في واقعةٍ تبدو عادية في أي مكانٍ في العالم إلا في اليابان، انطلق قطار «تسوكوبا إكسبرس» الذي يتجه من طوكيو نحو ايباراكي مبكراً 20 ثانية عن موعده. وعلى إثر ذلك، أصدرت إدارة شركة القطارات بياناً تعتذر فيه لعملائها عن «الإزعاج الشديد» الذي سببه مغادرة القطار المحطة المبكرة. حادثة بسيطة جداً كافية لإعطاء فكرة عن دقّة وانتظام الحياة في «كوكب اليابان». واللافت أنّ أغلب دول شرق آسيا كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، تمتاز بالانتظام في مختلف جوانب الحياة، ومن الطبيعي أن يكون لمنتخباتها حصة من هذا الانضباط، الذي يبرز في مشاركاتها في البطولات المختلفة، القاريّة والدوليّة.تعتبر بطولة آسيا لكرة القدم، أهم بطولة في القارة الصفراء، خاصة بعدما بدأت أستراليا ونيوزلندا تشاركان في هذه البطولة، ولكن دائماً ما تكون الأنظار مصوّبة نحو منتخبات شرق القارة وبينها الصين وكوريا الجنوبية واليابان التي تمتاز بهذا الانضباط الكبير. تمكن المنتخب الياباني من قطف ثمرة هذا الانضباط خلال كأس العالم الروسي، بعدما صعد إلى الدور الـ16 من البطولة العالمية الأهم من خلال قانون اللعب النظيف (تلقي لاعبيه للبطاقات الملونة). وفي سابقة أولى خلال تاريخ كأس العالم، تساوى بالنقاط والأهداف مع منتخب السنغال ضمن منافسات الجولة الختامية بدور المجموعات. إلا أنّ اليابان تمكنت من التأهل على حساب السنغال لأنها تملك عدداً أقل من البطاقات الصفراء والحمراء من المنتخب الأفريقي، لتصبح أول منتخب في تاريخ البطولة يتأهّل إلى الأدوار الإقصائية تبعاً لقاعدة اللعب النظيف. والأمر لم يتوقف هنا. إذ لم تمنع مشاعر المرارة التي سيطرت على «الساموراي الأزرق» بعد خروجه من البطولة على يد بلجيكا في الوقت القاتل، من إسداء التحية بطريقة خاصة إلى البلد المضيف، قبل العودة إلى اليابان. إذ قام اللاعبون بتنظيف غرفة الملابس بشكل كامل عقب المباراة، وقبل مغادرتهم إلى الفندق الذي يقيمون فيه. بدت الغرفة وكأنها لم تُستخدم من قبل. ولم يكتفِ لاعبو المنتخب الياباني بذلك، بل ثبتوا لوحة كرتونية صغيرة على منضدة وسط الغرفة، وقد كتب عليها «شكراً» بالروسية، في لفتة تقدير واحترام إلى روسيا. الأمر لم يقتصر على اللاعبين، إذ كان المشجعون اليابانيون ينظفون مقاعد المدرجات عقب كل مباراة لمنتخبهم، مظهرين صورة حقيقية عن طبيعتهم وكيف يتصرفون. ولكن إن أراد أي أحد معرفة سبب هذا السلوك الذي تتمتع به شعوب شرق آسيا، عليه العودة إلى ثقافتهم وأسس التربية لديهم. إذ يتعلم الأفراد في اليابان، الصين وكوريا منذ صغرهم تطوير شعور الانضباط الذاتي والالتزام من خلال أُسرهم وداخل مدارسهم. وبعد سنوات طويلة من تعلم هذا السلوك، فإن النتيجة هي عادات ثقافيّة فريدة، إذ يصبح الفرد مؤهلاً للاندماج بسهولة مع مجموعته، التدرب بقوة، وإظهار تنظيم كبير، وهذا ما يتجلى رياضياً وكروياً، لتتميز منتخبات هذه البلاد عن نظرائها.
تشكيلة اليابان الحالية تعدّ الأغنى لناحية اللاعبين المحترفين في أوروبا من بين المنتخبات الـ24 المشاركة


لطالما غردت اليابان خارج سرب المنتخبات الآسيوية في كرة القدم، فرغم تأخر مشاركاتها القارية إلا أنّ «بلاد الشمس المشرقة» كانت علامة فارقة مع جارتها كوريا الجنوبية. ولم تخسر اليابان في آخر سبع مباريات منذ تسلم المدرب هاجيمي مورياسو الإشراف على المنتخب بدلاً عن أكيرا نيشينو، الذي نجح الفريق تحت إشرافه في أن يصبح أول فريق آسيوي يتغلب على منتخب أميركي جنوبي (كولومبيا في الدور الأول من المونديال). بعد المونديال، اعتزل بعض النجوم مثل كيسوكي هوندا وماكوتو هاسيبي، فيما استبعد المدرب نجم الوسط شينجي كاغاوا (لاعب بروسيا دورتموند الألماني) والمهاجم شينجي أوكازاكي (لاعب ليستر سيتي الإنكليزي)، عن تشكيلة كأس آسيا. رغم ذلك، إلا أنّ تشكيلة اليابان الحالية تعدّ الأغنى لناحية اللاعبين المحترفين في أوروبا من بين المنتخبات الـ24 المشاركة، إذ ينتشر لاعبوها في إسبانيا وإنكلترا وألمانيا وفرنسا، فيما توجت أنديتها سبع مرات بلقب دوري أبطال آسيا مقابل 11 لكوريا الجنوبية. وبفضل هذه التشكيلة المميزة من اللاعبين تمكنت اليابان من التأهل إلى الدور الإقصائي للمرة الثامنة توالياً بعدما كبّدت المنتخب العماني خسارته الثانية في البطولة، وذلك خلال مواجهتهما الأحد التي انتهت بفوز اليابان بهدف نظيف. ويأمل المنتخب الياباني نسيان صفعة خروجه من ربع نهائي النسخة الأخيرة أمام الإمارات، لا سيّما أنه يملك حظوظاً وافرة للتتويج بالبطولة الحالية.
لا ينسى أحد كيف ودعت ألمانيا كأس العالم الأخير مبكراً بعدما سقطت على يد كوريا الجنوبية بهدفين من دون رد، ليصبح الأخير، أوّل منتخب آسيوى يتمكن من تحقيق الفوز على ألمانيا في تاريخ المونديال. تلك الذكرى التي ستظل عالقة في أذهان الكوريين طويلاً، تجعلهم متفائلين بفرص «نمور آسيا» في بطولة كأس آسيا الحالية المقامة في الإمارات. وتسعى كوريا الجنوبيّة، حاملة اللقب مرتين ووصيفة النسخة الماضية، إلى لقبها الثالث في البطولة، وهي تُعد مع إيران المنتخبات الأكثر مشاركة في النهائيات (14 مرة لكل منهما). ولعل أبرز نجوم المنتخب الكوري هو سون هيونغ مين، لما يقدمه من مستوى مميز مع منتخبه الوطني، إلى جانب تألّقه وأدائه اللافت مع توتنهام الإنكليزي. ويقدم المنتخب الكوري نتائج طيبة في البطولة القارية حتى الآن، بعدما نجح في التأهل إلى دور الـ16 بعد الفوز على قرغيزستان بهدف من دون رد. والجدير بالذكر أنّ نسبة استحواذ كوريا الجنوبية على الكرة أمام الفيليبين بلغت 81.8%، وهي الأعلى لمنتخبٍ مشارك في كأس آسيا منذ نسخة 2011.
إلا أنّ اليابان وكوريا الجنوبية لن تسيرا وحدهما نحو الدور المقبل من البطولة، إذ يرافقهما المنتخب الصيني بعد فوزه على الفيليبين بثلاثية نظيفة. وتشارك الصين في البطولة للمرة الثانية عشرة توالياً منذ 1976، لكنها لم تحرز اللقب، وتُعد أفضل نتيجة لها بلوغ النهائي في 2004 على أرضها. ورغم سعي الصين إلى التحول إلى قوة أساسية في كرة القدم العالمية، إلا أنّ المنتخب لم يرسل أي مؤشرات للتقدم على الأقل في الساحة القارية. وعانى «التنين الأحمر» صعوبات للتسجيل منذ تسلم الإيطالي مارتشيلو ليبي الإدارة الفنية، إذ بلغ معدل تسجيله هدفاً وحيداً في كل مباراة. وتنفق السلطات الصينية أموالاً طائلة على كرة القدم خصوصاً لدى الناشئين، لكن تشكيلة ليبي محدودة وهي بين الأكبر سناً في النهائيات الحالية، كما أنّ غالبية لاعبي المنتخب الصيني يلعبون في الأندية المحلية مثل شنغهاي اس أي بي جي، غوانغزهو، بكين غوان وشاندونغ لونينغ. وفي الوقت الذي تتصدر الاستثمارات في مجال استيراد النجوم إلى الدوري الصيني وشراء أندية كرة القدم عناوين الصحف، إلا أنه من النادر أن تشاهد لاعباً صينياً محترفاً في الأندية الأوروبية الكبيرة، وهو ما يؤثر سلباً على مستوى منتخبهم الوطني. الصين التي تتصدر ترتيب المجموعة الثالثة برصيد 6 نقاط بفارق الأهداف عن كوريا الجنوبية، تواجه الأخيرة اليوم في قمة كلاسيكية تقام على استاد آل نهيان في أبوظبي، لحسم صدارة المجموعة بعد ضمانهما التأهل.