البرازيلي بيليه والأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا كانا القطبين اللذين يدور حولهما صراع أفضل لاعب في تاريخ الكرة، لكن مع ظهور نجم برشلونة الأرجنتيني الآخر ليونيل ميسي، بدأت الآراء تختلف. والطريف أن بيليه ومارادونا اختلفا أيضاً حول ميسي، فالأخير يراه أفضل لاعب في التاريخ، وبيليه لا يزال يرى نفسه الأجدر باللقب. وعاد الحديث مجدداً عن هذا الموضوع عندما حطّم ميسي الرقم القياسي لبيليه في تسجيل الأهداف في سنة واحدة (سجل بيليه 75 هدفاً عام 1958). ورأى بعض النقاد ان تحطيم ميسي رقم بيليه انتصار لمارادونا ايضاً على «الملك»، الذي كان ولا يزال خصماً لدوداً له، بسبب الاختلاف الحادّ حول أيّ منهما يعدّ أفضل لاعب في التاريخ. الجيل الحالي منبهر بميسي، لكن التاريخ يحكم لمصلحة بيليه ومارادونا، وبين هذا وذاك، خرج مواطن ميسي «الأسطورة» الفريدو دي ستيفانو ليقولها: «بيليه أفضل من ميسي، وهو الأفضل في التاريخ».
ويذهب كثيرون الى الأخذ برأي دي ستيفانو الأكثر واقعية وإقناعاً، فهو شاهد كل «الاساطير» عبر الأزمنة، ومنهم بيليه، لذا في رأيهم فإن نظرته الكروية، وما يراه على أرض الملعب، قد يختلف عما يراه الباقون.
وغالباً ما يجري النقاد مقارنة فنية بين بيليه وميسي، لناحية ان «الملك» البرازيلي يجيد لعب الكرة بقدميه بنفس المستوى والمهارة، بينما يأتي البعض ليقول أين هي رجل ميسي اليمنى التي لا نراه يستخدمها إلا نادراً؟ أضف إن بيليه سجل أكثر من 100 هدف بالرأس، لقدرته العالية على الارتقاء، بينما تكمن نقطة ضعف ميسي في الكرات الرأسية بسبب قصر قامته.
ومن الضروري هنا التذكير بالخطأ الشائع الذي يردده بعض الكرويين عن أن «الجوهرة السوداء» كان يلعب من دون وجود قانون التسلل، وهذا ما جعله يسجل الكثير من الأهداف. إلا أن وثائق تاريخ كرة القدم تؤكد ان قانون التسلل كان موجوداً منذ مطلع القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1848 مع جهود الإنكليز لوضع قوانين اللعبة.
السجالات بين بيليه وميسي لا تهدأ، كل منهما بين فترة وأخرى يصرح ضد الآخر. ومن هذه التصاريح عندما طلب «البرغوث» من بيليه شريطاً مصوراً لكي يرى كيفية لعب الأخير، وهو طلب استفزازي غريب، لان محبي بيليه يرون انه لا يختزل بشريط مصوّر، ومن لم يرَ أو يقرأ عن انجازاته وألقابه ويتمتع بأهدافه، فقد فاتته نصف روائع كرة القدم منذ نشأتها.
وما يدعو إلى الغرابة أكثر هو عدم تردد بيليه في عقد العديد من المؤتمرات الصحافية لتذكير الجميع بأنه اللاعب الأفضل في العالم في كل العصور، ولمناقشة الفوارق بينه وبين ميسي ولانتقاد نجم برشلونة، الذي من دون شك قدّم منذ ظهوره في الملاعب أداءً رائعاً، أثمر تتويجه بالكرة الذهبية 3 مرات.
والغريب ايضاً أن يقارن بيليه نفسه بأفضل لاعب حالياً، ذلك أن عالم كرة القدم في الأيام الماضية يختلف كثيراً عن وقتنا الحالي، من حيث الخطط التكتيكية والضغوط الإعلامية والملاعب الحديثة والتدريبات العلمية المدروسة والوسائل الطبية وغيرها من الأمور التي تسمح بتقديم مردود خيالي عند وجود الموهبة، ربما لو كانت موجودة في زمنه لكان قد قدم شيئاً يفوق الخيال.
ومما لا شك فيه أن رأي دي ستيفانو الذي اعطى أفضلية لبيليه على الجميع يبقى الأقرب إلى الصواب، إلا أن خوف الأخير من أن يصبح ميسي الأفضل في التاريخ بلا منازع، قد يكون دفعه إلى الكلام، وهذا الكلام سيكون سلاحاً ضد بيليه ذاته، وضد كل خصوم ميسي، فالكلام ضد ميسي دائماً ما كان المحفز الرئيسي له لإصابة الكمال الكروي.