قبل بداية البطولة الأفريقيّة الأهم والأكبر على صعيد المنتخبات في مصر، علّقت الشعوب العربية آمالاً كبيرة على منتخباتها المشاركة. من الطبيعي أن يضع النقّاد عدّة منتخبات عربية في الواجهة، خصوصاً انها تملك زاداً بشرياً مميّزاً، قادراً على وضعها في المقدّمة، إلاّ أن ما حدث كان العكس تماماً. خروج مفاجئ لكل من المغرب ومصر، وتأهل بشق الأنفس للتونسيين، طرح العديد من علامات الاستفهام، حول أداء اللاعبين والمدربين، كما الإتحادات الوطنية.ما لا يمكن إنكاره، هو أن «أسود الأطلس»، قدّموا أداءاً لا بأس به خلال البطولة، وذلك بتحقيقهم العلامة الكاملة في دور المجموعات، بثلاثة انتصارات بينها الفوز على أحد أهم المرشحين للفوز باللقب وهو المنتخب الإيفواري. 9 نقاط، وضعت المنتخب المغربي في مواجهة سهلة على الورق في دور الـ 16 أمام منتخب بنين. خسارة المنتخب المغربي أمام بنين، لا يمكن تفسيرها إلاّ من باب واحد فقط، وهو أن «أسود الأطلس» لم يحترموا لاعبي بنين. من شاهد اللقاء، يعلم كيف بدأ، وكيف انتهى. مع صافرة الحكم، كانت طريقة لعب الـ«مغاربة» تعتمد على الإستحواذ على الكرة، وأن الهدف سيأتي لا محال، وهذا ما كان يخطط له المدرب الفرنسي ايفريه رونار، المدرب الذي لم يظهر كما يجب خلال البطولة، أو على الأقل، فترته مع المغرب لا يمكن مقارنتها بالتي كانت مع ساحل العاج أو مع المنتخب الزامبي.


في معظم مباريات المغرب، ما يمكن ملاحظته هو ان اللاعبين لم يحترموا خصومهم، وهذا ما ظهر جلياً في مباراة بنين. إذا تمت مقارنة أداء «الأسود» أمام ساحل العاج، والمباراة أمام بنين، يظهر للجميع أن الفارق واضح تماماً، بل ان المنتخب المغربي قدّم إحدى أفضل مبارياته أمام المنتخب الإيفواري، منذ أداءه المشرّف أمام المنتخبين البرتغالي والإسباني في دور المجموعات من كأس العالم الأخير. الروح كانت مختلفة، والدافع كان موجوداً، وهذين العاملين من بين أهم العوامل التي يجب ان تتواجد لتحقيق الفوز في أي مباراة كانت. فقد اللاعبون المغاربة هذه الروح، بل استبدلوها بـ«النرجسية» في مواجهتهم لبنين. في آخر ربع ساعة من المبارة، أحسّ اللاعبون المغاربة بصعوبة الموقف، النتيجة لا تزال متعادلة، وهذا ما دفع بهم لتقديم ربع ساعة كانت كفيلة بنقلهم إلى ربع النهائي، لو سجّل نجم أياكس امستردام حكيم زيّاش ركلة الجزاء في الدقيقة الـ94. لكن عدم تسجيله لها، يعكس تماماً واقع المنتخب المغربي في المباراة، وعدم أحقيته بتحقيق الفوز.
ما ينطبق على المنتخب المغربي، لا ينطبق أبداً على مستضيف البطولة، المنتخب المصري. مصر، ومنذ بداية البطولة حتّى لحظة الخروج، لم تقدّم كرة قدم تليق بمنتخب يملك لاعبين محترفين في الدوريات الأوروبية، بينهم محمد صلاح، ومحمد النني، و«تريزيغيه» وأحمد المحمدي، وغيرهم الكثير. هذه الأسماء، لم تقدّم ما كان مطلوباً منها، بل ان «العك الكروي» وانعدام الإنسجام بين الخطوط الثلاثة كان واضحاً خلال مباريات المنتخب المصري الأربعة في البطولة. مصر حققت العلامة الكاملة في دور المجموعات، إلاّ أن الـ«فراعنة» لم يخضعوا لإختبارات حقيقية. محمد صلاح، لم يكن اللاعب الحاسم أيضاً، رغم شعبيته الكبيرة على الصعيد المحلي والعالمي، وبطبيعة الحال، هذه الشعبية انقلبت حملاً كبيراً على كتفي «مو». لم يكن صلاح في مصر كما عهدته الجماهير المصرية مع ليفربول، وهذه النسخة الأفريقية الثانية التي لم يستطع صلاح وزملائه من خلالها تحقيق اللقب الثامن لبلادهم. والأكيد ايضاً ان مدرب المنتخب المصري، المكسيكي خافيير أجيري يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن خسارة المصريين، كونه لم يلعب بالواقعية المطلوبة، اضافة الى خياراته التي اعتبرها البعض غير منطقية بالنسبة للاعبين.
خيبة المنتخبين المصري والمغربي، لا شك انها اثرت سلباً على كرة القدم في البلدين بشكل خاص، وعلى الكرة العربية بشكل عام. وما يقال عن ان المنتخب هو صورة الدوري المحلي يعتبر صحيحاً هنا، خاصة وان هذه المنتخبات باتت تعتمد على اللاعب المحترف، وتهمل اللاعب المحلي، وبالتالي تهمل الدوري المحلي.

الأمل عند «المحاربين»
على عكس باقي المنتخبات العربية، يعيش المنتخب الجزائري أفضل فتراته خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية. ثلاث انتصارات خلال دور المجموعات، من بينها انتصار على المنتخب السنغالي القوي، الذي يعد أبرز المرشحين للفوز باللقب. 9 نقاط حصدها رجال المدرب الجزائري جمال بلماضي، 9 نقاط دون أن تتلقّى شباك حارس المرمى ريس مبولحي أي هدف خلال هذا الدور.


أضف إلى ذلك، تمكّن «محاربو الصحراء» من تحقيق فوز سهل أمام المنتخب الغيني بنتيجة (3-0)، وذلك بعد أن اصطدما وجهاً لوجه خلال دور الـ16. مع خروج كل من المغرب ومصر من الدور عينه، تبقى الآمال العربية معلّقة على المنتخب الجزائري، المنتخب العربي الوحيد الذي يقدّم مستوى مميزاً خلال البطولة، وهو المنتخب الذي صدم الجميع بمستواه، بعد أن كان يعاني من عدّة مشاكل داخلية وخارجية وفنية حتى قبل انطلاق البطولة. 9 أهداف سجّلتها الجزائر حتى اللحظة، دون تلقيها لأي هدف، وذلك يحسب لثنائي خط الدفاع عيسى مندي لاعب ريال بيتيس ولاعب الشباب السعودي جمال بن العمري. مما لا شك فيه، أن الإنسجام ما بين خطوط المنتخب الجزائري واضح تماماً، خصوصاً أن لاعبين كيوسف البلايلي واسماعيل بن ناصر، يسيطران كلياً على خط الوسط، أضافة إلى ذلك هناك النجاعة الهجومية المميزة لرياض محرز وبغداد بونجاح اللذان يقدمان مستوى جيد خلال البطولة الأفريقية. إن لم يحدث مفاجآت، يعتبر الـ«خضر» من بين أبرز ثلاث مرشحين للفوز باللقب، رفقة السنغال وساحل العاج.

النسور تواصل التحليق
وفى طه ياسين الخنيسي بوعد قيام لاعبي المنتخب التونسي برد فعل في مواجهة غانا في الدور ثمن النهائي لكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، وقاده للفوز بركلات الترجيح 5-4. (1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي).
وبعد خيبة التعادلات الثلاثة والأداء المتواضع في الدور الأول، تعهد الخنيسي مهاجم نادي الترجي التونسي، بأن يقدم نسور قرطاج أداء يرضي مشجعيهم ويبقي على آمالهم بأن يحرزوا في 19 تموز/يوليو اللقب القاري الثاني في تاريخهم بعد 2004 على أرضهم. وفكت تونس عقدة الخسائر التي تعود الى عام 1965 في ست مواجهات أمام غانا (بطلة إفريقيا أربع مرات) في البطولة.
يعيش المنتخب الجزائري أفضل فتراته خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية

وتبدو حظوظ تونس كبيرة للوصول الى نصف النهائي، على اعتبار ان مواجهة منتخب مدغشقر يجب ان تكون بالمتناول، لكي تتعزز حظوظ العرب بحمل اللقب الافريقي الأغلى. وبهذا التأهل أيضاً، تكون تونس قد كسرت عقدة الخروج في آخر 5 مناسبات من الأدوار الإقصائية لبطولة افريقيا، واعتبر نجم المنتخب التونسي الأسبق طارق دياب ان فوز المنتخب التونسي على غانا، سيعطي اللاعبين دفعة معنوية كبيرة أمام مدغشقر المتواضعة، للوصول الى نصف النهائي.
وعلى ضوء الأدوار الأولى، وما شهدته، تبدو الجزائر أقرب منطقيا للذهاب بعيدا في البطولة، ولما لا، حمل الكأس الأغلى افريقياً، فيما يبدو المنتخب التونسي مطالباً بالتركيز أكثر، والتقليل من الأخطاء التي يمكن أن تحدث في الأدواء المتقدمة. أحلام العرب معلقة بأيدي التونسيين والجزائريين، وبالتالي حلم الكرة العربية وصورتها، معلق أيضاً حتى تحقيق النتيجة الإيجابية، وحمل اللقب، خاصة ان هذه النسخة تحديدا تشهد على أن المنتخبات الافريقية الأخرى والتي دائما ما تكون مرشحة، ليست بالمستوى الإستثنائي الذي كانت عليه في النسخ الماضية من كأس امم افريقيا.