645 مليار يورو هي حجم الديون المتراكمة على إسبانيا حالياً، أي حوالى 64% من الناتج المحلي. رقمٌ مخيف في بلاد تضرر فيها القطاع المصرفي كثيراً وارتفعت فيها البطالة بنسبة 21.4% في نهاية الشهر الماضي. هذه النسبة مرشحة للارتفاع أكثر في فترة قصيرة، وربما تشمل عدداً من لاعبي كرة القدم المهددة أنديتهم بالإفلاس، وبالتالي الزوال عن الخريطة الكروية.الأزمة التي أصابت الأندية الإسبانية عشية انطلاق الموسم الجديد وسط إضراب اللاعبين الذي أجّل المرحلة الأولى للدوري بسبب عدم حصول بعضهم على مستحقاتهم، تفتح الباب أمام المشاكل المالية التي تعانيها «الليغا». ومن دوري الدرجة الأولى تبرز المأساة، إذ إن فرقاً طليعية على غرار أتلتيكو مدريد وفياريال وفالنسيا تلعب من دون وجود أي راعٍ على قمصانها، وهي مسألة غريبة بالنسبة الى أندية على مستوى عالٍ، وخصوصاً أن الأخيرين يشاركان في أهم مسابقة قارية أي دوري أبطال أوروبا، بينما يلعب فريق العاصمة الإسبانية في «يوروبا ليغ». هذه الفرق الثلاثة لم تتمكن من إقناع أي معلنٍ بالاستثمار على قمصانها، إذ إن المعلنين هربوا من عقودٍ من هذا النوع، وهم لن يتمكنوا أصلاً من تأمين مبلغٍ رعائي ضخم لأي نادٍ. لذا، وباستثناء القطبين برشلونة وريال مدريد، تحمل قمصان غالبية الفرق التي حظيت بنعمة الرعاة إعلانات لمؤسسات لا تحظى بشهرة كبيرة، وهي قبلت برعاية فريق ما لسبب مناطقي أو ما شابه. من هنا، يمكن ملاحظة أن سوء الوضع المالي لفالنسيا دفعه الى تزيين صدر قميصه بعنوان صفحة تسوّق الملابس والأشياء الخاصة بالنادي على موقعه الإلكتروني.

على شفير الإفلاس

لا ضير في القول إن كرة القدم الإسبانية التي تحكم العالم حالياً بمنتخباتها وفرقها، تقف على شفير الإفلاس، إذ إن حجم الديون المترتبة على الأندية يبلغ حوالى 3.5 مليارات يورو، وهو رقم سيرتفع لا محالة في نهاية الموسم الحالي، وخصوصاً أنه يبدو واضحاً أن غالبية أندية الدرجة الأولى طلبت في الفترة الأخيرة حماية من الدائنين، فأندية مثل ريال بيتيس وراسينغ سانتاندر وريال سرقسطة كانت قد بدأت الموسم وهي مديونة للاعبيها بـ 20 و13 و8 ملايين يورو على التوالي.
ومعلوم أن أحد أبرز أسباب الأزمة المالية في إسبانيا هو القروض الطويلة الأمد، ما أدى الى انهيار السوق المحلي وإفلاس شركات عدة. وطبعاً كانت الشركات الضعيفة أولى الضحايا، وهذا أمر ينسحب حالياً على عدة أندية مثقلة بالديون، وهذا كله بسبب القوانين غير المدروسة التي تسير عليها اللعبة في البلاد، ولعل أبرزها حقوق النقل التلفزيوني التي من المفترض أن تكون الشريان الأساس الذي يمدّ هذه الأندية بالدماء الضرورية لمواصلة العيش. ففي إسبانيا تختلف الأمور كثيراً عنها في إنكلترا، إذ إن أموال عائدات النقل التلفزيوني توزّع على الأندية بحسب مكانتها في «الليغا». والأسوأ أن المفاوضات مع هذه الأندية تكون فردية، ما يفرز عقوداً مختلفة العائدات بين نادٍ وآخر. وطبعاً في هذه الحالة تذهب حصة الأسد إلى برشلونة وريال مدريد، وهذا ما لا يمكن إيجاده في الدوري الإنكليزي الممتاز مثلاً، حيث يمكن لنادٍ من وسط الترتيب أن يقف بين أفضل 20 نادياً في العالم لناحية المردود على هذا الصعيد، وذلك أن العقد في إنكلترا يكون جماعياً بعكس ما يحصل في إسبانيا. واللافت في هذه الحالة أن فريقاً مثل أتلتيكو مدريد يحصل على 70 مليون يورو أقل من جاره ريال مدريد، بينما يحصل الأخير على مردود أكبر بتسع عشرة مرة من الفرق الصغرى في «الليغا»!
ويضاف الى هذه المشكلة مسألة ارتفاع الأجور الممنوحة للاعبين، إذ تشير التقارير الاقتصادية الى أنه إذا وصل معدل هذه الأجور الى 70% من حجم العائدات فإن النادي يكون في خطر، لكن الوضع يبدو أسوأ في إسبانيا، إذ إن بعض الأندية تصرف 85% من عائداتها أجوراً للاعبيها.
الأسوأ في كل هذه المسألة أن الأندية الإسبانية تصرف حالياً من أموالٍ لا تملكها أصلاً، وتحاول إقناع نفسها بأنها ستخرج من عنق الزجاجة عبر الفوز بلقبٍ ما أو اللعب في مسابقة أوروبية، لكن مهما كبرت هذه الأندية فإنها ستبقى عالقة في شرك الديون، فها هي الصرخة تعلو في برشلونة وريال مدريد. هي ليست صرخة فرح بهدفٍ لليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو، بل صرخة ألم من الرقم الموجود الذي يلتصق به رمز سلبي في أسفل كشف الحساب الواصل الى إدارة الناديين شهرياً.



تبخّر أندية

بدأت الاندية الكبيرة تشعر بمدى سوء تأثير الازمة المالية الاسبانية عليها، فخرج رئيس برشلونة ساندرو روسيل مطالباً بخفض عدد فرق الدوري الاسباني الى 16 فريقاً، حيث ستسمح هذه الخطوة في رأيه بتوفير الاموال على الاندية عبر خفض اجور اللاعبين «اضافة الى تحوّلها اندية منافسة حيث لن ينحصر الصراع على اللقب بين فريقين اثنين فقط». وصارح روسيل بضرورة الاستماع الى طلبات الاندية الصغرى وابرام عقد جماعي للنقل التلفزيوني، متوقعاً تبخّر بعض الاندية في السنتين المقبلتين.