أطلّ فجر جديد على كرة القدم اللبنانية إثر تسطير المنتخب الوطني إنجازات نوعية وتاريخية قرّبته من بلوغ الدور الحاسم لتصفيات المونديال، وذلك لأول مرة في تاريخ اللعبة الشعبية الأولى. وهذا الأمر تحقق بفعل تضافر الجهود الحثيثة التي قام بها عدد من أعضاء اللجنة العليا لاتحاد اللعبة؛ إذ وظفت الإمكانات في خدمة المنتخب. إلا أن الفضل الأساسي يرجع إلى اللاعبين الذين أخذوا الأمور على عاتقهم لإيصال اسم لبنان إلى مصاف «الرقم الصعب» في «القارة الصفراء» حيث أنزلوا الهزائم بمنتخبات المجموعة: الإمارات والكويت والعملاق الكوري الجنوبي. كذلك لا يمكن إغفال دور الجهاز الفني بقيادة المدرب الألماني ثيو بوكير.
وجاءت لافتة تصريحات اللاعبين «الأبطال» عقب هذه النتائج المدوية، ليثبتوا أن الحركة التي تحققت هي «انتفاضة» للعبة، لكن هذه الانتفاضة لا تزال مقترنة بالمنتخب الوطني فقط، دون سواه، حيث لم يتبدل أي أمر في ما يخص الأندية والبطولات المحلية؛ إذ لا يزال مستوى الدوري يتأرجح بين الوسط والعادي، مع تحسينات طفيفة في ما يتعلق بعودة الجمهور التي لا تزال خجولة. ويطالب اللاعبون بإدخال تعديلات على الأنظمة المعمول بها، ولا سيما في ما يتعلق بنظام التواقيع الذي يتناقض مع شرعة حقوق الإنسان؛ إذ إن توقيع اللاعب هو أبدي مع النادي الذي يلعب له، ما يجعل أي موهبة مرهونة ومملوكة لمزاج إدارات الأندية، ويجعل الاحتراف الذي يحظى بإجماع اللاعبين بعيداً من الوصول إليه؛ لأن الأندية والاتحاد يتقاذفان الكرة بين ملاعبهما.
وشهدت الفترة الماضية اختلافاً جذرياً بين عدد من اللاعبين ونواديهم أدى إلى عزوف البعض عن اللعب أو التوجه إلى الاحتراف في أندية لا ترضي الطموحات. وهذا ما حصل مع مهاجم النجمة السابق محمد غدار ومدافع الصفاء رامز ديوب وغيرهما بغية تأمين حياتهم ما بعد الاعتزال، وبات أي لاعب يطلب الوظيفة مقابل اللعب. كذلك فإن التعديلات التي طالب الاتحاد الدولي «الفيفا» إدخالها على أنظمة نظيره اللبناني تطرقت إلى الأمور الإدارية، لكن هذه النقطة الإنسانية والحساسة لم تُذكَر.
وكان الرد الجاهز على السؤال المتعلق بنظام التواقيع، أن الأندية هي التي تعارض هذا الأمر؛ لأنه يترتب عليها توفير أموال طائلة للتطبيق. لكن الاتحاد لحظ هذا الأمر في ألعابه الفرعية، مثل كرة القدم للصالات وكرة السيدات، حيث يجري حل التواقيع كل ثلاثة مواسم. كذلك فإن هذا النظام لا تتحمله الأندية، والاتحاد إذا أقرّه فإنه سيخسر عدداً من الأندية، وهنا تدخل لعبة المصالح الانتخابية وتضرب قاعدة «ستة وستة مكرّر» في لبنان.
ويفند أحد القانونيين المتخصصين في هذا الشأن، بأن لبنان ـــــ كما كل دول العالم ـــــ لديه قانون الموجبات والعقود، وفي المادة 627 منه يقول: «كل اتفاق يعد فيه الإنسان بالخدمة سحابة حياته أو مدة مديدة تجعله مقيداً إلى يوم وفاته هو باطل على وجه مطلق»، ويشرح المصدر عينه أن أي عقد مدى الحياة هو عقد باطل، لكن المشكلة في لبنان تكمن في أن عقود اللاعبين غير موجودة بحسب أنظمة الاتحاد الحالية، ولا يمكن اللاعب أن يتحرر إلا بموجب كتاب استغناء، ما يجعله تحت رحمة النادي. لذا، هو نظام مخالف للقوانين المحلية والدولية. وأعطى القانوني مثالاً على اللاعبين الأفارقة في الثمانينيات، حيث كان الأمر مماثلاً مع اللاعبي الكاميروني روجيه ميلا الذي طالبت به أندية أوروبية لعدم وجود عقود، وقد استوجبت العملية اللجوء إلى القضاء الأوروبي لتحريره، مضيفاً: «هذا النظام بمثابة عبودية، ويجب الوصول إلى صيغة تجعل اللاعب غير أسير، بتغيير النظام الداخلي للاتحاد، مع ضمان حق الأندية واللاعب على حدّ سواء». وأردف أن النظام الأوروبي يلحظ في كل عقد حقوق الأندية التي دافع عن ألوانها اللاعب، وخصوصاً حيث نشأ وفق آلية معينة، ودعا إلى إيجاد نظام وسطي يحمي حقوق الجميع، وشدد المصدر على أن الوسطية في الأنظمة هي أفضل الطرق الآنية، لكنها لا تعمّر طويلاً؛ إذ لا بد من الخضوع للأعراف الحقوقية كاملة في النهاية.
ويرى أمين سر نادي النجمة سعد الدين عيتاني، أنه لا بد من تغيير هذا النظام، واصفاً الأمر «بالكأس المرّة التي ستتجرعها الأندية يوماً ما»، لكن تحقيق هذا التغيير يتطلب خطوات تدريجية مع توفير ضمانات مادية كبيرة، مضيفاً: «إذا كنا سنبقى على نظام الهواة فلن نصل إلى مكان، ويكون كل ما تحقق مجرد فورة والمشوار قصير في التميز»، مشدداً على أنه لا مستقبل للعبة من دون احتراف، وهنا لا بد من فرز الأندية بين محترفين وهواة أسوة بدول الجوار التي طبقت هذه الأنظمة. وأضاف عيتاني: «إذا أردنا أن ندخل في «صناعة كرة القدم» يجب التخلي عن النظام الحالي والشروع بطريق الاحتراف عبر رفع مستوى اللعبة وفق أصول وقواعد واستراتيجية طويلة الأمد». وأشار أيضاً إلى أن الأندية لديها مخاوف مشروعة من هذا الأمر، لذلك بعضها يلجأ إلى توقيع عقود مع اللاعبين لضمان حقوقها، وخصوصاً أن الوضع الحالي لعائلة اللعبة صعب في ظل غياب الجماهير والرعاة والإعلانات».
ومن ناحية النادي المصدِّر لأكثر المواهب الكروية آنياً، أي العهد، رأى أمين سر النادي محمد عاصي، أن الموضوع بيد الاتحاد؛ لأن النظام الذي يعمل به الاتحاد هو من وضعه والأندية تمتثل له. وكشف أن خلال الاجتماعات الكثيرة التي عقدت، كان ممثلو الأندية يقدمون اقتراحات لمعالجة هذه المعضلة، إلا أن عمل الاتحاد يجري وفق مصلحته المدمجة مع مصلحة الأندية. وأفاد بأن نادي العهد مع تحديد مدة التواقيع وفق مشروع قانوني معيّن يحمي اللاعبين والأندية؛ لأنه درجت في الآونة الأخيرة «قرصنة» لاعبين عبر عقود احترافية لا تغني ولا تسمن. وأشار عاصي إلى أن قانون الإعارة الذي وُضع قبل موسمين هو أول خطوة في مشوار الألف ميل، إلا أنه يتطلب خطوات مؤازرة ووضع أنظمة تراعي مصلحة اللعبة ككل ولا تنتقص من حقوق الأندية واللاعب والاتحاد، إضافة إلى عقد مؤتمرات مختصة؛ لأن «الأمر شورى بينهم». وكشف عاصي أيضاً أن ناديه أبرم عقوداً مع كل اللاعبين الموقّعين على كشوفه. ورأى أنه قد يغير هذا الأمر من خريطة الأندية، حيث عدد كبير منها لا يحتمل الكلفة الباهظة لتطبيق هذا النظام.



حيدر: التوقيع الأبدي «غير صحّي»


رأى رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر أن النظام المعمول به لتواقيع اللاعبين غير صحي لكرة القدم اللبنانية، ولكنه موجود بسبب ظروف معروفة، ولا بد من تغييره وفق دراسة متأنية من الاتحاد والأندية خصوصاً، لكونها ستتحمل الجزء الأكبر من الضرر «المحتوم»، وذلك للوصول الى مشروع مرض لجميع الأطراف. وأضاف حيدر ان النادي يتعب على اللاعب وينشئه، ومن حقه ان يستحصل على مردود بعد انتقاله أو بيعه. وكشف عن ان الاتحاد كان بصدد اقرار مشروع إلا أنه يحتاج الى تعديلات، لأن من الصعوبة ايجاد صيغة ترضي الجميع. وأشار الى ان اللجنة العليا ستدرس مشاريع تطويرية في المدى القريب تتعلق بمستقبل اللعبة، منها نظام التواقيع.



الاتجاه إلى الأكاديميات

ابتعد عدد كبير من اللاعبين اليافعين عن الأندية، ووجدوا في الأكاديميات المنتشرة ضالتهم لكي لا يقعوا في الأسر، إضافة إلى أن المدارس تمنحهم فرصة للتجارب مع أندية عالمية عريقة. ويشرف مدرب المنتخب ثيو بوكير على إحدى هذه الأكاديميات.