اشتهرت تقنيّة الفيديو المساعد التي تعرف بالـ«VAR» في نهائيات كأس العالم. انقسمت الآراء حينها بين مرحب ومعارض، على اعتبار أن مراجعة الفيديو تحتاج إلى الكثير من الوقت، الذي يضيع من وقت المباراة. ولكن وجهة نظر أخرى تقول إن الـ«VAR» هو نظام أكثر عدالة في كرة القدم. انتهت كأس العالم وجاءت بطولة آسيا، ولكن التقنية لم تستخدم إلا في ربع النهائي، والحجة ذهبت إلى التكلفة المرتفعة لهذا النظام. في هذه الحالة، أجمع النقاد على أن القرار ليس فيه عدالة للمنتخبات التي خرجت من الدورين الأوّل والثاني.ماذا لو كان بإمكانك أن تُصحح خطأً جسيماً ارتكبته؟ ماذا لو كان جوابك عن السؤال الأخير في الامتحان صحيحاً، لكنّك غيّرته، وأتيحت لك الفرصة لتعرف أن جوابك الأول هو الذي سيؤمّن لك نتيجة النجاح، لتُعيد كتابته؟ ماذا لو كنت قادراً على أن تُراجع ما لم تره عيناك؟ أن تُعيد كتابة التاريخ، أو أن تكون قاضياً عادلاً. وماذا لو كان بإمكانك فعل كل هذا، ولم تستغله؟
بعد انتهاء مباراة المغرب وإسبانيا في مونديال روسيا 2018، توجّه حامل إحدى الكاميرات على أرض الملعب إلى لاعب المنتخب المغربي نور الدين إمرابط، كونه كان من بين نجوم اللقاء. صورة الحزن التي أرادها المصوّر بعد التعادل في الوقت بدل الضائع والخروج من كأس العالم من دور المجموعات، وجد أفضل منها، حين قلّد إمرابط بيديه حركة الحكم حين يُشير إلى استعمال تقنية الفيديو، وقال للكاميرا التي صوّرت من دون صوت: «VAR Is Bullshit». جاء ذلك بعدما قرر حكم الساحة استخدام الـVAR للتأكد من صحة هدف التعادل لمنتخب إسبانيا، في حين رفع الحكم المساعد رايته معلناً عن تسلل، لكن الحكم الرئيسي احتسب الهدف.
تلك البطولة كانت الأولى التي تشهد استخدام هذه التقنية منذ أول مباراة حتّى الأخيرة. تلك التقنية التي تسمح للحكم الرئيسي بمشاهدة حالة لم يرها خلال المباراة، ويستمع إلى رأي حكم الفيديو حولها، اختلفت الآراء حول أهميّة وجودها من عدمه، إلا أنها أثبتت فعاليتها، وفي الأوقات التي لم تفعل، كان الحكم الأساسي هو المُلام، لأن الفيديو لا يُضلل، بل قرار الحكم هو الخاطئ.
التقنية التي باتت تُستخدم في الكثير من الدوريات الأوروبية وفي معظم البطولات القاريّة، لم تغب أيضاً عن بطولة كأس آسيا 2019، أو هذا على الأقل ما كان يُفترض أن يحصل. الاتحاد الآسيوي أعلن أنه سيستعين بنظام حكَم الفيديو المساعد ابتداءً من الدور ربع النهائي خلال البطولة الآسيوية، ما يعني أن 44 مباراةً كان الحُكم فيها لرؤية الحكم الرئيسي ومساعديه من دون الاستعانة بحكم فيديو. هذا الأمر فتح الباب على تساؤلات عن سبب حصر استخدام التقنية في سبع مباريات فقط؟ فكان التبرير غالباً بسبب التكلفة التي تبلغ 60 ألف دولار في المباراة الواحدة، بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا». لكن هل يُعقل أن دولةً تُنظّم بطولةً يُشارك فيها 24 منتخباً، وتحتضن مئات آلاف المشجعين من القارة الآسيوية، وتقدّم المباريات بأفضل طريقةٍ ممكنة، غير قادرة على تأمين نفقات استخدام هذه التقنية في جميع المباريات؟
44 مباراة في بطولة آسيا كان الحُكم فيها لرؤية الحكم الرئيسي ومساعديه من دون الاستعانة بحكم الفيديو


في الواقع، كان المنتخب الإماراتي أبرز المستفيدين من غياب تقنية الفيديو المساعد عن دور المجموعات. في مباراته الأولى، وافتتاحية البطولة، حصل المنتخب المضيف على ركلة جزاءٍ غير صحيحة بمواجهة البحرين، سجّل منها أحمد خليل هدف التعادل في اللقاء الذي انتهى بهدفٍ لمثله. في المقابل، كان المنتخب اللبناني أكبر المتضررين، بعدما ألغى له الحكم الصيني «ما نينغ» هدفاً أمام قطر، واحتسب عليه ركلة حرة غير صحيحة سجّل منها المنتخب القطري الهدف الأول، كما شهر بطاقةً صفراء لحسن معتوق بسبب الخطأ غير الموجود، كان من الممكن أن تلعب دوراً كبيراً في تأهّل منتخب لبنان إلى دور الـ16، بعد خروجه بسبب اللعب النظيف. المنتخب العماني بدوره حُرم من ركلة جزاء أمام اليابان، واُخرى بمواجهة أوزبكستان، لكنه نجح في التأهل، كما لم يحتسب الحكم ركلة جزاءٍ صحيحة للمنتخب السوري بمواجهة أستراليا، و«عوّضها» باحتساب ركلة جزاء غير صحيحة. هذه الأخطاء كان من الممكن تفاديها لو استخدمت تقنية الفيديو المساعد، الموجودة أساساً في البطولة، والتي يبدأ استعمالها ابتداءً من 24 الشهر الجاري (اليوم)، حين تنطلق المباراة الأولى في دور الثمانية بين فيتنام واليابان، وبعدها إيران مع الصين.
ما يبدو تمييزاً بين المنتخبات «الكبيرة»، بمعنى الأقوى، وبين باقي المنافسين، هو كذلك بالفعل. التقنية لاقت ردود فعلٍ غاضبة خلال مونديال روسيا، بسبب عدم اعتماد الحكام عليها في بعض الحالات، أو مراجعتهم للفيديو واتخاذ قرارات خاطئة، خاصّة أن أغلب القرارات «الخاطئة» صبّت في مصلحة بعض أهم المنتخبات، وهو ما حصل أيضاً في بطولة كأس آسيا، إذ كانت منتخبات الإمارات وقطر واليابان وأستراليا وأوزبكستان أبرز المستفيدين، والصرخة علت حتى من خارج القارة، إذ علّق إعلاميون وصحافيون من أوروبا على بعض الحالات التحكيميّة المثيرة للجدل في البطولة الآسيوية.
يشعر المشجعون بأن «وزن» بعض المنتخبات واسمها، يلعبان دوراً في التأثير النفسي على الحكام، وبالتالي على قراراتهم، ومنها العودة إلى استخدام هذه التقنية، إذ في حال كانت متوافرة، يضطر الحكم غالباً إلى الاعتماد عليها، حتّى وإن لم يرد ذلك. البعض يعتبر أن من يكون موجوداً في «الغرفة المظلمة» داخل الملعب، قد يَتعامل مع الحكم الرئيسي على أساس ضرورة العودة إلى الفيديو من عدمه، بحسب المصلحة. وعلى الرغم من أن هذه الفرضيات تُعزز نظرية «المؤامرة»، لكنّها تبقى حاضرة في أذهان المتابعين، خاصة حين تُربط هذه الأمور بالسياسة أو المال؛ فخروج المنتخبات التي لها ثقلها في اللعبة، ليس على صعيد المنافسة فحسب، بل المتابعة أيضاً، يؤثّر على العائدات المالية، كما يُقلل من متابعة البطولة، وبالتالي تراجع المعلنين والدعاية.
منذ هدف جيف هورست الذي أهدى إنكلترا لقب كأس العالم 1966، و«يد الله» لدييغو مارادونا خلال مباراة إنكلترا والأرجنتين، وعبور كوريا الجنوبية إلى نصف نهائي مونديال 2002، حتى النجمة الثالثة للألمان، إلى لمسة يد الفرنسي تيري هنري، وغيرها الكثير من الحالات، تاريخٌ مزيّفٌ وآخر لم يُكتب، وتقنيةٌ «دخيلة» على اللعبة، جاءت حتّى تضع حدّاً لمقولة «الأخطاء التحكيمية جزءٌ من متعة كرة القدم»، إلا أن استخدامها يبقى بيد من يُريد، فهي بالتالي لـ«ناس وناس».



استبعاد 8 حكام عن البطولة الآسيوية
استبعدت لجنة الحكام في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ثمانية حكّام عن باقي منافسات بطولة كأس آسيا، بسبب الأخطاء المؤثرة التي ارتكبوها خلال المباريات التي أداروها. اللافت أن الحكم الصيني «ما نينغ» لم يكن من ضمن هؤلاء، إلا أنه لم يُعيّن لإدارة أي مباراة في دور الـ16.
والحكام المستبعدون هم: الأردني أدهم مخادمة، الذي قاد المباراة الافتتاحية بين الإمارات والبحرين، والماليزي محمد أميرول مُدير مباراة اليابان وعمان، والأسترالي بيتر غرين الذي أدار لقاء السعودية وكوريا الشمالية، والقطري خميس الكواري (كوريا الجنوبية وقيرغيزستان)، والياباني هيرويوكي كيمورا (الصين والفيليبين)، والأوزبكي إلغيز تنتاشف (البحرين والهند)، إلى جانب الحكام المساعدين الأردنيين أحمد مؤنس ومحمد بكار والماليزي محمد معزي.