لا تريد قطر أكثر من الذي حققته حتى الآن في بطولة كأس آسيا التي تستضيفها الإمارات. فاز «العنابي» على السعودية في الدور الأوّل بهدفين دون رد، ووضعها بوجه اليابان، لتخرجها من الدور الثاني. لم تكتفِ قطر بهذا الأمر، بل أخذت على عاتقها وضع الإمارات خارج البطولة أيضاً، بعد الفوز عليها في الدور نصف النهائي أمس الثلاثاء بأربعة أهداف نظيفة. القطريّون «كسروا الحصار» الذي حاولت الإمارات ومن خلفها السعودية فرضه عليها، عبر التضييق على الجماهير القطرية، ومنع عدد كبير من الصحفيين القطريين من الدخول إلى الإمارات.المباراة لخصّها مشهد «الشباشب المتطايرة» وكلام المعلِّقين القطريين والإماراتيين، بعد تسجيل قطر لأهدافها في مرمى الإمارات على أرض أبو ظبي، وهي في طريقها إلى نهائي آسيا. لوّح جميع المعنيين قبل المباراة من لاعبين وجماهير وإداريين بإبعاد السياسة عن الرياضة، لكن المباراة عكست بوضوح الأزمة السياسيّة الخليجيّة، المستمرة منذ منتصف حزيران/ يونيو 2017. قطعُ الإمارات علاقاتها مع الدوحة، ومعها السعودية والبحرين ومصر، رسم لوحة على مدرجات ملعب محمد بن زايد، ثمانية وثلاثون ألف متفرج يصرخون دعماً للإمارات، وصافرات استهجان لدى عزف النشيد الوطني القطري. في المقابل، كان هناك عدد قليل من المشجعين العُمانيين الذين جلسوا في القسم العلوي الجانبي من المدرجات، ووضعوا على حافته علماً قطرياً.
الاحتقان كان على أشدّه، فلم يتمالك معلّق قناة الكأس القطرية، العُماني خليل البلوشي أعصابه، وقال على الهواء مباشرة بعد هدف حسن الهيدوس الثالث في المرمى الإماراتي: «بالشمع الأحمر، حسن الهيدوس داس عليهم دوس». وبعد موجة الانتقادات التي وُجّهت إليه، قدم البلوشي اعتذاره، وغرّد عبر حسابه على تويتر: «أحياناً المعلق مع الحماس والتفاعل تطلع منه جمل ما يعمل حسابها. لم أكن موفقاً في اختيار المفردة في الهدف الثالث لقطر. أتقدم بالاعتذار للجماهير ومحشومين أهلنا في الإمارات، ويكرم الجمهور أكرر اعتذاري وأسفي للجميع وأتمنى قبوله». وأثارت تغريدة البلوشي موجة من ردود الفعل، فكتب المعلِّق الإماراتي علي سعيد الكعبي الذي عمل لفترة طويلة في شبكة «بي إن سبورتس» القطرية: «سقطة كبيرة للأسف عذرها غير مقبول، تنتهي مهنية المعلِّق عندما تكون حساباته الخاصة هي من تقود دفة صوته، والزمن وحده كفيل بقياس مربحه وخسائره».
علّق مذيع قناة الكأس القطرية مباشرة بعد الهدف الثالث، قائلاً: «بالشمع الأحمر، حسن الهيدوس داس عليهم دوس»


التوتر خيّم على اللقاء، فوقع الحارس الإماراتي خالد عيسى بالمحظور، وأخطأ بالتصدي لتسديدة بوعلام خوخي البعيدة في منتصف الشوط الأول. هو خطأ لا يفسّره سوى ضغط المواجهة النفسي، وتركيز عالي المستوى من اللاعب الجزائري الأصل المتعدد المراكز. حتى لاعبو منتخب قطر الذين ظهروا بأعصاب هادئة، برغم غياب جماهيرهم عن مباريات البطولة، خسروا الكثير من الكرات خلال اللقاء، ولكنهم كانوا أقل أخطاءً من الإماراتيين. المعز علي فرض نفسه نجماً للقاء والبطولة، واستغل هجمة مرتدة، ليطلق تسديدة قويّة من على حافة منطقة الجزاء سكنت الشباك الإماراتية، وعادل بهذا الهدف رقم النجم التاريخي للمنتخب الإيراني علي دائي (8 أهداف في نسخة واحدة). هذا الهدف رفع النتيجة إلى (2 ـ 0) وأراح القطريين قبل نحو 10 دقائق من انتهاء الشوط الأول. وكان هذا الهدف وهذه التسديدة الشرارة الأولى التي أطلقت الأحذية و«الشباشب» من المدرجات الإماراتية، نحو اللاعبين القطريين. سيطرت قطر على اللقاء، وسجّل حسن الهيدوس الهدف الثالث (80) والبديل حامد إسماعيل الرابع (90+3)، في وقت ازدادت فيه وتيرة إلقاء الأحذية من الجماهير الإماراتية على اللاعبين القطريين. وفي ضوء هذه التطورات وهذا الجو المشحون، خرجت المشجعة الكوريّة الجنوبيّة التي تنحاز إلى قطر، والتي أصبحت نجمة وسائل الإعلام من بين الجمهور، وبدأت بالغناء للمنتخب القطري.
الشحن، والمشاهد غير الرياضيّة، التي تؤكد أن الاحتقان سببه سياسي قبل أن يكون رياضياً، تمثّلا بطرد اللاعب الإماراتي إسماعيل أحمد، لضربه بـ«الكوع» سالم الهاجري في الدقيقة الأولى من الوقت المحتسب بدل من ضائع، وقبل أن يطلق حكم المباراة صافرة النهاية.
الأزمة الخليجية بدت واضحة، وعلّق رئيس اللجنة الأولمبية القطرية جوعان بن حمد آل ثاني بالقول: «بالأربعة بالجدارة والاستحقاق أثبت العنابي أنه مبدع آسيا وهو يخرج منتخب الإمارات أيضاً من البطولة، رغم أنه صاحب الأرض والجمهور. الدرس واضح، إذا قال العنابي كلمته، فعلى الجميع أن يستمع». تغريدة تعكس الأجواء المشحونة بين قطر والدول الخليجية التي فرضت الحصار عليها، فكانت أحداث المباراة انعكاساً لكل هذه الأمور. وقد يكون للمنتخب القطري موعد جديد مع الجماهير الإماراتية عندما يواجه اليابان في النهائي يوم الجمعة المقبل.