في الحديث عن الملاحظات العديدة على أداء بدر الإداري في السنوات التي ترأس فيها النادي. تجيبه سريعاً بأن النادي عاش معه استقراراً مالياً غير مسبوق بعد أن تسلم بدر النادي مديوناً، فيجيب «ما الفائدة؟ وما هي النتائج التي تحققت؟ بطولتا فئات عمرية وكأس لبنان في خمس سنوات وملايين الدولارات؟». يلجأ الناطور الى الأرقام بين الفترة التي أداروا فيها النادي هو والرئيس كريم دياب وأمين السر وضاح الصادق، وفترة بدر. من عام 2005 وحتى عام 2013: «دوبليه» مع عدنان حمد وكذلك مع جمال طه وخسارة اللقب بفارق نقطة عام 2008 لصالح العهد مع حلول الأنصار في المركز الثاني وبعد ذلك كأسان من عام 2009 وحتى 2013 مع لقب كأس السوبر في عز الأزمة المالية، اضافة الى عدم تراجع الأنصار عن المركز الرابع، الى جانب احراز الأنصار تسع بطولات من أصل 24 ووصوله خمس مرات الى النهائي.
لكن في الوقت عينه وقع النادي تحت عبء الديون التي وصلت الى مليون دولار قام بتسديدها بدر كما يقول لـ«الأخبار»، فيجيب الناطور بمعادلة أرقام أخرى توصلك الى ان الدين الحقيقي لم يتجاوز الـ680 الف دولار حصل بدر على 400 ألف من هيئة الاغاثة بعد حرق الملعب عام 2008 اضافة الى 280 ألف دفعهم الحريري وبنك ميد كما ذُكر سابقاً. أمر يضحك منه بدر ويؤكّد أن المبلغ فاق المليون دولار قبل أن تشعر أن هناك «بحصة» لا يريد إخراجها حين يتحدث عن ارقام غريبة حضرت في تكاليف إنشاء الملعب وتحسين ارضيته خصوصاً بعد ان قام مؤخراً بإعادة صيانتها بمبالغ أقل من تلك بكثير، اضافة الى أمور أخرى تتعلق بالإعلانات ما اضطر الى دفعه كي ينهي هذا الملف ناهيك عن المتأخرات الى بلدية برج البراجنة.
لكن لا شك أن ما حدث سابقاً أو تراجع الأنصار فنياً ليس هو السبب في التطورات التي حدثت مؤخراً، فما هو السبب الرئيسي للتحرك من قبل فريق دياب؟
يفاجئنا الناطور حين يتحدث عن قرار صدر عن اللجنة الإدارية في أول شهرين من عام 2018 بشطب 23 عضواً من الجمعية العمومية بحجة عدم دفع اشتراكاتهم، وهي الدفعة الثانية بعد الأولى عام 2015 بشطب 20 عضواً من دون معرفة أحد حينها، وإدخال أشخاص موظفين ومقربين من بدر مكانهم. «هذا يعتبر تغييراً في الجمعية العمومية لا يمكن قبوله أبداً، اضافة الى ان آلية الشطب الأخيرة غير قانونية بدليل أنه جرى تجميدها من قبل وزراة الشباب والرياضة». يشير الناطور الى أن أسماء المشطوبين تدلّ على أن «المستهدف هو سليم دياب عبر إخراج المقربين منه». قد يكون مفهوماً شطب الناطور ووضاح الصادق نظراً للحساسية بينهم وبين بدر، ربيع حسونة والإعلامي علي علوية أيضاً من المشطوبين، لكن هناك أسماء تعتبر مقربة جداً من دياب كرفيق زنتوت (الصديق الشخصي للرئيس الفخري) وخالد سلام الى جانب ماهر أبو الخدود ونجيب أبو مرعي. «هؤلاء أسماء تعني دياب مباشرة وحين تشطبهم فهذا أمرٌ موجّه ضده شخصياً».
ما هي الخطة؟ تسأل الناطور فيجيب «نحن نعلم تماماً ماذا سنفعل ولن نترك النادي يغرق». سؤال ثانٍ: ألا تخافون أن يتم تدمير النادي، فيجيب الناطور بسؤال «أكثر من ما هو مدمّر؟».
توجهنا إلى الجهة المقابلة.
في مطعم مانهاتن في الحمرا والذي يملكه رئيس النادي نبيل بدر الساعة تشير الى الثانية عشرة منتصف ليل الخميس ــ الجمعة. سكون بعكس صخب ساحة النجمة.
هدوءٌ ينسحب على بدر الذي يستقبلك بودّ ويبدو هادئاً واثقاً مطمئناً لما حصل وسيحصل. العديد من الأسئلة في ذهنك خصوصاً أن حبر بيانه لم يبرد بعد والذي تجاهل فيه مبادرة الرئيس الفخري سليم دياب.
أجوبة على أسئلة تحمل معها مفاجآت حين تعلم أنه أرسل نائبه نبيل سنو مرتين الى دياب سائلاً إياه إذا ما كان يريد النادي فكان جواب دياب: كلا.
الأجواء التي يتحدث عنها الناطور غير موجودة.
مفاجأة أخرى حين يعلمك بأن شطب الأعضاء حصل في جلسة لم يكن يترأسها هو، بل كانت برئاسة نبيل سنو صديق دياب وأن الأسماء التي شطبت لا يعرفها ولا يعرف علاقتها بدياب، مشدداً على أن الشطب قانوني وفق النظام الداخلي للأنصار الذي ينص على شطب عضو لم يسدد اشتراكاته سنتين متتاليتين وهؤلاء مر ثلاث سنوات على تخلفهم. لكن المفاجئ أيضاً حين تعلم أن المبلغ هو 500 الف ليرة سنوياً أي ما مجموعه ألف دولار فقط عن كل عضو عن السنوات الثلاث.
الأجواء التي يتحدث عنها الناطور غير موجودة.
لكن أنت شطبت أشخاصاً محسوبين على دياب فكيف يمكن تقبّل ذلك؟، نقول له، فيجب:
«أنا لم أشطبهم ولا أعرفهم ورغم ذلك أرسلت سنو في زيارة ثالثة لحلّ الموضوع وأنا مستعد لاعادتهم. فالشطب لم يكن للسيطرة على الجمعية العمومية لأنني قادر على تنسيب عدد أكبر. الشطب حصل تنفيذاً للقانون وبأشخاص لم أرهم في حياتي ووفق أوراق رسمية».
من عام 2005 وحتى عام 2013: «دوبليه» مع عدنان حمد وكذلك مع جمال طه(عدنان الحاج علي)

لا يبدو بدر قلقاً على مستقبل النادي، ويقول بثقة:
«بالعكس كل ما قمت به هو لمصلحة النادي وكل خطوة كانت مدروسة. من شروط تسليم المهمة الى أشخاص بملاءة مالية وكفاءة مالية، الى تاريخ 31 أيار موعد انتهاء المهلة الى البيان الأخير الصادر عني. فأنا لا أستطيع تسليم النادي بما عليه من التزامات وعقود الى أشخاص غير قادرين على إيفائها. فهذا مضرٌّ لي وللنادي وللأشخاص المعنيين من لاعبين ومدربين، وضميري لا يسمح بذلك. كما أن موعد 31 أيار مقصود أي قبل بدء شهر جديد ومرحلة تجديد العقود للموسم المقبل. فمن سيجدد عقد السنغالي الحاج ماليك وتأمين الدفعة الأولى له والتي تستحق هذا الشهر؟ ومن سيدفع للمدرب التشيكي ستراكا أو يدفع لأبو بكر كمارا ويجدد عقود نصار نصار وحسن شعيتو (شبريكو) وبلال نجدي؟ ومن سيؤمن متطلبات الحفاظ على ربيع عطايا وتجديد العقد معه وتأمين الأموال اللازمة له؟ هل تقبل ان يخسر الأنصار كل هؤلاء إزاء المماطلة بتقديم المشروع الجدي ومن ثم الندم لاحقاً؟».
نسأله عن النقطة الأهم: تجاهل بيان دياب. فيجب بصراحة: «لأن بيان دياب ومبادرته تجاهلت الادارة الحالية وتجاهلتني، وبدلاً من أن يتم الجلوس سوياً للوصول الى حلّ، جرى اللجوء الى أساليب ملتوية عبر الضغط على أعضاء في اللجنة الادارية للاستقالة أو على أعضاء في الجمعية العمومية. فهل هكذا يكون حسن النية لمرحلة جديدة؟ الأمور انتهت وأنا بدأت التحضير للموسم المقبل وأول الغيث كان تجديد عقد عطايا لسنتين وعدم امكانية لعبه لغير الأنصار في لبنان». يختم بدر حديثه لـ«الأخبار».