كثيرون توقعوا وصول منتخب اليابان إلى نهائي بطولة آسيا لكرة القدم المقامة في الإمارات، لكنّ قليلين قالوا إن منتخب قطر سيكون حاضراً في هذا الدور، وخاصة أنها المرّة الأولى للقطريين في هذه المرحلة المتقدّمة من البطولة القاريّة. النهائي سيكون مختلفاً من جميع النواحي (16:00 بتوقيت بيروت)، فالمنتخب القطري المدجج بالمواهب الشابة، قادر على إحراج اليابانيين بعد إخراجه كوريا الجنوبيّة والعراق والإمارات من السباق.مُختلفة بالشكل والمَضمون كانت بطولة آسيا لكرة القدم في نسختها الحاليّة. لأول مرّة يشارك 24 منتخباً، والجوائز الماليّة كانت أكبر من جميع الدورات السابقة. ولكن الحاضر الأبرز كان الأزمة الخليجيّة بين قطر من جهة، والإمارات والسعودية من جهة ثانية. قطر حقّقت كل ما كانت تصبو إليه في هذه البطولة، هَزمت السعوديّة والإمارات ووضعتهما خارج البطولة، وها هي اليوم في المنافسة على اللقب مع «الساموراي» الياباني.
في النهائي أيضاً، ستكون المدرجات القطرية فارغة (باستثناء عدد قليل من المشجعين العُمانيين الذين يساندون قطر)، بعد عدم حضور المشجعين القطريين إلى الإمارات نتيجة المقاطعة، والتضييق الذي قال القطريّون إن الإمارات مارسته على الجماهير، وعلى الإعلاميين القطريين أيضاً في هذه البطولة. وربما كانت أحداث نصف النهائي بين الإمارات وقطر خير دليل على التوتر الذي رافق البطولة. ومن المتوقع أيضاً أن تحضر الجماهير الإماراتيّة لتساند المنتخب الياباني على حساب المنتخب القطري.
من الناحية الفنيّة، المباراة ستكون متقاربة بين المنتخبين، فالنهائي يكون له حساباته الخاصّة. المنتخب القطري لم يكن مرشحاً للفوز بالبطولة، وحتى للوصول إلى المباراة النهائية، وخاصة عندما واجه المنتخب الكوري الجنوبي. أما اللافت فهو وصول قطر إلى النهائي الآسيوي الأوّل في تاريخها من دون أن تتلقى أي هدف في مرماها، وبستة انتصارات متتالية، كما أن متصدر ترتيب الهدافين هو اللاعب القطري المعز علي، ومتصدر الممررين أكرم عفيف. المنتخب الياباني يمتلك الخبرة، ففي تسع مشاركات لـ«الساموراي» الياباني، وصل إلى النهائي في خمس مناسبات، بعد التتويج بلقب البطولة أعوام، 1992 ـ 2000 ـ 2004 ـ 2011. والمنتخب الياباني بدوره وصل إلى المباراة النهائية بعد تحقيقه ستة انتصارات متتالية.
تبدو نظافة شباك قطر نقطة إيجابية تحسب للمنتخب في البطولة القاريّة


وبالنظر إلى مشوار المنتخبين في البطولة، بدأ اليابانيّون بطريقة بطيئة، وعاد مستواهم وتحسن مع مرور المباريات، فاتخذ الشكل الفني الياباني طريقاً تصاعديّاً. عروض متواضعة في الدور الأول (دور المجوعات)، وحتى في الأدوار الإقصائية، لم يحقق اليابان فوزاً بفارق كبير عن منافسيه، فكانت أعلى نتيجة هي (3 ـ 0) على حساب المنتخب الإيراني في نصف النهائي، وذلك بسبب الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها الدفاع الإيراني. أمّا مستوى قطر، فكان ثابتاً منذ البداية. وتعليقاً على المباراة النهائية، قال قائد المنتخب الياباني ولاعب نادي ساوثهامبتن مايا يوشيدا والمتوج باللقب في 2011، «قبل المجيء إلى هنا، تحدثنا عن القدوم إلى الحرب»، في إشارة منه إلى الهدف الذي سيقاتلون من أجله في المباراة النهائية. وسيستفيد المنتخب الياباني من لاعبيه المحترفين في الخارج، الذين يمتلكون الخبرة الكافية لخوض النهائيات. وفي هذا الإطار، يقول لاعب الوسط غاكو شيباساكي، «بالفوز على إيران اكتسبنا شرعية المنافسة على اللقب». من جهته، يشرح زميله جنكي هاراغوتشي المحترف في ألمانيا ما حصل في مباراة إيران، «كانت أسهل من مواجهات خصوم متكتّلين دفاعياً، سمحت لنا بالتركيز دفاعياً وبقاء هجومنا متيقّظاً طوال المباراة». ويقول يوشينوري موتو نجم فريق نيوكاسل الإنكليزي، «نؤمن الآن بأن بمقدورنا الفوز على أي فريق إذا طبّقنا أسلوبنا. تكمن قوة اليابان بقدرتنا على العمل بجهد في الدفاع والهجوم».
في الجهة المقابلة، تبدو نظافة شباك قطر نقطة إيجابية تحسب للمنتخب في البطولة القاريّة، ولكن هناك نقطة مهمة أيضاً، وهي أن اليابان سجلت في آخر 16 مباراة في كأس آسيا منذ 2011. وبلغة الأرقام أيضاً، تتفوق قطر هجومياً بتسجيلها 16 هدفاً مقابل 11 لليابان، ويعود ذلك إلى التألق الكبير لمهاجم الـ«عنابي» الشاب المعز علي، الذي سجّل وحده ثمانية أهداف (حيث عادل الرقم القياسي في نسخة واحدة والمسجل باسم الإيراني علي دائي في 1996). وبلغت نسبة التسديدات القطرية 25,4% مقابل 15,9% لليابان، ويقول المعز الذي سجل هدفه الثامن خلال الفوز الكبير على الإمارات في نصف النهائي بنتيجة (4-0)، «كنت سعيداً حقاً بالهدف، لقد كانت تسديدة جميلة، لكنها لا تعني شيئاً كبيراً بالنسبة إليّ، لأن أهدافنا أكبر من مجرد تسجيل هدف جميل».
جميع الاحتمالات مفتوحة في النهائي القاري، ولكن الأكيد أن الفرحة القطرية ستكون كبيرة جدّاً. فالمنتخب القطري نجح في الاختبار، ولاعبوه الذين تم تكوين معظمهم في أكاديميّة أسباير الرياضية، قدّموا صورة مميّزة، وبالتالي ستكون هذه البطولة مقدمة لبطولة كأس العالم 2022 المقررة في قطر، والتي سيسعى خلالها أصحاب الأرض إلى الظهور بالصورة التي ظهروا عليها في الإمارات.
قطر حققت المطلوب في هذه البطولة بوصولها إلى النهائي، والأكيد أن المفاجأة ستكون كبيرة في حال الفوز باللقب. فقطر لم تتخطّ ربع النهائي خلال مشاركاتها الماضية «2000 ـ 2011»، وهي حصلت على يوم راحة أقل من المنتخب الياباني. إلاّ أنها ستستعيد كامل لاعبيها بعد انتهاء إيقاف المدافع بسام الراوي ولاعب الوسط عبد العزيز حاتم مسجلي هدفي الفوز أمام المنتخب العراقي في دور الـ 16 وكوريا الجنوبية في ربع النهائي. ويقول مدافع قطر طارق سلمان، «في الواقع أنا غير متفاجئ بما حققناه، لأننا نلعب معاً منذ حوالى سبع سنوات، نحن اللاعبين أو المدرب. في عام 2014، فزنا بلقب بطولة آسيا تحت 19 عاماً، وفي عام 2018 في الصين حققنا المركز الثالث في بطولة آسيا تحت 23 عاماً، وما نحققه هنا جاء نتيجة العمل التدريجي». من جهته، الظهير الأيسر عبد الكريم حسن، أفضل لاعب آسيوي في 2018، يبرر التأثير الكبير للمدرب سانشيز وفريقه، «الجهاز الفني سيدرس المنافس بشكل جيد للوقوف على نقاط القوّة والضعف فيه». أمّا في ما يخص المواجهات المباشرة، فقد فاز المنتخب القطري بنتيجة (3-0) في 1988، ثم تعادلا بهدف لمثله في 2000 و2007، لكن اليابان قلبت تأخرها مرتين وفازت (3-2) في ربع نهائي 2011 قبل تتويجها باللقب.