قبل أعوامٍ قليلة كانت فكرة الانتقال للعب في روسيا مستبعدة كليّاً بالنسبة الى لاعبي الصف الثاني في أوروبا، لكن الصورة تبدّلت الآن، فأصبح لاعبون نجوم بحجم البرتغالي ناني يقاتلون لترك نادٍ عريق مثل مانشستر يونايتد الانكليزي للتحوّل الى الدوري الروسي، وهو امر فعله الفرنسي لاسانا ديارا بتركه ريال مدريد الاسباني فجأة للانتقال الى أنجي ماخاشكالا رغم انه بدأ يحظى بثقة كبيرة من مدرب الفريق الملكي البرتغالي جوزيه مورينيو.
وشهد الصيف أمثلة كثيرة على حالات مماثلة بدت اهدافها متطابقة لما أقدم عليه النجم الكاميروني صامويل إيتو الذي كان أكبر الأسماء المنتقلة الى تلك البلاد الباردة التي تستقطب لاعبين لا يزالون في عزّ عطائهم وليس كما يحصل في الولايات المتحدة او الصين مثلاً حيث تضم الاندية هناك نجوماً منتهي الصلاحية. وضمن هذا السياق، صدم زينيت سان بطرسبورغ العالم بصرفه 100 مليون دولار ثمناً للاعبين هما البرازيلي هالك والبلجيكي أكسيل فيتسل. واللافت ان الاثنين تلقيا عروضاً او حظيا باهتمامٍ من أندية عريقة، الا انهما لم يترددا في الذهاب الى زينيت بدلاً من انتقال الاول الى باريس سان جيرمان الفرنسي او تشلسي الانكليزي، والثاني الى قطبٍ آخر في انكلترا هو مانشستر يونايتد.
وبطبيعة الحال، ترك كلٌّ من هالك وفيتسل فريقين لهما وزنهما في البرتغال واوروبا هما بورتو وبنفيكا على التوالي، والسبب طبعاً الراتب المرتفع الذي سيعزّز رصيدهما المصرفي في روسيا حيث دفع الأموال مجهول المصادر والاهداف في حالات كثيرة.
وبالفعل، اصبح أنجي وزينيت مصدر ازعاج للأندية الكبرى في «القارة العجوز»، اذ ان اموالهما تدخل الدفء الى قلوب النجوم الذين يهابون البرد القاسي في روسيا حيث قيل دائماً ان كرة القدم هي احد المجالات المفتوحة لتبييض الأموال، وذلك عبر دفع قيمة لا تكون السعر الحقيقي او الذي يستحقه بعض اللاعبين. وفي انتقال هالك وفيتسل ربما مثلاً على هذه النقطة، اذ رغم القيمة الفنية للاعبين فانهما بالطبع لا يمكن ان يكونا على لائحة اللاعبين الأغلى في اوروبا وتحديداً الثاني لكونه لاعباً صاعداً، وقد وصل سعره الى ما يقارب الصفقة التي نقلت مواطنه النجم إدين هازار من ليل الفرنسي الى تشلسي الانكليزي.
ولا يمكن استبعاد مسألة تبييض الأموال من خلال الصفقات الكروية في روسيا حيث جمع كثير من الأثرياء ملياراتهم بطرقٍ مشبوهة، وقد نشطوا حديثاً في كرة القدم عبر الاستثمار في أندية محلية واجنبية تحت شعار جعلها احد مشاريعهم المربحة. وطبعاً هذا الربح يمكن ألا يأتي من الكرة مباشرة بل من خلال تمرير عملية تبييض عبر اللعبة وتحديداً من باب سوق الانتقالات، وهو امر حصل في اوروبا سابقاً مع أندية معروفة منها موناكو الفرنسي مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث نشطت في هذا المجال ايضاً الاندية التابعة لجزيرة كورسيكا...
وفي شكلٍ موازٍ للصفقات التي أبرمها أنجي، وهو فريق جمهورية داغستان، برئاسة الملياردير سليمان كريموف الذي بثروته التي تقارب الثمانية مليارات دولارات يمكنه التبذير في أكبر أندية العالم، فان لزينيت قصة مختلفة، اذ ان هذا النادي تم شراؤه من قبل شركة «غازبروم» التي تملك الحكومة القسم الاكبر من أسهمها، وهي تصدّر الثروات الطبيعية لروسيا، وبالتالي فان الاسراف في شراء اللاعبين بمبالغ طائلة لم يرضِ قسماً كبيراً من المواطنين الروس الذين يعتبرون ان هذه الشركة هي ملكهم جميعاً. والسبب هنا هو صرف الاموال من دون تردد على استقدام لاعبي الكرة، ما اعتُبر سرقة لأموال الفقراء، فازداد الكره لفريق الحكومة الذي اصاب النجاح في الموسمين الاخيرين باحرازه لقب الدوري الروسي. وما يثير الريبة اكثر ان زينيت هو جزء من سلسلة شركات يديرها رجال اعمال روس حاولوا في الفترة الاخيرة تبرير صفقاتهم والتأكيد انهم لا يبذرون الاموال من دون طائل او على غير مستحقيها، آخذين ناني كمثلٍ على اعتبار انهم رفضوا استكمال المفاوضات معه لانه طلب أجراً كبيراً.
فعلاً تحوّلت كرة القدم الروسية الى ظاهرة جديدة في اوروبا، يعتبرها البعض مفيدة لدخول بلدٍ كبير في الصراع الكروي الحاصل على حصد الالقاب القارية، ومنهم من يرى فيها ضرراً انطلاقاً من ان غالبية الصفقات الحاصلة تفوح منها رائحة نتنة.



فريق الرؤساء


لم تعرف سان بطرسبورغ فريقاً آخر غير زينيت، رغم أنها مدينة كبيرة تحوي أكثر خمسة ملايين نسمة. وهذا الفريق الذي انتقل إلى ملكية «غازبروم» في 2005 أصبح الابن المدلل لدى الحكومة الروسية، فأصبح دعمه مباشراً ولامتناهياً من الرئيسين فلاديمير بوتين وديميتري ميدفيديف، الذي جاهر في مناسبات عدة بأن فريقه المفضل هو زينيت؛ لأنه ترعرع في سان بطرسبورغ. وميدفيديف (الصورة) شخصياً زار أخيراً المكان حيث يُشيَّد «زينيت أرينا ستاديوم» للتأكد من سير الأعمال على أفضل وجه.