لا تبدو قضية التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم خدمة لمكاتب المراهنات وشبكاتها مسألة جديدة في عالم اللعبة الشعبية الأولى. إلا أن الأمر المستجد هو تصاعد الرائحة النتنة من بعض البلدان التي لم تؤدّ بطولاتها أو أنديتها أو منتخباتها أدواراً أساسية على المستوى الدولي، والمثال الأبرز على هذه المقولة ما أفيد قبل أيام عن فضيحة في زيمبابوي أدّت إلى إنزال عقوبة الإيقاف مدى الحياة بحق 15 لاعباً وفنياً وإدارياً، بينهم المديرة التنفيذية السابقة لاتحاد زيمبابوي هنرييتا روشوايا ومدرب المنتخب الوطني صنداي شيدزامبوا، على خلفية ضلوعهما في التلاعب بمباريات، منها مباريات دولية ودية بين أعوام 2007 و2009.
إذاً، ما كُشف عنه في زيمبابوي يأخذنا إلى واقعٍ ملموس بأن «مافيا» المراهنات والتلاعب لا يتوقف عملها فقط على البلدان المتقدّمة في كرة القدم، أمثال البرازيل وإيطاليا وألمانيا وتركيا وغيرها من بلدان أميركا الجنوبية وأوروبا، بل إن عملها بات منتشراً أينما وجدت أرضاً خصبة للاحتيال وتحصيل أرباحٍ طائلة، حتى بات متعارفاً عليه في أوروبا أن كل مباراة رسمية باتت هدفاً لوكلاء المراهنات ووسطائهم المنتشرين داخل المستطيل الأخضر وخارجه.
من هنا، فرضت أوروبا منذ بداية السنة الحالية عملية رقابة على ملايين المراهنات التي ينظّمها 300 إلى 400 جهاز شرعي للرهانات، بينما أصبح معدل التحقيق السنوي يطاول 31 ألف مباراة وُضعت رهانات عليها، منها 1900 مباراة ترتبط مباشرة ببطولات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وأخرى ترتبط بمباريات الدرجتين الأولى والثانية في بطولات 53 اتحاداً وطنياً تنتمي إلى «يويفا»، وقد رُصد بالفعل 250 مباراة مشبوهة بعمليات تلاعب بنتائجها، وأدّت إلى توقيف العديد من اللاعبين والإداريين، منهم من لم يشارك في العمل الإجرامي، لكن القانون يعاقب حتى المتكتّم عن كشف معلومات من هذا النوع.
كذلك، تفيد معلومات «الإنتربول» بأن 300 إلى 500 مليار دولار تُضَخّ سنويّاً في عملية المراهنات على النشاطات الرياضية، وعلى رأسها مباريات كرة القدم، وقد أسهم في هذا الأمر سهولة وضع الرهانات عبر المواقع المنتشرة على شبكة الإنترنت.

لبنان هدف للعصابات

أما الأخطر في الموضوع، فإن السوق الأوسع والأكثر نمواً لهذا النوع من النشاطات، فهو في قارة آسيا التي تساهم عبر مراهنيها في عمل 15 ألف موقع إلكتروني خاص بـ300 نوع من المراهنات حول العالم؛ إذ لا يتوقف الأمر على نتيجة المباراة فقط، بل يتعداها إلى الرهان أحياناً على عدد الركلات الركنية المحتسبة في الشوط الأول مثلاً، وصولاً إلى اسم مسجل أول هدف في المباراة...
إذاً، العصابات الأساسية الناشطة حالياً، التي يقدّر عددها بـ 20 إلى 30 عصابة تحمل هوية آسيوية أكثرها تأثيراً يأتي من ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وتايلاند، وهي تضاهي بعملها تلك العصابات التي عملت في هذا المجال في ألمانيا وإيطاليا، حيث كانت أكبر الفضائح في الأعوام القريبة الماضية. والأكيد أن هذه العصابات ترى في كل بلدٍ آسيوي هدفاً لها، وكل مباراة دولية ودية أو رسمية، وكل مباراة ترتبط بمسابقات الاتحاد الآسيوي، هي مشاع لجريمة تلاعب، وخصوصاً أن الأمور أسهل في «القارة الصفراء»، حيث لا تبدو الرقابة بشدّة تلك الموجودة في أوروبا.
من هنا، قد يتحوّل الهمس الدائر في الكواليس حول أن الكرة اللبنانية التي وضعت نفسها على الخريطة الدولية قد تكون فعلاً موجودة على خريطة التلاعب منذ فترة ليست بقصيرة، وخصوصاً أن مباريات عدة للمنتخبات الوطنية والأندية المشاركة خارجياً كانت قد أدرجت على لائحة المراهنات، وأن «مكاتب» للمراهنات (غير الشرعية في لبنان)، تنشط بعملها في الخفاء في مناطق لبنانية مختلفة.
مصادر خاصة حكت لـ«الأخبار» أن لبعض العصابات الآسيوية وسطاء في الداخل يراوح حضورهم في اللعبة بين لاعبين وفنيين وإداريين حاليين وسابقين يستغلون علاقاتهم المباشرة باللاعبين لفرض نتيجة تصبّ في مصلحة الرهان المتّفق عليه. وتؤكد المصادر أن التلاعب قد يكون حصل بالفعل على الساحتين الداخلية والخارجية، وقد وصلت أصداؤه إلى الاتحاد المحلي عبر تحذيرات خارجية، لكن الأخير ربما ينتظر الوقت المناسب لتفجير «القنبلة الموقوتة» التي زرعت في الكرة اللبنانية حديثاً وسط سؤال سيُطرح على لاعبين وغيرهم مفاده: «من أين لكم هذا؟».



رقابة مشدّدة قريباً

لن تكون أي مباراة بعد الآن بعيدة عن مجهر الرقابة، وخصوصاً تلك التي ترتبط بالمباريات الرسمية الحاسمة للمنتخبات الوطنية في قارة آسيا، بعدما وُضعت علامة استفهام حول العديد من النتائج التي سُجّلت في الفترة الاخيرة. والدور الرقابي على المباريات وما يحيط بها، تؤديه عادة الأجهزة الامنية في الدول المتقدّمة من دون أن تنتظر الاتحادات الوطنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، إذ يكون عمل هذه الاجهزة كشف الشبكات والمتورطين فيها ثم إحالتهم على القضاء قبل إنزال أشد العقوبات بهم.