من المرات القليلة التي يوجد فيها المنتخب المصري في كأس الأمم الإفريقية من دون أن يكون بين المرشحين الأوائل للفوز باللقب. هذا أقلّه ما أشارت إليه استطلاعات الرأي إثر ختام دور المجموعات، فبنظر المصريين قبل غيرهم من أبناء القارة السمراء، لا يملك أكثر المنتخبات نجاحاً في البطولة القارية فرصةً كبيرة لاستعادة عرش إفريقيا بعد 12 عاماً على آخر تتويجٍ له باللقب الكبير.الصورة كانت واضحة وتُختصر بالأداء الضعيف للمصريين في مبارياتهم الثلاث الأولى، حيث لم يتأهلوا حتى من رأس المجموعة، لتصبح بالتالي الطريق الى المباراة النهائية للبطولة المقامة في الكاميرون وعرة الى أبعد الحدود، وتبدأ من العقبة الكبيرة التي تنتظر محمد صلاح وزملاءه في أول الأدوارِ الإقصائية مع المواجهة القوية الليلة أمام منتخب ساحل العاج المدجّج بمجموعةٍ من النجوم القادمين من أبرز الأندية الأوروبية والمنسجمين كثيراً مع بعضهم البعض، والذين ظهروا بتركيزٍ عالٍ يهدف الى إنهاء الابتعاد عن منصة التتويج التي صعدوا إليها للمرة الثانية في تاريخهم في عام 2015 بعد انتظارٍ طويل امتد منذ عام 1992.
قبل تلك النسخة، كان الفوز الأخير للعاجيين على المصريين في كأس الأمم الإفريقية أي في عام 1990، لكن أكثرية الترشيحات تميل اليوم الى منتخب «الفيلة»، أوّلاً لأنه لم يتلقّ أي هزيمة حتى الآن في مشوار البطولة، وثانياً لأن «الفراعنة» يدخلون المواجهة بتوتّر على وقع انتقاداتٍ وعلامات استفهامٍ حولهم.
وعند السؤال عن سبب ظهور المنتخب المصري بهذه الصورة في أهم مهمةٍ له هذه السنة، يقول اللاعب السابق محمد حسن «كاريكا» الذي سبق أن عاصر عناصر كثيرة من المجموعة الحالية خلال عمله مع منتخب بلاده: «المتهم الأول هنا هو المدرب البرتغالي كارلوس كيروش المطالب بتغيير أفكاره التكتيكية لإخراجِ الأفضل من لاعبيه». ويضيف مهاجم الإسماعيلي والأنصار اللبناني سابقاً: «عناد كيروش بدأ أصلاً قبل البطولة، فأقدم على الكثير من القرارات الغريبة، بدءاً من استبعاد أفشة وطارق حامد على سبيل المثال، وصولاً الى رؤية كل المصريين بأن مقاربته التكتيكية خاطئة، لكنه يبدو مصرّاً على الاستمرار بها لأسبابٍ غير معروفة، لكنها بلا شك ستدخل منتخبنا في مأزق أمام خصمٍ متمكّن ولا يرحم».
الشارع المصري غاضب من كيروش والأخير يبادله بالعناد


هنا الحديث عن طريقة توزيعِ بعض النجوم على أرض الملعب، إذ على سبيل المثال يملك المنتخب المصري واحداً من أفضل لاعبي الأجنحة في العالم وهو نجم ليفربول محمد صلاح الذي لا يمكن أن يُطلب منه ولو لدقيقةٍ واحدة أن يلعب في مركز المهاجم الصريح حيث لا يمكنه التفوّق في الالتحامات البدنية على الأفارقة أصحاب البنية الجسديّة القوية. كما ينطبق الأمر مثلاً على أحد أبرز المهاجمين في التشكيلة وهو مصطفى محمد الذي لا يجوز الاستعانة به في مركز الجناح، وهو حال تريزيغيه المفترض أن يكون جناحاً أيسر لا لاعب وسط.
كل هذا التوزيع الخاطئ بدا واضحاً للعيان في المباراة التي خسرتها مصر أمام نيجيريا (0-1) في الدور الأول، لكن ورغم أن كيروش بدّل من بعض المراكز والأسماء، فإنه لم يبدّل من طريقة لعبه، ولن يبدّل كثيراً أو أبداً من مقاربته التكتيكية بحسب ما اعترف أمام وسائل الإعلام، إذ يبدو أنه سيبقى مصرّاً على اعتماد استراتيجية 4-3-3، محاولاً الابتعاد عن المغامرة والتركيزِ على اللعب الدفاعي أكثر منه الهجومي، والدليل أن صلاح وزملاءه لم يسجّلوا أكثر من هدفين في المباريات الثلاث الأولى، وهو الأمر المفاجئ بوجود أسماءٍ جذابة هجومياً على صورة الشاب عمر مرموش الذي لم يُوظّف أيضاً بالشكل المثالي.
إذاً، حُكم «الفرعون كيروش» يظلم منتخب مصر برفضه التغيير رغم أن التعديل يلتقي مع إمكانات النجوم المصريين الذين يحتاجون الى التحرّرِ الهجومي بدءاً من الظهيرين عمر كمال وأيمن أشرف. أضف الى ضرورة اختيار ثلاثي متناغم في خط المقدّمة، وعدم نسيان أن أبطال إفريقيا 7 مرات يملكون نجماً هو صلاح الذي اعتُبر الأفضل في العالم بنظر الكثيرين لسببٍ واضحٍ يُختصر بالفعالية الهجومية، ما يعني أن على مدرب ريال مدريد الإسباني السابق العمل على إيجاد الحلول للمنظومة الهجومية كاملة انطلاقاً من أول الخطوط لديه، وذلك من أجل تفعيل الماكينة التهديفية وتحرير متصدّر هدّافي الدوري الإنكليزي الممتاز بـ 16 هدفاً ليمارس هوايته المفضّلة بهزّ الشباك، وبالتالي إعادة منتخب بلاده الى السكة الصحيحة.
«الفراعنة» أمام امتحانٍ مفصلي، فإما يكتبون فصلاً جديداً من الإنجازات في البطولة التي أصبحت مرادفاً لهم منذ زمنٍ طويل أو ستكون الخيبة كبيرة جداً، وستحدث موجة من الارتدادات أخفّها ستُغرق كيروش بعد 4 أشهر فقط على تسلّمه منصبه.