لم تنجح الصين تاريخياً في تقديم منتخب كرة قدم يليق بحجمها وبتفوقها الاقتصادي على مستوى العالم، إذ اقتصرت أهم إنجازات المنتخب الصيني على التأهل مرة واحدة إلى نهائيات كأس العالم عام 2002، محققاً المرتبة الـ31 بين 32 منتخباً مشاركاً. على رغم فشلها الذريع في كرة القدم، تمتلئ خزائن الصين الرياضية بالميداليات الأولمبية الفردية وغيرها من الرياضات الجماعية. وصل المنتخب الصيني إلى الدور ربع النهائي من بطولة آسيا الحالية المقامة في الإمارات بعد الفوز على تايلاند (2 ـ 1) ولكن من دون تقديم الأداء المقنع.كما في مختلف دول العالم، تتأثر الرياضة في الصين بثقافة البلد، واهتمامات السكان. هناك يلعب الجانب الثقافي دوراً أساسيّاً بابتعاد السكان عن رياضة كرة القدم، وذهابهم نحو رياضات أخرى. عام 2011، كان هناك فقط 7000 لاعب دون الثامنة عشر مسجلون في الاتحاد الصيني لكرة القدم، رقمٌ قد يوجد في أكاديمية كروية إيطاليّة، أو حي من أحياء ريو دي جانيرو في البرازيل. في الصين، لا تعتبر كرة القدم مهنة تؤمن دخلاً مادّياً عالياً. وعلى رغم ارتفاع الأجور مؤخراً في بعض الأندية الصينيّة الكبيرة، يبقى متوسط الدخل في أغلب الأنديّة الصغيرة قليلاً جداً، ما يجعل الآباء يوجهون أبناءهم للتعليم الأكاديمي العالي، حيث هناك نسبة أكبر لنجاحهم في المستقبل.
لعب الاتحاد الصيني تاريخياً دوراً كبيراً في فشل كرة القدم على الصعيد المحلي، حيث كان يرى أنّ الفرص في تشريف الصين رياضياً تكاد تكون معدومة من بوابة كرة القدم، لذلك كانت الحكومة تقوم بتقديم تسهيلات ودعم للرياضيين المشاركين في الرياضات الفرديّة الأولمبيّة، التي تمتلك نسباً أكبر لتحقيق الميداليات. وجدت الصين عبر هذه السياسة طريقة فعّالة لكسب مكانة في الوسط الرياضي، حيث ارتأت أنه من غير المنطقي بذل الجهد والمال لتكوين فريق مكون من 23 شخصاً يستطيع على الأكثر الفوز بميداليّة واحدة في كل مسابقة، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة تحقيق هذه الميدالية أيضاً.
حتى في الرياضات الجماعيّة، لا تندرج كرة القدم تحت إطار الرياضات الأكثر شهرة نظراً لتفوق كرة السلة، اللعبة الجماعية الأهم في الصين. يعود ذلك بسبب شهرة ياو مينغ، اللاعب الذي احترف في الـ« NBA» هو يرأس اليوم الاتحاد الصيني لكرة السلّة. أمرٌ جعل الملايين من الصينيين يشاهدون كرة السلة، كما تحول سوق الإعلانات إلى هناك.
تستثمر الصين في الألعاب الفردية أكثر من الألعاب الجماعية وبخاصة كرة القد


يحتاج بناء منتخب كرة قدم إلى التخطيط على المدى الطويل، ما قد يستغرق بضعة أجيال لتكوين فريق قادر على المنافسة، غير أن القيمين على الرياضة الصينية، يريدون التحسين على المدى القصير من دون وجود سياسة واضحة، ما يصعّب تأسيس منتخب قادر على المنافسة عالميّاً. تعاني هذه الجهات من قصر النظر بحسب ما يؤكد متابعون لكرة القدم الصينيّة، وهو ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات «غير فعالة» لتطوير أداء المنتخب الوطني، كالاستعانة بمدربين أصحاب أسماء كبيرة في العالم لمساعدة المنتخب في البطولات القارية، مقابل دفع رواتب خياليّة لهؤلاء، من دون أن تنجح المهمة. المدرب الحالي خير دليلٍ على ذلك، حيث يرى الإيطالي مارتشيلو ليبي، أن الصين تحتاج للكثير من الوقت لتتطور، خصوصاً أنها بحسب المدرب الإيطالي «لا تمتلك مهاجمين» أو لاعبين قادرين على التسجيل. إذا إن أكثر من مليار نسمة لا يمتلكون مهاجماً قادراً على صناعة الفارق، ربما هي صورة عن واقع كرة القدم في الصين.
تعدّ الشوارع المنجم الأساسي لاكتشاف المواهب، حيث تساهم الإصابات الطفيفة، وملابس الأطفال الملطخة بالوحل، في بناء القوام الأساسي للاعب كرة القدم الجيد. تعطى الشوارع أهميةً كبرى في مختلف الدول كروياً، حيث تقوم أغلب المنتخبات اللاتينية والأوروبية بالاستثمار لبناء الأكاديميّات، بغية تطوير مهارات الأطفال لتمثيل المنتخب الوطني وكبار الفرق مستقبلاً. في الصين الأمر مختلف، إذ يتم تجاهل أي تخطيط طويل الأجل. لطالما تمنّعت الصين من الاستثمار في كرة القدم، ولم تبنِ مرافق التدريب للاعبين الشباب، كما ولن تضع السياسات الملائمة لتطوير صناعة كرة القدم، علماً أن تطور هذا القطاع من شأنه در الكثير من الأموال على الاقتصاد الصيني.
في بداية العقد الجديد، قامت لجنة مكلّفة من الرئيس الصيني شي جين بينغ بالإشراف على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لكرة القدم الصينية. وبعد إدراكها مدى تدنّي الأداء المحلي، طالبت باتخاذ تدابير لعلاج المسألة بهدف نهوض الصين كروياً لمقارعة بقية دول العالم، مع التشديد على وجوب إدخال كرة القدم إلى المدارس في شكل إلزامي. شهدت الأندية الصينية إثر ذلك ثورة في مجال كرة القدم، بعد أن اتخذت من صرف الأموال خير وسيلة للنهوض كروياً.
تهافتت الشركات الصينية أخيراً للاستثمار في المجال الكروي، فقامت شركة CMC الصينية بشراء 13% من نادي مانشستر سيتي الإنكليزي، في حين حصل رجل الأعمال وانغ جيانلين على نسبة 20% نادي أتليتيكو مدريد الإسباني. بعد الاستثمار بالأندية، ارتأت الصين ضرورة إنعاش كرة القدم المحليّة عبر استقطاب الكثير من المواهب العالمية مقابل مبالغ خياليّة. على رغم انعكاسها السلبي على معدل الأجور والتأثير في إعادة هيكلة العجلة الاقتصادية، أعطى البذخ في استقدام اللاعبين والمدربين من الطراز الأول، مؤشراً جيداً لتطوير كرة القدم الصينية، وبدأ هذا الأمر ينعكس على اللاعبين الصينيين إيجاباً من خلال الاحتكاك. شكل اللاعب البرازيلي راميريز الشرارة الأولى لموجة الانتقالات، بعد أن انتقل من نادي تشيلسي إلى نادي جيانكسو سونينغ مقابل 25 مليون جنيه إسترليني، كأكبر مبلغ ينفقه نادٍ آسيوي لاستقدام لاعب كرة قدم. قام نادي غوانغزو إيفرغراند تاوباو بعدها باستقطاب اللاعب جاكسون مارتينيز من نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، مقابل 45 مليون دولار، ليحطم بعدها نادي جيانكسو الرقم القياسي مجدداً بعد استقطابه للاعب أليكس تيكسيرا من نادي شاختار دونيتسك الأوكراني مقابل 53 مليون دولار. مع ختام فترة الانتقالات الشتوية الصينية عام 2016، بلغت نفقات أندية الدرجة الأولى الصينية ما يقارب 300 مليون دولار، متفوقةً على صافي نفقات أكبر الأندية الأوروبيّة في تلك الفترة، في حين احتل الإنفاق الصافي لنوادي الدوري الإنكليزي الممتاز المركز الثاني بمبلغ 220 مليون دولار.
في ظل الاستيقاظ المتأخر، قد تشهد الأجيال اللاحقة تطوراً كبيراً في كرة القدم الصينية، ما قد يظهر منتخباً قادراً على حصد الألقاب قاريّاً وربما عالمياً. يبقى الفساد العقبة الوحيدة أمام تحقيق ذلك، مع ما يترافق من أخطار الصرف العشوائي، وهو ما كشفته العديد من التقارير خلال الفترة الماضية.