كبرت كرة الخلافات بين النجم المصري محمد صلاح، واتحاد الكرة في بلاده. قبل انطلاق كاس العالم، اعترض صلاح على استخدام صورته من دون إذنه: وجه صلاح على طائرة المنتخب. يداه مفتوحتان، معلناً الاحتفال بالتأهل إلى المونديال. الاتحاد أراد أن يستثمر بصورة نجمه الدولي، والأخير يعترض على استعمال صوره دون إذنه. خلاف بدا تجارياً، ولكنه برأي كثيرين، لا يخلو من حسابات «شخصية»، والأهم... «سياسية» بامتياز. في الظاهر، صورة صلاح بالنسبة إلى الاتحاد أهم من مشاعره ورغباته. هكذا يرى الاتحاد، وربما جميع الاتحادات التي ترى أن اللاعبين ملكها، ولا يحق لهم أن يكونوا أحراراً. انتهت بطولة كأس العالم، والخلافات مستمرة. انفجر صلاح وخرج عن صمته: «على مدار الفترة الماضية لم نحظ بالاحترام، الاتحاد لا يجيب على رسائلنا». يظهر اتحاد الكرة المصرية وكأنّه يريد تأديب نجم نادي ليفربول: ممنوع على أي أحد أن يخرج من تحت العباءة. الاتهامات بـ«التكبّر على البلد» جاهزة!
محمد صلاح يعتزل اللعب دولياً. الأكيد أن مئة وعشرين مليون مصري لا يريدون سماع هذه الجملة، ولا قراءتها على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن من يراقب التطورات بين نجم نادي ليفربول الإنكليزي والمنتخب المصري محمد صلاح، والاتحاد المصري لكرة القدم، يتوقع أن الأمور ذاهبة في هذا الاتجاه. «انفجر» صلاح وأخرج كل ما في قلبه من حزن وملاحظات على أداء اتحاد الكرة في بلاده. قبل بداية كأس العالم، وضع الاتحاد المصري للعبة صورة صلاح على طائرة المنتخب، واستعمل صوره في كل الحملة الإعلانية والإعلامية الخاصة ببطولة كأس العالم، وهو ما لم يعجب اللاعب المصري، لأنهم لم يأخذوا موافقته على هذا الأمر. تدخلت جهات سياسية وحلّت الموضوع مع صلاح حينها. هكذا تُحَلّ المواضيع في بلداننا عادةً. تطورت الأمور أكثر، وضع اللاعب المصري تغريدة على حسابه على تويتر، قال فيها: «الطبيعي أن أي اتحاد كرة يسعى لحل مشاكل لاعبيه حتى يوفروا له الراحة. لكن في الحقيقة ما أراه عكس ذلك تماماً. ليس من الطبيعي أن يتم تجاهل رسائلي ورسائل المحامي الخاص بي. لا أدري لماذا كل هذا. أليس لديكم الوقت الكافي للرد علينا؟!». لم يلتفت أحد إلى مناشدات صلاح، بل خرج الاتحاد المصري في بيان وصف فيه مطالبات نجم المنتخب الأوّل بـ«المبالغ بها»، كذلك سُرِّبَت جميع الرسائل التي أرسلها صلاح ووكيل أعماله عبر الإنترنت، وهو أمر عبّر اللاعب المصري عن استغرابه من حصوله، خاصة أنها رسائل بين اللاعب واتحاد الكرة في بلاده، وليس من القانوني نشرها على الإنترنت. رأى الاتحاد في بيانه أن «المبالغة في الطلبات التي يمكن وصف بعضها بغير المنطقية، أمر لن يقبله الاتحاد المصري لكرة القدم، حيث إننا لا نتعامل بسياسة الكيل بمكيالين بين لاعب وآخر، حفاظاً منا على توفير بيئة رياضية قائمة على العدل والمساواة واللعب النظيف، دون تفرقة بين لاعب وآخر»، مؤكداً أن «طلبات أيّ لاعب تلقى الاهتمام والعناية اللازمة طالما تسعد لاعبيه ولا تخالف القواعد والأصول واللوائح». وأوضح عضو الاتحاد المصري لكرة القدم أحمد مجاهد، أن طلبات صلاح شملت «وجود حارسين خارج غرفته (خلال المعسكرات) وحارس عند المصعد»، وألا يتوقع من اللاعب أن يقوم «بأي ظهور في لقاءات أو اجتماعات أو أي أحداث رعاة أو زيارات رسمية إلا بعد مناقشة ذلك مع المحامي». وتضمنت الطلبات أيضاً، بحسب الاتحاد المصري، أنه «عندما يسافر اللاعب لأداء الواجب الدولي، يجب على الاتحاد استقباله عند الطائرة واصطحابه مباشرة إلى غرفته (دون تعرضه لطلبات تصوير)، والتعهد بأن صورته لن تستخدم بمعرفة الاتحاد دون موافقة كتابية من المحامي، سواء بمفرده أو مع اللاعبين». ما يراه الاتحاد المصري خارجاً عن المألوف، هو طبيعي للاعب محترف في أي دولة في العالم.
ردّ الاتحاد ومحاولات «تحريف» كلام صلاح، دفع الأخير إلى الخروج بتسجيل فيديو مصور على حسابه على فايسبوك، خاصة بعد أن اتهمه الاتحاد المصري بالتكبر على بلده. بدا صلاح مستاءً من استخدام أحد أعضاء هيئة الكرة المصرية كلمة «المدعو محمد صلاح». اللاعب الذي يعتبر سفير مصر في العالم، بات يقال عنه «المدعو» في بلاده. صورة محزنة لواقع محزن. وقال صلاح في تسجيله إن ما طلبه من اتحاد اللعبة «هو بناء على أمور أراها في الخارج وأتعامل معها في الخارج وأتعامل معها من دون أن أطلبها أنا. عندما أطلب أمراً وأقول هذا هو الأفضل، أقول هذا هو الأفضل بالنسبة إلى اللاعبين كلهم وليس لصلاح كشخص. وربط صلاح مباشرة بين هذه الطلبات وما جرى على هامش مشاركة المنتخب في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، ولا سيما لجهة دخول مشجعين وشخصيات إلى مقر إقامة المنتخب لالتقاط صور مع اللاعبين. وكشف أنّه خلال «المعسكر الأخير عندما شاركت مع المنتخب، نمت الساعة السادسة صباحاً. لا أريد أن أوجه اتهاماً إلى أحد معيَّن، لكن أنا في منتخب مصر، وهذا فريق، والمعسكر يجب أن يكون مغلقاً وألا نرى أحداً». كذلك شدد على أنّه «عندما يكون لديك لاعب أو لاعبون ينامون الساعة السادسة صباحاً، يعني أن ثمة مشكلة. لماذا لا يكون لدينا قناعة بأنه يمكن أن نكون على خطأ؟ يمكن أن يكون ثمة خطأ ونعالجه. أنا لا أطلب الأمن لكي ينام إلى جانبي، طلبت أن يكون ثمة أمن لتتوافر راحة اللاعبين بالفندق والمعسكر».
غضب محمد صلاح من استعمال البعض مصطلح «المدعو محمد صلاح»


ومن المعروف أن جميع الأندية والمنتخبات تحمي لاعبيها وتُبعدهم عن الصحافيين والجماهير، خاصة خلال المعسكرات الإعدادية للبطولات والمباريات الكبيرة، كتصفيات كأس العالم، أو التصفيات القارية، وذلك لكي لا يفقدوا تركيزهم الذهني. ولم يعد خافياً على أحد بعد حديث صلاح أنّه سُمح للعديد من الشخصيات «النافذة» خلال فترة معسكر المنتخب المصري قبل كاس العالم، وخلال فترة المونديال في روسيا، بالصعود إلى غرف اللاعبين المصريين، وتحديداً غرفة محمد صلاح في أوقات متأخرة من الليل، لالتقاط الصور وتوقيع التذكارات، وهو ما يعرّض اللاعبين للضغط النفسي، وعدم نيلهم قسطاً كافياً من الراحة. وفي هذا الإطار، انتقد صلاح نفي مسؤولين في الاتحاد المصري حصول مضايقات للاعبين خلال المعسكر، قائلاً: «ممكن أن تسألوا الفندق، ممكن أن تسألوا اللاعبين، لكن لا أريد أن أدخل اللاعبين في الموضوع، لأن المشكلة مشكلتي». ونفى صلاح أن يكون قد طالب بمعاملة خاصة، وقال في تسجيله المصوّر: «لم أطلب معاملة خاصة من أحد، لم أطلب أن أمشي بمفردي، أنا أطلب ما أراه بعيني أنه يُقام به في الخارج، وأرى أن لدينا الإمكانات، وسهل جداً أن نقوم بها»، سائلاً: «كيف يصعد الناس إلى الغرفة ويلتقطون الصور معي؟ لا أطلب امتيازات. طلبت أن أكون مرتاحاً في الغرفة، ألّا يزورني أحد في أي وقت كان، ألّا يقرع الباب في أي وقت كان». وأحيطت مشاركة المنتخب في نهائيات كأس العالم بجدل حول أمور كثيرة، أبرزها زيارة الرئيس الشيشاني رمضان قديروف لمحمد صلاح في ملعب تدريبات المنتخب المصري، والتقاط الصور معه. والأكيد أن هذا الأمر لم يحصل دون موافقة بعض الجهات القيّمة على المنتخب.
ملاحظات كثيرة قدّمها محمد صلاح، ولا شكّ في أن جميعها نقاط متعارف عليها في كرة القدم المحترفة، خاصة عندما يكون اللاعب أو الفريق في مرحلة الاستعداد لخوض مباراة أو بطولات رسميّة. لكنّ رفض ما تقدم به اللاعب من ملاحظات يصبّ في مصلحة من يريد الاستفادة من صورة محمد صلاح، على حساب وضعه الصحي والنفسي، وجاهزيته البدنيّة قبل المباريات، وذلك بحسب ما وصفت جهات صحفية عدّة عربيّة وأجنبيّة أعربت عن تعاطفها مع النجم المصري.
ومن جهته، رأى وكيل أعمال اللاعب المصري، رامي عباس عيسى، أن «أسهل طريقة للتضليل هي تشويه مطالبنا. لم نطلب ترتيب انتقالات لمحمد صلاح في المعسكرات منفرداً بعيداً عن زملائه». وأوضح أن وجود الأمن «هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم طرق باب غرفة محمد في الثانية فجراً والرابعة فجراً للتصوير وتوقيع أوتوغرافات».
تدحرجت كرة الخلافات، وبات كلٌّ يدافع عن وجهة نظره، لكنّ الأكيد أن صورة صلاح هي الأهم، وهي الصورة التي تحاول هيئة كرة القدم في مصر استثمارها، على حساب وضع المنتخب ووضع اللاعبين وصورتهم. المنتخب سيدخل في معسكر للاستعداد لمباراة مصر مع النيجر في المرحلة الثانية من تصفيات كأس الأمم الإفريقية، والأكيد أيضاً أن استمرار الخلافات بين الاتحاد المصري ومحمد صلاح سينعكس على المنتخب واللاعبين، نظراً لقيمة صلاح الفنيّة والمعنوية داخل منتخب الفراعنة، التي ظهرت واضحةً إثر غيابه عن مباراة منتخب بلاده الأولى في كأس العالم، وعدم جاهزيته في المباريات اللاحقة نتيجة الإصابة.



حملة تضامن مع «الفرعون»


ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بالخلاف بين الاتحاد المصري والنجم محمد صلاح. وأعلنت الجماهير المصرية تضامنها مع «الفرعون»، مشيرةً إلى أنّ على اتحاد كرة القدم توفير الحماية لصلاح، وعدم السماح بحصول تجاوزات تؤثر باللاعب. وفي هذا السياق، أعلن عدد كبير من الممثلين تضامنهم مع اللاعب المصري في الأزمة التي يمرّ بها مع الاتحاد المصري للّعبة. وطالب بعض الفنانين المصريين بعدم السعي لتشويه صورة صلاح، خاصة أنه بات رمزاً للبلاد، ويمتلك أهمية كبيرة، وأنه مُخلص لبلاده، ولم يُظهر في أي يوم تكبّراً على المنتخب المصري أو زملائه في المنتخب. وذهب بعض الأشخاص إلى وصف أداء الاتحاد المصري لكرة القدم في قضية صلاح بـ«المخجل».


فلاش باك

إريك كانتونا «جنون العظمة»


عراك وشتائم وركلات شهدتها مباريات كرة القدم مع النجم الفرنسي إريك كانتونا. لم يكن أحد يتوقع أن يشارك النجم الفرنسي مع منتخب بلاده، أو حتى مع الفرق التي لعب فيها لوقت طويل. «الملك إريك»، كما يحلو لعشاق مانشستر يونايتد تسميته، اعتزل كرة القدم نهائياً عام 1991 بعد مشاكل جمّة مع الاتحاد الفرنسي والمدربين، قبل أن يعود مرة أخرى ويلعب في صفوف المنتخب 45 مباراة سجل خلالها 20 هدفاً، كان آخرها في عام 1995. في العام نفسه، أُوقف عن اللعب بعد تعدّيه بالضرب على مشجّع في المدرجات، ليطوي بعدها بعامين صفحة كرة القدم نهائياً، عقب الفوز بلقب الدوري الإنكليزي مع مانشستر يونايتد.

أوزيل وأردوغان


انتقادات جمّة طاولت النجم الألماني مسعود أوزيل. صورة التقطها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كانت السبب. سهّلت هذه الصورة أيضاً تحميله ذنب الخروج المبكر لألمانيا من بطولة كأس العالم الأخيرة في روسيا. بعدها، أعلن الألماني ذو الأصول التركية اعتزال اللعب دوليّاً قبل أسابيع، ومن ثَمّ فتح النار على إدارة الاتحاد الألماني، واتهم البعض بالعنصريّة. اعتزل أوزيل اللعب الدولي بعد مسيرة امتدت تسعة أعوام، لعب خلالها في 92 مباراة دولية وسجل 23 هدفاً. كذلك أسهم في فوز المنتخب الألماني بكأس العالم في البرازيل عام 2014.

ريبيري «النجم المتمرّد»


مَن منّا كان يعرف فرانك ريبيري قبل كأس العالم 2006؟ لا أحد، إلا قلّة كانت مهتمة بالدوري الفرنسي، خاصةً فريق مرسيليا في جنوب فرنسا. غير ذلك، الجميع فوجئ بفرانك «بلال» ريبيري صاحب القميص رقم 22 في المنتخب الفرنسي. في عام 2014، كانت نهاية المسيرة الدولية للفرنسي. أعلن فرانك ريبيري اعتزاله اللعب الدولي مع منتخب بلاده في تصريحات لمجلة «كيكر» الألمانية. جذب ريبيري انتباه العالم إليه. ليس فقط بسبب أدائه، بل بسبب سلوكه أيضاً. اشتهر بمشاكله الكبيرة التي يُحدِثها في أجواء المنتخب الفرنسي، وكان آخرها وأكثرها وقعاً إيقافه عن المشاركة مع «الديوك» بعد المشاكل التي لازمت المنتخب في كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، وكان ريبيري أحد أطرافها.

ميسي وليالي «السقوط»


حال صعبة يعيشها ليونيل ميسي مع المنتخب الأرجنتيني، بعكس ما هي الحال مع برشلونة. منتخب «التانغو» عانى بشدة في تصفيات كأس العالم 2018، وحتى في النهائيات في روسيا. في كل مرة يخسر المنتخب الأرجنتيني، تتجه الأنظار نحو ليونيل. منتخب الأرجنتين يعاني من مشاكل عديدة تتخطى ليونيل في بعض الأحيان، تخبّط الاتحاد الأرجنتيني في صنع القرار، وحالة الحروب الداخلية التي يمرّ بها. والنتيجة الاستمرار في تغيير المدربين ومضايقتهم أثناء العمل، وبالتالي اختلال منظومة العمل في أرض الملعب. فاجأ ميسي الجميع باعتزاله بعد نهائيات عدة خرج منها خالي الوفاض، لكنه عاد على أمل تحقيق الحلم. وطوال هذه الفترة كانت العلاقة بين ميسي واتحاد الكرة الارجنتيني متوترة.

إبراهيموفيتش خارج «الفايكنغ»


مشاكل كلامية مع مسؤولي الاتحاد السويدي، كانت السبب في اعتزال النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش اللعب دولياً مع منتخب بلاده، بعد الخروج من كأس الأمم الأوروبية «يورو 2016». ومع تأهل المنتخب لكأس العالم 2018، عاد نجم لوس أنجلوس غالاكسي للمطالبة بالعودة لتمثيل أحفاد «الفايكنغ» في المونديال الروسي، لكن مدرب الفريق رفض ذلك عقاباً له على اعتزاله، واحتراماً لزملائه في المنتخب.

مونتاري وبواتينغ «والاحتياط»


على خلفية اعتداء اللاعب سولي مونتاري على أحد المسؤولين في بعثة المنتخب الغاني، قام جيمس أبياه المدير الفني لمنتخب غانا باستبعاده عن التشكيلة المستعدة لملاقاة البرتغال في مباراة مصيرية للتأهل لدور الستة عشر في مونديال البرازيل 2014. وأعلن الاتحاد الغاني إيقاف لاعب وسط الفريق الآخر، كيفين برنس بواتينغ، إلى أجل غير مسمى، وترحيله أيضاً برفقة مونتاري خارج معسكر الفريق، وذلك بعد مشاجرة في التدريبات مع المدرب أبياه، وجّه فيها اللاعب إهانة إلى المدرب لإجلاسه احتياطياً.

فيدال لا يريد المنتخب


اشتهر نجم برشلونة الحالي أرتورو فيدال بمشاكله الكثيرة في بلده تشيلي، ما دفع الجماهير إلى مهاجمة اللاعب. فما كان ردّه إلا التهديد باعتزال اللعب دولياً. عقب الخسارة أمام باراغواي في تصفيات كأس العالم الماضية، كتب اللاعب: «على الأصوات السيئة أن تكون سعيدة الآن، هناك الكثير من اللبن الفاسد في تلك البلد، بالنسبة إليّ، كل يوم رغبتي في البقاء تقلّ، وصار من السهل إعلان الرحيل قريباً».