ليس في لبنان خريطة رياضية محددة؛ إذ تتوزع النوادي بحسب التوزّع الطائفي في المناطق، وبالتالي بحسب توزّع الأحزاب. لهذا السبب سيكثّف المسؤولون الرياضيون فيها من لقاءاتهم بغية توزيع الحصص في كل اتحاد. مقولة «أبعدوا السياسة عن الرياضة» تتردد دائماً على ألسنة رؤساء الاتحادات وأعضائها المنتدبين من أحزابهم للعمل في القطاع الرياضي والناشط على صعد مختلفة، ولا سيما أن البعض يرى أن استقطاب الجماهير الرياضية هو فاتحة لاستقطاب الجماهير السياسية في بلد مثل «وطن النجوم».
التيار الوطني الحر بدأ الحراك الرياضي منذ تأسيسه عام 2000 ثم تسلم المحاضر الأولمبي جهاد سلامة «هيئة الرياضة» عام 2008، وهو يرى أنه يفترض على كل حزب أن يضع برنامج عمل طويل الأمد في الرياضة وخريطة طريق. والتيار بوصفه حزباً واسع الانتشار في كل المناطق اللبنانية، ولديه قاعدة شعبية ونيابية ووزارية مهمة، يرتبط عمله الرياضي بمسؤوليات تجاه كافة الملفات، ومنها الرياضي. والهيئة ــ بحسب سلامة ــ نشيطة وديناميكية، وأعضاؤها متعاونون في كل الملفات، وقد حصد التيار قبل أربع سنوات مراكز متقدمة في غالبية الاتحادات، وصولاً إلى إحداث تغييرات في اللجنة الأولمبية، إضافة إلى دعم ممثلين في مختلف الاتحادات.
ويشرح سلامة خطة عمل التيار رياضياً، التي تتفرع إلى ثلاث نقاط: الأولى هي تقوية الرياضة داخل التيار عموماً وممارستها في مختلف المناطق. وثانياً تحديث القوانين بالتعاون مع لجنة الشباب والرياضة البرلمانية والوزارة، وكانت النتيجة بتقديم ثلاثة مشاريع قوانين للمجلس النيابي. وثالثاً تحسين واقع الرياضات المزاولة في لبنان إدارياً وفنياً والعمل بشفافية وحسن أداء الأعضاء الذين يمثلون التيار. وأشار سلامة إلى أن هناك معايير خاصة لانتقاء الأشخاص في الاتحادات؛ إذ يجب أن تتوافر فيهم شروط معينة، هي وجود رؤية طويلة الأمد لديهم، إضافة إلى الكفاءة وحسن الحضور، وألا يكونوا من خارج الوسط الرياضي، ويجب أن يمتلكوا خلفية رياضية واستراتيجية في العمل والإدارة وتوفير التمويل، علماً بأن التيار الوطني الحر لا يشترط أن يكون ممثلوه منتسبين إليه.


التقاء التيارين

ويلتقي تيار المستقبل مع نظيره «العوني» في كيفية انتقاء الإداريين المكلفين تمثيله في الاتحاد؛ إذ يقول منسّق الرياضة حسام الدين زبيبو إن «التيار الأزرق» يسعى إلى تكوين كوادر رياضية من خلال دورات خاصة؛ لأن أهمية الإداري توازي أهمية اللاعب، والعمل يكون على المدى الطويل، والشعار هو «الشخص المناسب في المكان المناسب»، بعيداً من المناكفات. ويشرح الزميل زبيبو ثوابت التيار الرياضية التي يستلهمها من الرئيس الراحل رفيق الحريري، فيقول: «الرئيس كان دائماً يهتم بالشق الرياضي؛ لكونه واجهة حضارية للبنان، إضافة إلى أن تطوير الشباب لا يكتمل إلا بالرياضة».
ويضيف زبيبو أن السياسة الرياضية للتيار مبنية لمصلحة الرياضة كلّياً، وذلك من أجل تطوير المجتمع الشبابي؛ «لأننا نؤمن بأن الرياضة تربية وأخلاق»، والشخص الذي يمارس الرياضة يتكون لديه معنى الربح والخسارة. لذا، أعاد الرئيس الحريري إعمار المنشآت الرياضية، واهتم باستضافة أهم البطولات مثل الدورة العربية عام 1997 وكأس آسيا لكرة القدم عام 2000 والألعاب الفرنكوفونية في 2009.


أمل للتطوير

لحركة أمل وجود قوي على الساحة الرياضية، وهي ممثلة في غالبية الاتحادات. ويشرح مسؤول مكتب الشباب والرياضة يوسف جابر، أن السياسة الرياضية في الحركة تقوم على أي شيء يدعم الرياضة ويطوّرها؛ ففي الانتخابات، التوافق هو الأساس؛ إذ إن الحركة سعت في الانتخابات الماضية للجنة الأولمبية إلى توافق الجميع، وفي حال عدم التوافق تكون المنافسة «بروح رياضية» هي الحكم. لكن الحركة تغلّب المصلحة العامة قبل أي شيء؛ لأن الرياضة لا تقوم إلا على تضافر جهود الجميع وتكاتفهم، وخصوصاً أنها القطاع الأكثر حيوية في البلد، وبالأخص الإمكانات الضئيلة التي توفرها الدولة لهذا القطاع. ودعا جابر إلى العمل بين الكل بعد الترفع عن المصالح الذاتية لوضع سياسة رياضية تطويرية شاملة ودعم الوزارة والمطالبة بميزانية أكبر للشباب والرياضة بغية الوصول إلى مجتمع فاعل، ورأى أن هناك ضرورة لكشف مكامن الخلل في الاتحادات والقطاعات الرياضية ومعالجته لتحقيق نتائج ومكتسبات تخدم الجميع. وأضاف جابر أن الأشخاص الذين يمثلون الحركة يجب أن تتوافر لديهم الخبرة والوقت الكافي للقيام بالمهمات المنوطة بهم؛ لأن المسؤولية الرياضية لأي «أخ» هي تكليف لا تشريف.


هدف اجتماعي للقوات

القوات اللبنانية تتفق مع غالبية الأحزاب بسياساتها الشبابية والرياضية؛ إذ يشير رئيس مصلحة الرياضة في الحزب بودي معلولي، إلى أن السياسة المتبعة تقوم على جمع شمل الشباب بعيداً من الآفات المنتشرة في لبنان، والعمل يندرج تحت غطاء الأندية والنشاطات الحزبية، إضافة إلى إعداد كوادر قادرة على تسلم مهمات في الرياضة اللبنانية للوصول إلى الهدف، وهو توجيه الشباب إلى الرياضة وبث الروح الرياضية لديهم. ورأى معلولي أن الكوادر الجاهزة لتسلم مناصب رياضية في الحزب قليلة، وفي الانتخابات المقبلة سيدخل الحزب داعماً للحلفاء مع إيصال أكبر عدد ممكن من القواتيين أو المقربين ليترجموا السياسة العامة للقوات والعمل الصحيح من دون أي «زواريب». ورأى أن القاعدة في اختيار ممثلي القوات تحكمها الخبرة والمسيرة الرياضية للشخص، وأن يكون عمله بالدرجة الأولى رياضياً بحتاً وليس غايات أخرى.


الهومنتمن جناح الطاشناق

ويسيطر نادي الهومنتمن على الساحة الأرمينة كجناح رياضي لحزب الطاشناق، رغم أن النادي يضم أعضاءً غير منتسبين إلى الحزب، وأهداف الهومنتمن منذ تأسيسه تقوم على نظام متكامل يعنى بتربية النشء مدنياً وبدنياً، ويعمل بهذا الأمر منذ 1918 لحظة تأسيسه لجمع أيتام المذابح الأرمنية، وقد تأسس النادي في بيروت عام 1924. ويشرح رئيس اللجنة العليا للهومنتمن هاكوب كيشيشيان هذه السياسة المتبعة لتأطير الشباب وتطويرهم ليكونوا مواطنين صالحين، وهذه السياسة ينقلها ممثلو الطاشناق أو الهومنتمن إلى الاتحادات ومراعاة هذه الأهداف في التحالفات، إضافة إلى وضع برامج خاصة بالألعاب، مردفاً: «من يتقاطع معنا بهذه الأهداف الرياضية، فهو حليفنا، واختيار الحلفاء في الرياضة ليس له أي امتداد من السياسة». ويضيف كيشيشيان أن على ممثلي الهومنتمن أن يكونوا مثالاً يحتذى في العمل الرياضي، ويجري اختيار الأشخاص بحسب المؤهلات الرياضية، وهناك مراقبة لأدائهم.


واجب في حزب الله

حزب الله يختلف بسياسته الرياضية عن الباقين؛ إذ يراها أمراً واجباً ومسألة عقائدية بغية بناء المجتمع وشبابه على أسس سليمة، وهي مسألة أساسية في سياسة الحزب لكونها لغة مشتركة للتلاقي. مسؤول العلاقات العامة والإعلامية في التعبئة الرياضية، الزميل علي فواز، يفنّد سياسة الحزب الرياضية؛ «إذ كان السعي أولاً لإيجاد قاعدة رياضية صلبة للحزب، وهذا تحقق من خلال الأندية الشعبية التي أسست في مختلف مناطق وجوده، ثم بناء سلسلة مجمعات رياضية حديثة تفي بالمتطلبات المناطقية، وهي موضوعة لخدمة الشباب من أجل مساعدتهم ليكونوا عناصر فاعلين في المجتمع، ولكي يبتعدوا عن الرذيلة والموبقات التي هي بمثابة عدو كالعدو الصهيوني». ويضيف فواز: «لم نكن نبحث عن وجود لنا في الاتحادات الرياضية بقدر بناء رياضة سليمة من خلال الأندية، وقد ابتعدنا عن المعارك الانتخابية، وما زلنا نبتعد عنها؛ لأنّ سياستنا تقوم على التوافق». وأردف: «وجودنا في الاتحادات هو وفق توافقات، وخصوصاً مع حلفائنا في السياسة، وليس هناك داعٍ للخلافات، والتعبئة منفتحة على الجميع، ولا سيما مع حلفاء السياسة، إضافة إلى أن السيد حسن نصر الله ردد دائماً أنه يجب وضع السياسة بخدمة الرياضة، وليس العكس».


الكتائب حاضره غير ماضيه

ويمتلك حزب الكتائب عراقة رياضية؛ فمؤسسه بيار الجميل كان رئيساً لاتحاد كرة القدم، لكن الحال تبدّلت حالياً؛ إذ يشير رئيس مصلحة الرياضة إدي بو زخم إلى أن الحزب يسعى إلى خدمة الرياضة عبر السياسة، وخصوصاً أن النائب سامي الجميّل لديه حب للرياضة وإلمام بها، ويزاولها دائماً. ويتطلع الحزب إلى مساعدة النوادي التي تدور في فلكه والمقربة منه عبر المعارف والسياسيين والعلاقات بغية تفعيلها في المناطق، مضيفاً أن الحزب ابتعد فترة عن القطاع الرياضي، وهناك محاولات لتكوين قاعدة قوية مع إعداد كوادر، وهذا على المدى البعيد.
وفي لبنان أحزاب قليلة الاهتمام بالرياضة، رغم عراقة بعضها، لكن الشأن الحيوي الشبابي لم يكن ضمن حساباتها، وهناك مسؤولون في الدولة لديهم اهتمام بالقطاع الرياضي، كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يرعى عدداً كبيراً من الأندية الرياضية، وخصوصاً في منطقة الشمال ولمختلف الألعاب عبر جمعية «العزم والسعادة»، وكذلك وزير المال محمد الصفدي الذي يهتم بلعبة كرة السلة خصوصاً، وبعض السياسيين الذين يدعمون أندية لا اتحادات.



توافقات لا كوتا


الاتحادات الرياضية واللجنة الاولمبية في غالبيتها تضم ممثلين عن الأحزاب والمناطق والمذاهب، لكن المدير العام لوزارة الشباب والرياضة زيد خيامي، الذي يواكب الرياضة منذ حوالى عقدين من الزمن، يقول إن الأمر ليس «كوتا» لمنطقة أو طائفة بقدر ما ان الأمور تسير وفق توافقات ضمن تركيبة معينة تعكس حالة البلد، مشيراً إلى أن هذا الأمر غير مؤذٍ للحركة الرياضية لكون التمثيل يشمل جميع شرائح المجتمع اللبناني، وأن القوى السياسية داعمة للحركة الرياضية بشكلٍ كبير، وهي جزء من النسيج الرياضي والسياسي. وكشف خيامي أن الأمور في الاتحادات تخضع لجميع المراسيم والقوانين، وهناك محاسبة للاتحادات تجري، خصوصاً أن هناك اندماجاً بين الإدارات حالياً، لكن هذا الأمر لا يمتد إلى الأمور الفنية التي تُطرح بين الاتحادات واللجنة الأولمبية وترسل تقاريرها الى الوزارة التي لا تتدخل في عمل أيّ اتحاد.