قبل أيام قليلة اقتحم بعض جماهير النادي الأهلي المصري مقر اتحاد بلدهم لكرة القدم. وقبل أيام حصل تعارك بين بعض الجماهير البلغارية والإيطالية في المدرجات خلال مباراة منتخبي البلدين في تصفيات قارة أوروبا لمونديال 2014. وحدها كلمة «الألتراس» (مجموعات تشجيع) كانت القاسم المشترك بين ما حصل في مصر وما حصل في بلغاريا. هي كلمة باتت تتردد كثيراً على المسامع. إلا أن كثيرين ممن يردّدونها يجهلون ماهيتها... فأهلاً بكم في عالم الألتراس.
بداية لا بد من تعريف معنى كلمة «ألتراس»، وهي تعني الزائد والفائق عن الحدّ. أما المعنى الشائع لها فهو التعبير عن المجموعات التي تُعرف بانتمائها الشديد إلى فرقها الرياضية، وتحديداً في لعبة كرة القدم أكثر من غيرها.
إلا أن ثمة اختلافاً بشأن نشأة هذه الظاهرة. فهناك من يرجعها إلى إيطاليا التي شهدت نشوء أول مجموعة «ألتراس» في أواخر عام 1960. والبعض الآخر يرجعها إلى المجر التي شهدت نشوء مجموعة مشابهة للألتراس منذ عام 1899، وكان اسمها «فرادي سيزيف» التابعة لنادي فيرينشفاروش. أما البعض فيعيدها إلى البرازيل من خلال مجموعة «تورسيدا» التي أنشئت في مدينة ساو باولو عام 1939.
غير أن تطور هذه الظاهرة في أوروبا كان في يوغسلافيا، وتحديداً من خلال مجموعة نادي هايدوك سبليت التي قامت بأول تحرك من نوعه في هذا الإطار في 28 تشرين الأول لعام 1950، خلال المباراة أمام النجم الأحمر، لتنتقل بعد ذلك ظاهرة «الألتراس» إلى مختلف الدول الأوروبية، حيث تعتبر إيطاليا أرضها الخصبة والبلد الذي يضم أكثر مجموعاتها.
وبغض النظر عن الاختلاف في الرأي بشأن نشأة هذه الظاهرة، فما هو مسلّم به أن مجموعات «الألتراس» في العالم أجمع تتفق على مبادئ أساسية وهي: أولاً، عدم التوقف عن التشجيع طوال المباراة أياً كانت النتيجة، ويختلف الأسلوب باختلاف العادات في البلد، من الغناء إلى الرقص إلى استخدام الطبول والمفرقعات النارية والعبارات الصادمة، حيث يقود المجموعة عادة قائد تشجيع يسمى «كابو».
ثانياً، عدم الجلوس مطلقاً أثناء التشجيع، إذ إن «الألتراس» لا يحضرون المباراة كغيرهم من أجل المتابعة والمتعة فقط، بل من أجل المؤازرة.
ثالثاً، حضور جميع المباريات الخاصة بفرقهم إن كانت داخلياً أو خارجياً.
رابعاً، الولاء والانتماء لمكان الجلوس في الملعب حيث يختار «الألتراس» منطقة مميزة تسمى «العمياء» وتكون فيها التكلفة أرخص.
وتستخدم مجموعات «الألتراس» مصطلحات خاصة بها لا يفهمها إلا أعضاؤها، منها «اللوغو»، وهي عبارة عن لافتة كبيرة خاصة بالمجموعة يصل طولها إلى 10 أمتار وتحمل شعار النادي ولون الفريق. وهناك مصطلح «التيفو» (ويعني «المشجع»)، ومصطلح «روح الألتراس».
ولا يوجد رئيس للمجموعة، بل عدد من المؤسسين الذين سرعان ما يتراجع دورهم مع اشتداد عود المجموعة، لكن يجدر بالأعضاء الجدد أن يكنّوا الاحترام لمن هم أقدم منهم. وتغيب النزعة الفردية في المجموعة، إذ إن قيمة عضو «الألتراس» تتمثل في ما يقدّمه من عطاء وجهد، لذا فإن «الألتراس» لا يظهرون عادة على وسائل الإعلام (التي يعتبرونها من ألدّ أعدائهم) ويبقون غالباً ملثمين.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المجموعات تحتاج إلى مردود مادي، خصوصاً في تنقلاتها خارج البلاد، لمؤازرة فرقها، حيث تتميز مجموعة «الألتراس» بالاكتفاء الذاتي مادياً، ولا ترتبط بناديها في هذا الشق، بل تعتمد على بيع الهدايا التي تحمل شعارها وشعار المدينة، إضافة الى المرطبات والمأكولات وغيرها. حتى إن لبعض المجموعات متاجر خاصة ورسمية على غرار مجموعة «ايريدوسيبيلي» الخاصة بنادي لاتسيو الإيطالي، و«سي يو 84» الخاصة بنادي مرسيليا الفرنسي.
أما عن عقلية «الألتراس» فهنا «بيت القصيد»، إذ إن لهؤلاء طريقة تفكير متطرفة إلى أبعد الحدود، حيث إنهم لا يعتقدون بوجود مصطلح «الروح الرياضية» المتعارف عليه في لعبة كرة القدم، بل يذهبون إلى أن كرة القدم هي عبارة عن «صراع بين معسكرين ويجب الفوز فيه» باستخدام كافة الوسائل، بما في ذلك العنف الجسدي.
وما دام الحديث عن العنف، يجدر هنا التمييز بين «الألتراس» و«الهوليغينز»، حيث إن ثمة اختلافاً كبيراً بين الفئتين، إذ إن «الهوليغينز» هدفهم الأول والأخير هو العنف أكثر من مؤازرة فرقهم، كما أن ولاءهم لفريقهم والمدينة التي ينحدر منها الفريق يبدو ضعيفاً مقارنة بـ«الألتراس».
على كل الأحوال، فإن كلاً من «الألتراس» و»الهوليغينز» هما حالتان شاذتان في عالم التشجيع في كرة القدم، لا بل أكثر من ذلك، يمكن القول إنهما عدوّان لهذه اللعبة الجميلة.



الأشهر في أوروبا

تنتشر ظاهرة «الألتراس» أكثر من غيرها في قارة أوروبا. أما أكثر هذه المجموعات تعصباً لفرقها وعنفاً فهي التابعة لأندية: سانت باولي الألماني وسانت اتيان ومرسيليا الفرنسيين وأبويل نيقوسيا القبرصي وليجيا وارسو البولوني ونابولي الإيطالي وهايدوك سبليت ودينامو زغرب الكرواتيين والنجم الأحمر الصربي.