هل تصدقون أن مدرباً يبحث عن خليفته؟ تبدو الفكرة غريبة نوعاً ما، إلا أن هذا ما يحدث في مدينة مانشستر الإنكليزية. هناك، وبقدر ما أن أليكس فيرغيسون مشغول بقيادة فريقه مانشستر يونايتد إلى تحقيق لقب الدوري الإنكليزي الممتاز ولقب دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فإن باله لا يهدأ لإيجاد من سيخلفه في تدريب فريق «الشياطين الحمر»، وقد تردد سابقاً أنه يرغب في أن يكون البرتغالي جوزيه مورينيو، مدرب ريال مدريد الإسباني، خليفته ومن ثم ذُكر أنه يفضل الإسباني جوسيب غوارديولا.
يبدو مفهوماً ربما أن يجيب «السير» الإسكوتلندي عن أسئلة الصحافيين بما يخصّ هذا الموضوع، لكن أن يصل الأمر بفيرغيسون إلى أن يخصّص وقتاً في زيارته الخاصة لمدينة نيويورك الأميركية هذا الأسبوع من أجل أن يجلس مع غوارديولا لمشاورته بخصوص تدريب مانشستر يونايتد، فإن هذا ما يبدو بالفعل غريباً ونادر الحدوث. نعم، هذا ما طالعتنا به صحيفة «ذا دايلي ميرور» الإنكليزية.
يا لهذا الرجل! يا لهذا القلب! يا لهذه «الأسطورة»! نعم، فيرغيسون «أسطورة». أسطورة في كل شيء. أسطورة لا تتوقف عند عدد السنين التي قضاها مع مانشستر يونايتد أو عدد الألقاب الذي حققه معه، بل تتخطى ذلك إلى مدى وفاء فيرغيسون وولائه لناديه الأحب على قلبه.
هكذا، يأبى هذا المدرب أن يغادر ناديه في نهاية الموسم، كما هو متوقع، من دون أن يطمئن إلى حاله من بعده، ومن دون أن يترك هذا الإرث الذي صنعه بيديه بين يدين أمينتين. هكذا تكون الأساطير فعلاً. الآن أيقنّا لماذا «السير» معجب بشخصية المناضل الأفريقي الجنوبي نيلسون مانديلا. لا فرق بين الاثنين، كل منهما تفانى في ميدانه.
في كل شيء فيرغيسون أسطورة. في تدريبه كما في تصرفاته، في تصاريحه كما في طريقة حياته. في فرحته بتسجيل فريقه الأهداف، كما في وجومه عند تلقيها.
لنضع كل إنجازاته في الميدان جانباً، ولنلتفت إلى شخصية هذا الرجل وطريقة حياته. مدرسة هو في هذا الجانب. فيرغيسون يروي في إحدى مقابلاته بعضاً من حياته اليومية، والتي تثبت مدى التزامه وانضباطه، رغم أنه بلغ السبعين من عمره وأصبح بحاجة إلى الراحة بعد كل سنوات العطاء هذه.
يحكي فيرغيسون أنه يستيقظ كل يوم عند الساعة السادسة وعشر دقائق. وعندما تحين الساعة السابعة يفتح مكتبه لاستقبال طاقمه الطبي، ثم يتناول الإفطار معهم. وعند الثامنة يبدأ اجتماعاته، وعندما يفرغ منها ينتقل إلى الملعب حيث يشرف على الحصة التدريبية لفريقه، وبعدها يفتح مكتبه للاعبيه. فبرأيه أن هذا الوقت هو الأهم «إذ إن بعض اللاعبين يكونون بحاجة إلى أن أحتضنهم وأن يطلبوا شيئاً مني، كيوم عطلة على سبيل المثال».
هذه النقطة الأخيرة هي «بيت القصيد» في أسطورة هذا الرجل، إذ إن فيرغيسون بات أكثر من مجرد مدرب، هو في حقيقة الأمر بمثابة والد للجميع في ملعب «أولد ترافورد». هذا الأمر الذي عبّر عنه النجم ديفيد بيكام قبل فترة، إذ رغم مشكلتهما الشهيرة في غرفة تبديل الملابس في المباراة أمام أرسنال في كأس إنكلترا عام 2003، إلا أن الأخير وصف مدربه السابق بمثابة «والده» قبل أيام قليلة. هذا الوصف أطلقه أيضاً البرتغالي كريستيانو رونالدو، رغم أن علاقتهما ساءت بعد قرار «الدون» الرحيل عن قلعة «أولد ترافورد».
هذا الدفء الذي يعتري شخصية «السير» يعبّر عنه مدرب بايرن ميونيخ الألماني السابق أوتمار هيتسفيلد عندما يقول: «لطالما أحببت كوب الشاي الذي كنت أتناوله مع فيرغيسون قبل كل مباراة بين فريقي وفريق مانشستر يونايتد على ملعب «أولد ترافورد»، وأعترف بأنني لم أحظ بمثل تلك اللحظات الدافئة والإنسانية مع مدرب آخر طوال مشواري. صحيح أننا كنا نفرغ من تناول الشاي لنتّجه نحو معركة حقيقية في الملعب، لكنني كنت أستمتع بحديثنا القصير في جوّ ودي».
ما يميز فيرغيسون هو أسلوب تعامله الراقي مع لاعبيه والمحيطين به، فهو عرف كيف يحافظ على اتزان في علاقاته مع الجميع طوال كل تلك السنوات، ورغم توافد العديد من الأجيال والنجوم الكبيرة على مانشستر يونايتد.
هذا الأمر تحدث عنه كثيرون، منهم البرازيلي فرانشيسكو فيليو الذي كان مقرّباً من «السير» عندما تسلّم تدريب فريق الناشئين في مانشستر يونايتد بين عامي 2002 و2005، حيث يقول: «ميزته الأولى هي لطفه. إنه شخص اجتماعي وودّي، وهو لا يتوقف عن إعطاء قيمة لمن هم حوله. لا يعقد اجتماعات مع مساعديه، بل يفضل مناقشتهم بطريقة غير رسمية مع كوب من الشاي».
هذا هو فيرغيسون، مدرسة في الحياة قبل أن يكون مرجعاً في التدريب. هذا هو، ببساطة، «المعلّم» فيرغيسون.