نسي كثيرون في الأعوام الأخيرة أن نادي الحكمة ولد من رحم لعبة كرة القدم، فتمّ إهمال فريق المستطيل الأخضر الى أقصى الدرجات، وابتدع بعض الرؤساء المتعاقبين أفكاراً للتخلّص مما سمّوه عبء فريق كرة القدم، وهم إذ جاهروا بهذا الأمر في المجالس الضيّقة، فقد أخفوا نيّاتهم على هذا الصعيد علناً. من هنا، لم يكن مستغرباً أن يقف الفريق الذي نافس النجمة على لقب الدوري موسم 2001-2002 على شفير الهبوط الى الدرجة الثالثة في الموسم الماضي، إذ تمّ جمع التشكيلة بما تيسّر من لاعبين متاحين، ومدربَين ارتبط اسمهما بالنادي، هما وسام خليل وسهاد زهران، لكن من دون أن يلقى الفريق دعماً بالشكل المطلوب، وقد أوعز المسؤولون هذا الأمر الى القرف جراء الوضع المتردي للكرة اللبنانية، التي أبعدت لا بل جعلت الفريق الكروي الحكموي طيّ النسيان.
لكن هناك في الأشرفية، لا يزال كثيرون يعيشون على الذكريات التي علقت في ذاكرتهم من الملاعب المختلفة، فيطرحون على كل متابع للعبة عن كثب السؤال عينه: «في فريق حكمة هيدي السنة؟». فمخطئ من يعتقد أن أبناء الأشرفية نسوا فريقهم، فهم إذا اجتمعوا في ملعبٍ أو قرب دكان في أزقة المنطقة، يتجادلون في أحلى فوز للفريق الأخضر، منهم من يقول إنه كان على الأنصار (1-0) بهدف فادي زين موسم 1996-1997، ومنهم من يقول إنه كان على النجمة (5-4) في افتتاح موسم 2001-2002، الذي كانت نهايته الأكثر مرارة بفقدان الفرصة الأقرب لإحراز لقب البطولة للمرة الأولى. أما البعض الآخر فيعتبر أنه في كل موسم هبط الفريق أو حُبكت مؤامرة لإسقاطه كانت اللحظة الأكثر مرارة، مستذكرين الرحلات الطويلة التي كانوا يقطعونها من بيروت باتجاه ملاعب طرابلس وصور والخيارة، مخاطرين بحياتهم وسط أحوال جوية سيئة لمتابعة فريقهم مهما كانت ظروفه الفنية.

عودة أبناء الحكمة

المتابع لسير الأمور الحكموية يعرف أن الفريق لم يكن متروكاً من الجميع، إذ كان هناك أشخاص يبحثون عن سبلٍ لإعادة أبناء النادي إليه ولإعادة النادي الى أبنائه، فنشط عضو اللجنة العليا في الاتحاد اللبناني جورج شاهين في اجتماعاته مع أمين السر نديم حكيم، حتى أعطاه الرئيس طلال المقدسي الضوء الأخضر لتحضير ميزانية تهدف الى إعداد فريقٍ للموسم الجديد. وبعد موافقة المقدسي على الميزانية المقدّمة من شاهين وإرسائها على 90 ألف دولار، سأل الأول عن مدى إمكان الاستعانة بأحد الرموز الكروية في النادي لفترة طويلة، أي إميل رستم، الذي لم يعارض فكرة المساعدة من باب واجب خدمة النادي الأم.
ومن هذه النقطة، بدأ العمل الدؤوب ومن دون ضجيج، حيث وجد شاهين سنداً فنياً يمكنه من تعزيز صفوف الفريق بفعل علاقاته الطيّبة مع كثير من اللاعبين، وخصوصاً لاعبي الحكمة الذين هجروا الفريق في المواسم الأخيرة بحثاً عن رزقهم. رستم الذي أراد أن لا يحمل أي صفة فنية أو إدارية في مهمته الجديدة لعب دور العراب، فلقي طلبه الى بعض اللاعبين بالعودة لارتداء القميص الأخضر ردّاً إيجابياً سريعاً منهم، إذ الى نجله بول والحارس الياس فريجة، عاد الى الحكمة لاعبون تربّوا في كنفه، وهم وليد شحادة ووائل كوثراني وجعفر أبو طعام، والمصري أحمد جرادي الذي دافع عن ألوان الفريق سابقاً، إضافة الى رامي أسعد وضياء برو وإبراهيم رمال، والناشئ سيرج واكيم (16 عاماً) القادم من الأدب والرياضة كفرشيما للانضمام الى خمسة لاعبين آخرين تمّ ترفيعهم من فريق الآمال.

عقدة الإخاء

ومع تركيب الكادر الفني، حيث سيدرّب الفريق المدافع السابق حسن أيوب بمعاونة علي حمود الذي عمل طويلاً مع الفئات العمرية، لم تكن الطريق كلّها مفروشة بالورود، إذ عاش كلّ من بول رستم وإلياس فريجة رحلة من العذاب لتحرير نفسيهما من الإخاء بعد موسمٍ شاق عاشاه هناك، حيث لم يتم تقدير إمكاناتهما، فاستخدم المدرب السوري حسين عفش، الأول في غير مركزه أو مترجماً للاعبين الأجانب، وتحوّل الثاني من حارسٍ دولي الى ثالث حراس الفريق الجبلي!
وبعد مدّ وجزر طويلين، تخللهما طلب الرئيس علي عبد اللطيف 25 ألف دولار مقابل كل لاعب، في الوقت الذي كان يدين فيه الفريق لرستم بـ 8500 دولار (بما فيها شيك مرتجع من دون رصيد قيمته 3000 دولار)، ولفريجة بأربعة رواتب، لعب آل شهيّب دوراً حاسماً في إقناع عبد اللطيف بقبول 18 ألف دولار، مقابل اللاعبَين اللذين دفعا المبلغ من حسابهما الخاص مشاركة مع إميل وطوني رستم، الذي وصل الإخاء الى مطالبته بتقديم جلسات علاجية للاعبيه بقيمة 2000 دولار لإتمام الصفقة!



الداعم الملك

لا يخفي جورج شاهين أن محبي الحكمة كثيرون، كاشفاً عن «داعمٍ ملك» سيقوم برعاية فريق كرة القدم هذا الموسم، مؤكداً انه سيقدّم اكثر مما طلب منه إذا كانت هناك حاجة، ومشيراً الى أن الرئيس طلال المقدسي لطالما وفى بالتزاماته وهو كان قد بدأ بهذا الامر منذ أسبوع.