ميكايل بالاك يعتزل كرة القدم. بالاك يودع ملاعب الكرة التي أحبها. كثيرون، مساء أول من أمس، لم يصدقوا الخبر أمامهم. رغم أن بالاك في الـ36 من عمره وغير مرتبط بأي ناد وهو أقرب من أي وقت مضى للاعتزال إلا أن الخبر فاجأهم. نعم، هو كذلك عندما يتعلق الأمر بنجم كبير. يصبح مجرد التفكير بأنك لن تسمع بعد تلك اللحظة خبراً، أي خبر، عنه أمراً مدعاة للشعور بالفراغ. إنه الفراغ الكبير الذي خلفه بالاك منذ أن نطق وكيل أعماله بنبأ اعتزاله. هذا هو الشعور الحقيقي الذي خالج، للوهلة الأولى، محبي هذا النجم، وما أكثرهم!يحار المرء من أن يبدأ مع لاعب بحجم بالاك. من أين يتناول مسيرة هذا النجم. لاعب صنع نجوميته، لا بل قل «أسطورته» بيديه، منذ تلك اللحظة التي قطع فيها مدينة شيمنيتز في ما كان يعرف بألمانيا الشرقية نحو مدينة كايزرسلاوترن في ألمانيا الغربية. حمل الشاب وقتها أحلامه الكبيرة وعبر بها نحو غرب البلاد.

لم يكن أحد يتوقع في ذلك الوقت أن هذا اللاعب الطويل القامة (1,89 سنتمتر) سيصبح النجم الأول في ألمانيا، بلاد الـ6 ملايين شخص يمارسون لعبة كرة القدم. لم يكن أحد يتوقع أن هذا الشاب سيصبح في ما بعد المطلب الاول لأكبر الاندية في بلاده. باير ليفركوزن كان المحطة الأولى ومن ثم العملاق بايرن ميونيخ المحطة الثانية وما بينهما قصة إبداع ولحظات لا تنسى.
كبر الشاب وأصبح طموحه أكبر من مدينة بأسرها لا بل من بلد بمجمله: وداعاً ميونيخ، إلى اللقاء ألمانيا، فلندن تناديني، قالها ميكايل وقتها، ليحط رحاله في تشلسي بعد ان تجاهل نداءات مدينتي مدريد وفريقها ريال وميلانو وفريقها إنتر.
يطول الحديث عما حققه بالاك مع كل هذه الاندية التي ارتدى قمصانها وكذا مع منتخب ألمانيا، عن أهدافه وتمريراته، عن تسديداته ورأسياته، عن إنجازاته وإبداعاته.
لا يمكن وصف بالاك بكلمة، لا بل يستحيل ذلك. لا يمكن أن تنجب الملاعب بسهولة لاعباً بجميع المواصفات كما بالاك: من صناعة اللعب إلى التهديف إلى القيادة. قلنا قيادة. هذه الكلمة هي «بيت القصيد»، سر رونق هذا اللاعب. إذ من النادر أن نصادف لاعباً «كاريزماتياً» وذا شخصية فذة كما كانت عليه الحال مع بالاك. لا يمكن لاعباً مر بمراحل نفسية صعبة، وأهمها خساراته لجميع الألقاب الكبرى مع الاندية والمنتخب الألماني، حتى وصف باللاعب «الأسوء حظاً»، أن يبقى محافظاً على رباطة جأشه وديناميته وعنفوانه وقوته في الميدان. هل تذكرون لقطته الشهيرة عندما راح يركض وراء الحكم النروجي طوم هينينغ أوفريبو معترضاً على عدم احتسابه ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة أمام برشلونة الاسباني في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا؟ كثيرون طبعاً يذكرون تلك اللقطة. يذكرون كم عبّرت تلك اللحظة عن تفاني هذا اللاعب وعشقه والتزامه للفرق التي لعب لها، اذ كان بإمكان «القيصر الصغير» (كما لقب)، كلاعب محترف ينتظر أول الأسبوع للاطلاع على رصيده في المصرف، أن لا يحرك ساكناً ويذهب الى المنزل للنوم.
بالاك لم يكن، رغم حجم نجوميته، يتوانى عن الإجهاش بالبكاء عند الخسارة. بالاك عاش كرة القدم بكل جوارحه، كان «لديه قلب مصنوع من كرة قدم» كما وصفه ذات يوم النجم البرازيلي السابق دونغا.
بالاك، بطبيعة الحال، لم تنصفه تلك الكرة التي أحبها لعدم حصوله على أي لقب عالمي، ولم ينصفه القيمون عليها هؤلاء ذوو ربطات العنق عندما لم يمنحوه أياً من الجوائز الفردية الكبرى، لكن التاريخ قطعاً لن ينساه كما قلوب عشاقه، إذ يكفي بالاك فخراً أنه رحل عن عالم الكرة مخلفاً وراءه سحراً لن يتبدد.