يمكن أن يكون تعريف العمل النقابي هو بالنضال لإعطاء الحقوق للعاملين في أي مهنة يستفيد منها الأجراء، لكن في لبنان قد تثبت هذه المقولة على القطاعات العمالية وأصحاب المهن الحرة، لكنها مفقودة على صعيد الرياضة والرياضيين. ويمكن ملاحظة تأجيل بطولتي الدوري في اسبانيا وايطاليا مع مطلع الموسم الحالي بسبب الإضراب الذي نفّذه اللاعبون في الدولتين للمطالبة بعقد العمل الجماعي الجديد للاعبين، وبسبب الخلاف على ضمان دفع رواتب اللاعبين، كذلك فإن بعض الدول العربية أُنشئت فيها جمعيات لحقوق الرياضيين كالعراق والمغرب.
ومن نظرة قانونية، يعطي قانون العمل اللبناني حقاً للاعبين أن يسجّلوا إذا كانوا مأجورين في أنديتهم، وأن يستفيدوا من تقديمات الضمان الاجتماعي بحسب خبراء نقابيين، وعلى الدولة مراقبة الاندية الرياضية للحدّ من الالتفاف على القانون الذي يجيز في المادة 50 منه ضمان حقوق الأجراء، واللاعبون جزء من العمال لكونهم يتقاضون أجراً، ولو أن عدداً كبيراً منهم أيضاً مضمون في عمل مختلف عن الشأن الرياضي، إلا أن الغالبية العظمى باتت تمتهن الرياضة.
وتسير الرياضة اللبنانية التي تنتهج في غالبية الألعاب نظام الهواة على الرغم من أن عدداً كبيراً من مزاوليها يعتاشون من خيرات الرياضة، ولا سيما في كرة القدم وكرة السلة، لكن لا يمكن تحصيل حقوق اللاعبين «العاملين» في هذا الإطار بسبب عدم ملاحظة القوانين الرياضية لبنود تحمي حقوق الرياضيين وضمانهم بعد تقدّمهم في العمر، الأمر الذي يدفع الرياضي بعد اعتزاله الى الاستعطاء على ابواب الاندية لتأمين عيشه أو استكمال حياته بعيداً من الرياضة.
والأمثلة التي يمكن ملاحظتها في المجتمع الرياضي كثيرة، إذ إن غالبية اللاعبين السابقين يقضون ايامهم يبحثون عن عمل هنا او استجداء وظيفة لدى من هم مقتدرون.
وتداعت قبل سنوات مجموعة من لاعبي كرة القدم لإنشاء نقابة لهم تعينهم على تأمين حقوقهم وانتزاع مكتسبات تساعدهم على متابعة حياتهم بما لا يجعلهم معوزين. ويقول أحد أصحاب هذه الفكرة سلمان عبد الخالق إن هذا المشروع أفشله اللاعبون أنفسهم، لأن معظمهم كانوا يظنون أنهم مستمرون في الملاعب، وأضاف عبد الخالق: «اجتمعنا أكثر من مرة مع عدد من اللاعبين لإنشاء صندوق تعاضدي ليتحول بعدها الى رابطة تؤمّن للاعب بعد تقاعده ضمانات اجتماعية، حيث يكون قد تقدم في العمر. إلا أن الجمعية بحاجة إلى تشريع ونظام لها، ولا يمكن تطبيقها في دولة لا تزال تعتمد نظام الهواة، كذلك فإن نظام التواقيع المتّبع في كرة القدم، الذي لا يتوافق مع حقوق الانسان عموماً، يقيّد اللاعب مدى الحياة مع النادي الذي يوقّع له». وأشار عبد الخالق إلى أن هذه الفكرة قتلت في مهدها.
وتحظى كرة القدم بأمثلة كثيرة على صعيد مأساة اللاعبين المتقدمين في العمر الذين لا يجدون من يعينهم. عبد الرحمن شبارو الذي أعطى ما أعطاه للمنتخب الكروي، عانى كثيراً جرّاء إصابة في عينه كادت تفقده البصر. وعبد الفتاح شهاب كان من دون عمل لفترة لا بأس بها، وغيرهما. كذلك فإن نظام التواقيع يتعارض مع كافة المواثيق والأعراف العربية والدولية، ولا سيما حقوق الانسان وملحقاتها، والتي يلحظها الدستور اللبناني.
ويشرح شهاب عن حالته التي وصفها بالمأسوية، وأشار إلى أنه وزملاءه لم يجدوا أي يد ممدودة تساعد على المضي في هذا المشروع الذي سيلقى معارضة من الاتحاد والأندية. ورأى شهاب ان اللاعب أشبه بسلعة بين أيدي الأندية التي تتاجر به. وكشف أنه بصدد البحث عن أساليب عدة لإيصال صوت الرياضيين القدامى، ولا سيما إلى وزارة الشباب والرياضة، لأن اللاعب يخدم وطنه كالجندي، لكن الفارق أن الأخير يتقاضى التعويضات، فيما يتلقى اللاعب التنويهات ويذكره التاريخ، لكن حياته ليست طبيعية بسبب قلة موارده المادية.
بدوره، رأى محمد عاصي، أمين سر نادي العهد، أن ليس هناك رواتب للاعبين، بل هي بمثابة مساعدات لهم، والنادي يوفر الضمانات الصحية لهم. وأيّد عاصي العمل على إيلاء أوضاع اللاعبين بعد الاعتزال أهمية قصوى وإيجاد طريقة تضمن عيشهم واستمرارية حياتهم، وهذا يحفزهم على العطاء أكثر. وأشار إلى أنه لا بد من معالجة نظام التواقيع أسوة بألعاب ثانية، لأنه لم يعد مقبولاً ان يُستعبد اللاعب.
وفي كرة السلة، أي اللعبة التي وصلت الى العالمية وسطّرت إنجازات للبنان، لم يلحظ اللاعبون فيها هذا الأمر، إذ كانت هناك فكرة إنشاء نقابة، حيث أشار لاعب الرياضي سابقاً ورئيس نادي هوبس حالياً، جاسم قانصو، الى انه لا يمكن تشريع فكرة كهذه ضمن نظام الهواة المعمول به، وأوضح انه لا يجوز أن تكون أجيراً «تحت الطاولة»، أي ما يعتبر أجيراً غير شرعي. وهذا الأمر بحاجة إلى نظام احتراف لكي يمكن إنشاء رابطة، حيث إن معظم اللاعبين حالياً أجراء في نظام «اللامحترف»، وكل العقود التي تبرم مع اللاعبين غير قانونية في مكان ما. وكشف أن هذه الفكرة التي راودت مجموعة لاعبين قبل حوالى 15 سنة قد التأمت خلالها مجموعة للبحث في كيفية حماية اللاعبين، إلا أن مجموعة منهم كانت مدعومة من رئيس نادي الحكمة آنذاك انطوان شويري الذي رفضها في حينها.
وشهدت الحركة الرياضية تجربة مقبولة مع إنشاء تجمع قدامى الكرة الطائرة، ولكنه لا يتعدى إطار التجمع والتلاقي، ولا يقدم التجمع أي شيء مادي. كذلك لا يمكن إغفال الألعاب الفردية عن هذه الأمور، ولكنها منسية بسبب عدم وجود مشترع رياضي منظّم للحركة الرياضية إلا حديثاً، لكنه لم يذكر هذا الأمر على الرغم من أهميته.



«صندوق التعاضد» ايجابي للرياضة

لحظ رئيس اتحاد كرة القدم هاشم حيدر في برنامجه الانتخابي الذي قدمه في انتخابات الاتحاد قبل عامين «انشاء صندوق تعاضد لدعم اللاعبين القدامى الذين قدموا خدمات للمنتخبات الوطنية» وهو الاتحاد الوحيد الذي طرح الامر. وأشار حيدر الى أن هذه الفكرة مهمة ويجب متابعتها نظراً لايجابياتها، إلا أن الظروف لم تكن مؤاتية لمتابعتها