تحوّلت بوصلة الفورمولا 1 باتجاه آسيا منذ مطلع الألفية الجديدة، وارتفعت تدريجياً حصة القارة الصفراء على روزنامة البطولة الاشهر في عالم السرعة، حيث حمل برنامج موسم 2011 سبعة سباقات من اصل 19 سباقاً، لتصبح آسيا بالتالي على مقربة من سحب البساط من تحت الاوروبيين الذين ارتبطوا تاريخياً بهذه الرياضة من مختلف جوانبها، وتستضيف حلباتهم حالياً تسعة سباقات. علماً ان السباقات الآسيوية كانت ستصبح ثمانية لو لم يُلغ سباق البحرين بعد الاحداث الأمنية في البلاد.
واذا كان الحضور الآسيوي القوي في استضافة سباقات الفئة الاولى هذه السنة يدل على شيء فهو على نمو شعبية الفورمولا 1 في آسيا وقوة سوقها على الصعيد العالمي، فعادت سنغافورة اليها، واكدت الصين مكانها، ودخلت أبو ظبي بقوة معتمدة حلبة جذابة من حيث الهندسة، وقدّمت كوريا الجنوبية نفسها ضيفة جديدة في 2010 على غرار الهند هذه السنة، والتي صرفت 400 مليون دولار لبناء حلبتها، بينما بقيت اليابان وماليزيا وجهتين مفضلتين عند الفرق والسائقين على حدٍّ سواء.
اذاً «العالم الجديد» للفورمولا 1 هو قارة آسيا، اذ إن توجّه مالك الحقوق التجارية للبطولة البريطاني بيرني إكليستون للانفتاح على اسواق اخرى بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت «العالم القديم» اي اوروبا، بدأ يسير في خطٍ تصاعدي، وترافق مع عدم خجل من الآسيويين في المطالبة بحق استضافة السباقات بغض النظر عن تاريخهم في هذه الرياضة، فرأينا بلداناً لم تقدّم سائقاً واحداً حتى في تاريخ الفئة الاولى، امثال الامارات والبحرين، لكنها كسبت اعجاب العالم من خلال نجاحها التنظيمي.
ويمكن اعتبار أن خطوات إكليستون لم تكن لتلقى قبولاً في الماضي البعيد، لكن مع اشتداد الازمة المالية التي اصابت الفورمولا 1 في الصميم وأدّت الى انسحاب فرقٍ عدة من البطولة، لم يعد القيّمون على هذه الرياضة يمانعون ابداً مغازلة الشرق أوسطيين او اولئك القاطنين في جنوب شرق آسيا، وذلك من اجل تأمين افضل رعاية ممكنة. وهنا يمكن الحديث عن استراتيجية جديدة ستنتقل اليها الفرق في المستقبل القريب، وهي التحوّل من الاستفادة من العقود الرعائية الخاصة بالسباقات الآسيوية الى محاولة جذب رعاة للفريق نفسه، وهذا ما بدأ يعمل عليه فريق وليامس مثلاً، اذ تردد في الايام الاخيرة ان بنك قطر الوطني قد يدخل على خط تمويل الفريق تحت صفقة عنوانها اعادة بطل العالم الفنلندي كيمي رايكونن الى حلبات الفورمولا 1. لكن من يعرف خبايا الامور يدرك أن تعاون وليامس مع الجهات القطرية هو اوسع بكثير، اذ بغض النظر عن وجود مركز تقني للفريق البريطاني في قطر، فإن دوراً داعماً سيلعبه لا محالة إذا كانت هناك نية لدى القطريين لاستضافة احدى مراحل البطولة. فكرة ربما لا يراها البعض ملموسة علناً، لكنها من دون شك تدور في فكر رجال الدوحة التي تحوّلت عاصمة رياضية تجذب الاحداث العالمية، ومنها الميكانيكية حيث كانت حلبة لوسيل اول من استضاف سباقاً ليلياً في بطولة العالم للدراجات النارية، لذا لا مانع من تكرار التجربة من بوابة الفورمولا 1.
واذا كانت الفورمولا 1 لم تشهد كثيراً رعاة آسيويين عالميين بعيداً من اليابان وماليزيا اي البلدين التقليديين اللذين ارتبطا بالفئة الاولى، فان هذا الامر سيتغيّر في فترة قريبة لأن تزايد شعبية هذه الرياضة في البلدان التي تستضيف السباقات ستجرّ المعلنين الى الحلبات والفرق. والاهم ان بعض المعلنين امثال بتروناس الماليزي المعروف الذي سبق ان رعى فريق ساوبر وكسب شهرته من خلاله، اعطى مثلاً عن كيفية ايصال اسمه الى الجمهور العالمي من خلال الفورمولا 1 المتنقلة بين القارات المختلفة.
وما يساعد على اقناع الاوروبيين بمسألة انهم لم يعودوا اسيادها او ليسوا وحدهم في الساحة، انغماس الآسيويين بكل شيء في الفورمولا 1، وخصوصاً اولئك الطامحين لدخول جنتها امثال الهند التي سعت الى هذا الامر مدة طويلة، وقد قدّمت اوراق اعتمادها عبر الملياردير فيجاي ماليا صاحب فريق فورس إينديا، والباحث دائماً عن سائقَين محليَين لجعل الفريق هندياً مئة في المئة. لكن مع وجود ناراين كارثيكيان وكارون شاندوك فقط على الساحة، ينقلنا هذا الحديث الى محورٍ آخر ومهم جداً ومفاده ان وجود سائقٍ آسيوي «رابح» على متن احدى سيارات الفرق سيزيد من انجذاب المعلنين في البلدان الآسيوية، وبالتالي يريح الفرق على الصعيد المادي. هذه الفرق التي ذهبت اصلاً وحدها للقيام بأحداث ترويجية تعود عليها بالفائدة، وذلك قبل وصول الفورمولا 1 رسمياً الى هذه البلدان. وهذا ما فعله ريد بُل رايسينغ ورينو في الهند، التي ذهب اليها العام الماضي البريطاني لويس هاميلتون مع احد الرعاة الاساسيين لفريقه ماكلارين مرسيدس وهو شركة «فودافون» للاتصالات للقيام بعرض مشوّق في احد شوارع نيودلهي على متن سيارة «السهم الفضي». المعادلة بسيطة، اذ إن وجود 1.3 مليار نسمة في الهند حيث تتسع دائرة مستخدمي الخلوي يوماً بعد آخر بفعل الاسعار التنافسية بين الشركات، يدفع «فودافون» الى القيام بهذه الخطوة، وطبعاً يريد ماكلارين جزءاً من «الجبنة».
من هنا لا يبدو مستغرباً ان يشرّع القيّمون على الفورمولا 1 بالتناغم مع الاتحاد الدولي للسيارات «فيا» كل بطولة آسيوية يمكنها ايصال المزيد من السائقين الى الفئة الاولى، فكان انشاء «جي بي 2 آسيا» على صورة بطولة «جي بي 2» الشهيرة التي تخرّج منها ابرز ابطال العالم. كذلك، اقيم حديثاً اول سباق لـ«فورمولا غالف» الخاص بمنطقة الخليج المطلوب منها تقديم سائقٍ عربي بأسرع وقتٍ ممكن للمنافسة على الارض كما هي الحال في الشق التنظيمي.
وبالطبع، اصبح واضحاً ولا حاجة للتفسير، أن السائقين القادمين من البلدان النامية في الفورمولا 1 يجلبون معهم رعاتهم للحصول على مقعدٍ في احدى سيارات الفرق، وتحديداً الصغيرة منها. وهنا المثال الابرز في حالة الهندي ناراين كارثيكيان الذي عاد الى الفورمولا 1 في الـ34 من العمر من بوابة فريق «هيسبانيا»، الذي كسب من هذه الصفقة دعم مجموعة «تاتا» الهندية. واذ ثبُت ان كارثيكيان ليس بالمستوى المطلوب فإنه أُبعد في حزيران الماضي عن مقود سيارته، لكنه سيعود الأحد كرمى لعيون «تاتا» فقط!
اذاً بعدما كانت الفكرة ان الفورمولا 1 ستدمَّر إذا ابعدت سباقاتها عن اوروبا، اصبحت المعادلة مغايرة تماماً، حيث يطبّق شعار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم على الفئة الاولى حالياً: المستقبل هو آسيا.



انقطاع الكهرباء وخفافيش في الهند


عجّ محيط حلبة بوذا بالوافدين لاستقبال سائقي الفورمولا 1 والحصول على تواقيعهم أو أخذ الصور معهم، لكن الأنباء الآتية من نيودلهي كانت مثيرة للاستغراب، وخصوصاً التقنية منها، التي قد تترك تأثيرها على تنظيم سباق خالٍ من الشوائب.
وتساءل الجميع عن اللافتة التي يفترض أن تكون خارج الحلبة لتدل عليها بوضوح. أما الإعلاميون فقد فوجئوا بانقطاع في التيار الكهربائي ثلاث مرات، وطار خفاش فوق رؤوسهم في غرفة الصحافة قبل أن يجد مخرجاً! ويبدو جليّاً أن العمل لا يزال مستمراً في بعض المباني المحيطة بالحلبة التي تركت انطباعاً جيداً عند جميع زائريها بالنظر الى تصميمها المميز، وقد أثنى على هذا الأمر بيرني إكلستون.



كارثيكيان نجم المرحلة

سيكون الترقب الكبير على السائق المحلي ناراين كارثيكيان عندما تنطلق الجولة الاولى من التجارب الحرة لسباق الهند اليوم الساعة 7.30 صباحاً، بينما تقام الجولة الثانية الساعة 11.30، والتجارب الرسمية غداً، والسباق الاحد في التوقيت عينه.