القاهرة | لم يعد ممكناً أو مقبولاً، في ظل ملاحقة الثورة للفاسدين وأصحاب الثروات غير المشروعة، أن يقرأ الشباب المصري الثائر عن الأرقام الفلكية التي يتقاضاها نجوم الكرة والكوادر الفنية في مصر، ومقدّمي البرامج الرياضية والقنوات الفضائية المتخصصة، وذلك لتجنّب استفزاز الشباب الباحثين عن فرص عمل أو غير القادرين على تكاليف الزواج.نجوم الكرة انخفضت شعبيتهم بين معظم الشعب المصري، أمام شعبية قادة الثورة وشهدائها، وخصوصاً الذين عارضوا الثورة بحكم علاقاتهم السابقة بالرئيس السابق وولديه.
وفي أول تحرك، أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم قراره خفض رواتب أفراد الأجهزة الفنية لمدربي المنتخبات الوطنية، بمن فيهم المنتخب الأول بقيادة حسن شحاتة، المدير الفني، الذي يتقاضى راتباً يصل إلى 200 ألف جنيه شهرياً، وهو مبلغ يكفي لشراء شقة سكنية بحالة معقولة،
وتعديل الرواتب داخل الاتحاد لعموم العاملين فيه (الحدّ الأقصى للكوادر 15 ألف جنيه شهرياً، والأدنى 1500 جنيه).
وقد سارع شوقي غريب، مدرب المنتخب الأول، إلى عدم اعتراضه على خفض الرواتب.

الأهلي: مشكلة

ويواجه النادي الأهلي مشكلة كبيرة أمام قيمة راتب مديره الفني البرتغالي مانويل جوزيه ومساعديه، الذين أتوا مع بداية الثورة، وخصوصاً في ظل توقف النشاط الكروي المصري وتوقف إيرادات المباريات والبث التلفزيوني لفترة طويلة، وهو سيعرّض نفسه للمساءلة من الإعلام وربما من جهاز الكسب المشروع في ظل الحالة الثورية التي تمرّ بها مصر حالياً!
وهناك أيضاً المبالغ الفلكية في ضوء الصراع الجنوني بين الأندية الكبرى على التعاقد مع أبرز النجوم، ومن بينهم محمود عبد الرازق «شيكابالا» لاعب الزمالك، إذ بلغ سعره ثمانية ملايين جنيه مصري!
أمام هذا، يتوقع بدء موجة من هجرة اللاعبين والمدربين إلى دول الخليج العربي أو أوروبا بحثاً عن أسعار أعلى ورواتب أفضل، علماً بأن كثيرين منهم كانوا، قبل الثورة، يرفضون عقوداً خارجية مغرية أمام رواتب عالية من نواد وطنية، مثل أندية المؤسسات، كشركات البترول وأندية القوات المسلحة والشرطة والبنوك والنسيج والمقاولات وغيرها.
وفي ظل هذا التوجه لوقف إهدار الأموال كروياً، لا بد من قبول تحديد سقف للرواتب، أو البحث عن عقود خارجية، لأن الأندية التي ستبقى بعدها هي الأندية الشعبية كالأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري والاتحاد، وكان معظمها يعاني قبل الثورة من مشكلات مالية دفعت بعضها إلى وقف التعاقدات الجديدة والاستغناء عن بعض اللاعبين، وتعثّر بعضها في دفع رواتب للعاملين لديها. وستكون هذه الأندية أكثر المستفيدين من تحديد سقف الرواتب لأنها لم تكن قادرة على مجاراة أندية البترول والمقاولات للتعاقد مع لاعبين جدد بأسعار باهظة، مثل الإسماعيلي الذي استغنى مضطراً عن أبرز لاعبيه الى الأهلي والزمالك تحت وطأة الأزمات المالية.
ومع ذلك، فلن تكون الآثار كلها سلبية، وقد تتحول سريعاً إلى إيجابيات للكرة المصرية واقتصاداتها، والتخلص من آفات رياضية مزمنة قبل الثورة، مثل المغالاة في أجور اللاعبين التي كانت تسبّب زيادة التعصب الجماهيري، ومثل ظاهرة انتشار أندية الشركات بلا حسيب أو رقيب، في مقابل الأزمات المالية الطاحنة للأندية الشعبية رغماً عنها، ومثل مشكلة تعنّت الأندية المصرية في الموافقة على احتراف لاعبيها في الخارج، كما ستصبح الأندية المصرية ملزمة من الآن فصاعداً بالبحث عن صيغة اقتصادية استثمارية جديدة لمواصلة عملها بدلاً من الصيغ القديمة المتهالكة التي كانت تحظى برفض من الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، ومن بينها وجود ناديين أو أكثر في مسابقة واحدة يتبعان مؤسسة واحدة!
ربما تكون الكرة المصرية قد حققت إنجازات ضخمة قبل ثورة يناير، لكن الرغبة الآن تبدو جامحة في تصحيح المسار ومعالجة الأخطاء ووضع سياسة عامة تحكم شؤون الرياضة في مصر، حتى وإن كان ذلك على حساب تراجع الإنجازات قليلاً، ربما على المدى القصير فقط.
وللثورة ... آثار أخرى على النوادي ونجومها ومساراتها.