لندن | «اهلاً وسهلاً بكم الى سليفرستون، موطن سباقات السيارات في بريطانيا». بهذه العبارة تستقبل حلبة سيلفرستون العريقة زوارها، فهناك في منطقة وادعة قريبة من بركلي يعسكر المصنّعون والمهندسون والسائقون في نهاية كل اسبوع من اجل تقديم حلقة جديدة من مسلسل رياضة السيارات الذي لا ينتهي في بريطانيا.سيلفرستون التي خرّجت العديد من ابطال العالم في السباقات المختلفة واهمها الخاصة بسيارات الفورمولا 1، تبدو اشبه بحديقة عامة في يوم أحدٍ مشمس، اذ ان الوافدين اليها ليسوا فقط شباناً مهووسين بعالم السرعة او رجالاً يعشقون تنشّق رائحة الوقود او الاطارات المحترقة عبر تفاعلها مع الارض. هناك في سليفرستون يكون يوم الاحد مثالياً لتنظيم نزهة عائلية، اذ ترى رب العائلة حاملاً طفلاً قد لا يتجاوز عمره الاشهر الستة، بينما تمسك زوجته بولدين آخرين لا يتعدى عمر الاكبر منهما السنوات العشر، وهم يهرعون معاً من اجل عدم تفويت انطلاقة سباقٍ ما.
اما الهدف فهو السير على درب التقاليد الذي سار عليه الاجداد منذ الماضي البعيد، اذ ان متابعة السباقات هو تقليد بريطاني بحت، فالبريطانيون، وخصوصاً الانكليز منهم، يعتبرون رياضة السيارات احدى ارقى الرياضات في العالم، لا بل هي جزء من حياة يومية، اذ ان الاحصاءات تشير الى ان قسماً كبيراً من الشعب يعطي اولوية لشراء سيارة تلبي طموحاته، وذلك على حساب اشياء كثيرة اخرى.
وبالطبع فان سيلفرستون هي المكان المثالي لاشباع شغف قديم وتربية النشء على حب الرياضة الميكانيكية التي يتفق العاملون فيها على انها للنخبة، اذ لا مكان لغير «العباقرة» بينهم، فتحضير سيارة قوية وسريعة بالنسبة اليهم هو اشبه بتحضير صاروخ فضائي او قنبلة ذرية. وهناك في سيلفرستون يعتبر هؤلاء ان فخر الصناعة البريطانية ليس سيارات الـ«جاغوار» او «ميني» وغيرها بل هناك اسماء اكبر بكثير على رأسها ابطال سباقات الفورمولا 1 امثال نايجل مانسل ودايمون هيل ولويس هاميلتون الذين تنتشر صورهم بوفرة الى جانب «اساطير» هذه الرياضة، امثال البرازيلي أيرتون سينا والفرنسي ألان بروست والالماني ميكايل شوماخر، وتطول اللائحة...
«بيزنس» خالص
زائر سيلفرستون يعرف تماماً مدى دور الرياضة الميكانيكية في الدورة الاقتصادية في بريطانيا، اذ انها تعتبر «بيزنس» خالصاً يوازي بأرباحه مردود اهم الانتاجات البريطانية، او اذا امكن القول الرياضات الشعبية الاخرى مثل كرة القدم والركبي.
وفي هذا السياق لا يبدو مستغرباً توافد العديد من الطلاب الى جامعات أوكسفورد لتلقي الدروس في هندسة السيارات وتقنياتها، ومنهم الفتيات اللواتي يسجلن حضوراً لافتاً في حظائر الفرق ويزداد عددهن بشكلٍ مطّرد. وبالطبع تتعدد فئات السباقات في بريطانيا، وقد بدا هذا الامر واضحاً في نهاية الاسبوع على حلبة سيلفرستون التي شهدت مراحل بطولات مختلفة، كان ابرزها بطولة فورمولا رينو التي خرّجت العديد من السائقين الى سباقات الفئة الاولى منهم لويس هاميلتون والفنلندي كيمي رايكونن. وهذه البطولة مثلاً اصبح لها جمهورها الخاص والكبير، وخصوصاً وسط ادراك المشجعين بأنهم يشهدون ولادة ابطال جدد. اضف ان العدد الكبير للسيارات على الحلبة (وصل عددها الى 32 سيارة في المرحلة الاخيرة) يفرض سباقات جنونية، اذ يصل الفارق في احيانٍ كثيرة بين المتصدر وصاحب المركز العاشر الى اقل من نصف ثانية. وهذه البطولة مثلاً تدرّ ارباحاً صافية الى الفرق الـ 12 الموجودة فيها، اذ ان كل سائق مشارك يدفع حوالى 150 الف دولار من اجل الانغماس في حوالى 14 سباقاً موزّعة على 7 مناسبات في نهاية أسبوع.
وبالطبع هذا المبلغ يمكن تأمينه من قبل سائقين كثيرين ساعين الى التعلّم، اذ ان هذه البطولة مثلاً تعتبر باباً لدخول الفورمولا 1، وما وجود هذا العدد الكبير من المشاركين فيها الا دلالة على ارتفاع المستوى الذي يؤمن الاحتكاك الافضل للمشارك فيها قبل انتقاله الى تحدٍّ اكبر.
فعلاً يأخذ عالم السيارات في بريطانيا بعداً آخر، فهو اكثر من تقليد، لا بل تراث وتجارة وصناعة في آنٍ معاً، فضلاً عن انه اسلوب حياة في مقاطعات (الحلبات) مثل سيلفرستون ودونينغتون بارك وبراندزهاتش، فاذا كانت الملكة اليزابيت الثانية هي حاكمة الجزيرة البريطانية، فهناك في هذه الحلبات ينفصل المهندسون والسائقون في عالمٍ خاص بهم حيث يحكمونه ذاتياً متسلحين بآلياتٍ استثنائية.



السرعة في دمائهم

لا يمكن زيارة سيلفرستون من دون التحدث الى مدير فريق «M-Tech Lite» ليس جونز، فالرجل كان احد مهندسي البطل «الاسطورة» البرازيلي أيرتون سينا في العصر الذهبي. وجونز يحكي عن سرّ براعة البريطانيين في رياضة السيارات، فهو يعتبر انها تسير في دمائهم وتنتقل من جيلٍ الى آخر، مضيفاً: «اجدادنا تسابقوا هنا منذ اكثر من 100 سنة، لذا لا يختصّ الامر بالمال والا لكنا شهدنا بطلاً في الفورمولا 1 من العالم العربي او من بلدان شرق آسيا التي تصرف اموالاً طائلة على سباقات الفئة الاولى».