صحيح أنه لم يتمّ إثبات أي شيء حتى الآن حول ارتباط مسائل كروية بانتحار مدرب ويلز غاري سبيد، لكن لا يمكن إسقاط هذه الفرضية، إذ كانت كرة القدم سبباً في حالات انتحار كثيرة أو أن هذه الرياضة لم تلعب دورها لجعل ممارسيها يرمون مشاكلهم بعيداً ويتمتعون بالأيام الجميلة ضمن ملاعبها التي قد تتحول أحياناً لدى البعض الى جهنم وتدفعهم الى الإقدام على عملٍ غير طبيعي يتمثّل بالانتحار!
الأكيد أن كرة القدم ليست كل شيء في الحياة بالنسبة الى كثير من النجوم، وهي لا تستطيع سدّ الثغرات الموجودة في حياتهم أو إبعاد شبح اليأس عنهم، وهذا ما ثبت عند انتحار حارس مرمى منتخب ألمانيا ونادي هانوفر روبرت إنكه العام الماضي.
هذا الحارس الذي كان متوقعاً أن يأخذ مكانه أساسياً في تشكيلة «المانشافت» خلال نهائيات كأس العالم 2010، وُجد مدهوساً على إحدى سكك القطارات بعدما قرر قتل نفسه إثر معاناته من مشاكل نفسية جراء فقدانه طفلته التي توفيت في الثانية من العمر بسبب مرضٍ نادر في القلب. تحوُّل إنكه اللاعب المفضل لدى جمهور هانوفر والثقة التي منحه إياها مدرب ألمانيا يواكيم لوف لم يحولا دون اتخاذه قرار التخلّص من حياته، فلم تكن كرة القدم هي كل شيء بالنسبة إليه أو هي حياته بعكس ما قالته زوجته
تيريزا.
قبل إنكه، كان هناك الكثير من أولئك الذين لم تستطع كرة القدم انتشالهم من مشاكلهم. أحد هؤلاء جوان غامبر باني «إمبراطورية كروية» اسمها أف سي برشلونة، فهذا اللاعب والرئيس السويسري ـــــ الكاتالوني واجه كل المصاعب السياسية بعد محاربة ناديه المولود على أسس إقليم كاتالونيا الثائر، لكنه لم يتمكن من إنقاذ نفسه من خلال كرة القدم، إذ على نحو مستغرب عانى من مشاكل مالية، ما دفعه الى الانتحار عام 1930.
كرة القدم لا تكون بريئة في حالات كثيرة في ما يختص بانتحار أبناء ملاعبها، إذ شهدت كوريا الجنوبية موجة مماثلة في أيار الماضي تمثّلت بانتحار لاعبين اثنين بعد ضلوعهما في عملية تلاعب بنتائج المباريات، وقد ذهب ضحيتها يون كي ـــ وون حارس مرمى إينشيون يونايتد البالغ من العمر 23 عاماً، ثم لحق به لاعب سيول يونايتد تشونغ يونغ ـــ كوان (30 عاماً) الذي وجدت مع جثته ورقة كتب عليها: «أنا آسف، أشعر بالعار لضلوعي في التلاعب بنتائج المباريات».
كرة القدم لا ترحم، وضحيتها قد يكون أياً من الموجودين على أرض الملعب. هذا ما حصل قبل عشرة أيام عندما حاول الحكم الألماني باباك رافاتي وضع نهاية لحياته قبل مباراة كولن وماينتس في «البوندسليغا» حيث وُجد في غرفته في الفندق في حالٍ حرجة بعدما أحدث بجسمه جروحاً تسبّبت بنزف في أوردته. إنقاذ الحكم المذكور وحديثه عن التجربة التي مرّ بها أكد أن المستديرة قد تصنع الأتراح أيضاً، لا الأفراح فقط، إذ كشف أن فعلته ناتجة من عدم قدرته على تحمّل الضغوط من وسائل الإعلام والجماهير بسبب أخطاء تحكيمية ارتكبها في بعض المباريات. ورافاتي اعتبره كثيرون خليفة الحكم الشهير ماركوس ميرك، لكن التحريض الذي مارسته مجلة «كيكر» المحلية ضده بعدما اختارته أسوأ حكم في ألمانيا أسقط عنه الشارة الدولية، ثم وصل عدد منتقديه على إحدى الصفحات الإلكترونية الاجتماعية الى 2500 شخص، قبل أن تتفاقم الأمور ويواجه هجمات عنصرية بسبب أصوله الإيرانية. كل هذه الضغوط كانت كفيلة باتخاذ الرجل قرار الانتحار، في خطوة لم يستغربها أبداً أطباء العلاج النفسي.
تدخّل العلم في حالات كهذه يكشف عن كثيرٍ من الأمور، إذ لا شك في أن الضغوط التي تتركها اللعبة على نفسية اللاعبين تؤدي الى انهيار بعضهم أو المنشطات التي يتناولونها تؤثر على ذهنهم بعد سنوات الاعتزال. لكن رغم ذلك، هناك من يملك تعلّقاً باللعبة قد يدفعه الى محاولة الانتحار عند انفصاله عنها، تماماً كما حصل مع لاعب وسط منتخب إيطاليا سابقاً جانلوكا بيسوتو الذي لم يتقبّل فكرة اعتزاله اللعب وتحوّله إدارياً، فرمى بنفسه من إحدى نوافذ مكاتب ناديه يوفنتوس، لكنه كان محظوظاً بنجاته.



غاري سبيد

فقيد الكرة البريطانية





لا تزال ردود الفعل تتواصل في أوساط كرة القدم البريطانية بعد انتحار غاري سبيد، وفي أبرزها قال:
◄ نجم مانشستر يونايتد الويلزي راين غيغز (صورة 1): «أشعر بحزن عميق. كان غاري سبيد رجلاً رائعاً على الصعيد الكروي وشخصاً تتشرف بأن تتخذه زميلاً في الفريق وصديقاً شخصياً».
◄ لاعب منتخب ويلز السابق روبي سافدج: «فقد العالم رجلاً عظيماً. كنت أتحدث معه صباح السبت (أي قبل يوم على انتحاره). سأفتقده بشدة. كان في حالة معنوية مرتفعة. لا أستطيع أن أصدق ذلك، كان زميلي وترك خلفه طفلين رائعين. كان رجلاً قوياً ومدرباً كبيراً، كان يمزح ويضحك يوم تحدثنا».
◄ قائد ويلز الحالي أرون رامسي (صورة 2): «سمعت الخبر المأساوي فتحطّمت وتحطّمت أفكاري. فقدنا مدرباً كبيراً ورجلاً عظيماً سيفتقده الجميع».
◄ مهاجم مانشستر يونايتد مايكل أوين: «لا أصدق هذه الأنباء. كنا نتحدث قبل بضعة أيام ونلوّح لأطفالنا وهم ذاهبون إلى المدرسة. هذا خبر مأساوي، وأنا أشعر بالحزن حقاً. أنا أعرفه وأعرف عائلته وأولاده».