انتهت القصة. قصة بطولة سرقت قلوب العالم لـ 3 أسابيع. انتهت القصة وبات العنوان واضحاً. عنوان لم يعرف طريقه الى النور إلا ليلة أمس. عنوان حاول الكل كتابته، إلا أن يداً واحدة كان لها الشرف أن تخطه بلونها، هي يد إسبانية. هاكم أيها الإسبان اكتبوا العنوان الذي تشاؤون: إسبانيا بطلة لأوروبا. «لا فوريا روخا» يحافظ على زعامته للكرة الأوروبية. لا كلمة تعلو فوق كلمة «الماتادور». إسبانيا فوق الجميع. إسبانيا لا تقهر. اللون الأحمر يصبغ كأس أوروبا. إنها إسبانيا. ثورة كروية أبصرت النور صيف 2008. وقتذاك هدف بقدم فرناندو توريس في مرمى ألمانيا في نهائي كأس أوروبا فتح الطريق لمجد كروي لن تعرف له البلاد مثيلاً.
صيف 2010 سيؤكد أندريس إينييستا علوّ كعب الإسبان: هدف في مرمى هولندا منح البلاد الريادة العالمية. آن الأوان للإسبان لأن يشاهدوا كأس العالم وهي تتنقل مختالة في شوارع العاصمة مدريد.
نحن الآن في صيف 2012. إنه الأول من تموز. كل شيء يبدو جميلاً في ملعب كييف الأولمبي في أوكرانيا. ها هم رفاق القائد إيكر كاسياس مجدداً طرف في النهائي. إنه النشيد الإسباني يعلو مجدداً. الكأس الأوروبية تلمع كما أعين لاعبي «الماتادور» الذين ينشدون نشيدهم الوطني على غرار جمهورهم المصبوغ باللون الأحمر.
الساعة تشير الآن الى الـ 21.45 (بتوقيت بيروت). كاسياس يتوجه الى عرينه، واللاعبون يأخذون أماكنهم على المستطيل الأخضر. تعابير وجوههم تحكي عما يدور في أذهانهم: حان وقت الحقيقة من جديد. لا بد من أن نقضي على خصومنا. نحن الإسبان لن نتنازل عن لقبنا. إنها فرصتنا لنحقق المجد. مجد لم يسبقنا إليه أحد: ثلاثة ألقاب كبرى متتالية ولقبان أوروبيان متتاليان. لن تسرقوا حلمنا أيها الطليان.
إنه الصمت يسود في ملعب كييف. الأنظار تتجه كلها الى الحكم البرتغالي بدرو بروينسا. ثوان قليلة تمر، وها هو هذا الأخير يطلق صافرته معلناً بداية الحكاية... إنها حكاية نهائي كأس أوروبا 2012.
«إسبانيا إسبانيا» يعلو الصوت من قبل مشجعي «الماتادور». يرد عليهم الإيطاليون «إيطاليا إيطاليا». الكرة تحركت وحركت معها قلوب الآلاف في الملعب والملايين في العالم.
هذه الكرة ستصل الى أقدام أندريا بيرلو الذي يسدد، لكنها تأتي بعيدة عن المرمى (2). يرد عليه سيرجيو راموس بكرة مماثلة (6) ومن ثم برأسية أقرب (7). الكرة الإسبانية تقترب من المرمى الإيطالي شيئاً فشيئاً، والدليل على ذلك أن الثالثة من تسديدة شافي هرنانديز بعد تبادل كروي جميل مع سيسك فابريغاس لامست العارضة. دافيد فيا وكارليس بويول يبتسمان على المدرجات. ربما أيقنا أن الزملاء سيفعلونها. إنها الدقيقة 14، تصل الكرة الى الساحر أندريس إينييستا الذي يمررها بروعة الى فابريغاس، فيعكسها الأخير عرضية الى دافيد سيلفا، الذي يتابعها برأسه في الشباك. إسبانيا 1، إيطاليا صفر. فرحة في المدرجات الإسبانية تقابلها خيبة في المدرجات الإيطالية. لا بد من أن نهاجم، قالها الطليان: تمريرة عرضية من فيديريكو بالزاريتي، ينقضّ عليها كاسياس قبل أن تصل الى رأس ماريو بالوتيللي (27). الجماهير الإيطالية تطلق الآهات. آهات ستزداد مع تسديدتي كاسانو في الدقيقتين 29 و33 اللتين كان لهما كاسياس بالمرصاد.
حسناً، يكفي، قالها الإسبان. حان الوقت لضربة ثانية في الشوط الأول. الكرة تصل الى جودي ألبا على الرواق الأيسر، الذي يمررها الى شافي فيعيدها إليه بروعة، لينفرد ألبا ببوفون ويسكنها بهدوء في الشباك الإيطالية. إسبانيا 2، إيطاليا صفر. فرحة الإسبان تتضاعف، والخيبة الإيطالية تحل مكانها الصدمة.
إنه الشوط الثاني الآن. تشيزاري برانديللي يحاول التدخل من أجل لملمة الأمور: إخراج لكاسانو وإدخال لأنطونيو دي ناتالي، صاحب الهدف في المباراة الأولى، من أجل تسريع الأداء. لكن دي ناتالي لم يكن عند حسن ظن مدربه. فرصتان أضاعهما هذا اللاعب المخضرم كادتا تعيدان «الآزوري» الى المباراة: الأولى في الدقيقة 46 من رأسية فوق المرمى، والثانية في الدقيقة 51 من تسديدة كان لها الرائع كاسياس بالمرصاد.
أين عزيمتنا؟ أين قوة شكيمتنا؟ لا شك قالها الجمهور الإيطالي. لكن هيهات لا جواب. فالدقائق المتبقية كانت على الشكل الآتي: سيطرة إسبانية مطلقة وتبادل للكرة كيفما شاءت أقدامهم، مقابل ضياع إيطالي وارتداد دفاعي لهدف واحد: حفظ ماء الوجه من هزيمة أكبر. لكن مهلاً، فرناندو توريس لا يريد ذلك، لا بد من بصمة على غرار نهائي 2008، وهكذا كان في الدقيقة 84.
مهلاً مجدداً، توريس لم يكتف: تمريرة الى البديل خوان ماتا والكرة في الشباك (88). إسبانيا 4، إيطاليا صفر. انتهت الحكاية إذاً. ضاعت إيطاليا، وضاع حلم أبنائها معها.
انتهت الحكاية، لا شيء جديد، إسبانيا على منصة التتويج.
صباح اليوم، ستخرج الصحف الإسبانية مهلّلة بالنصر التاريخي: نحن أبطال أوروبا، هكذا سيعنونون. نحن الأقوى، هكذا سيكتبون. شكراً أيها الشباب، هكذا سيعبّرون. إنه الفرح والفخر والمجد الذي سيزيّن هذه الصفحات اليوم إذاً، أما تاريخ اللعبة فسيفتح صفحاته ليكتب بأحرف من ذهب كلمة لن تنساها سجلاته يوماً وستحفظها الأجيال دوماً: إسبانيا.





توريس هدّافاً للبطولة

حملت المباراة النهائية فرحة خاصة لفرناندو توريس، إذ إن مجرد نزوله بديلاً كان كافياً لمنحه لقب هداف البطولة، وذلك بعد تمكنه من تسجيل هدفه الثالث، مثله مثل ماريو ماندزوكيتش (كرواتيا) وآلان دزاغوييف (روسيا) وماريو غوميز (ألمانيا) وكريستيانو رونالدو (البرتغال) وماريو بالوتيللي (إيطاليا)، غير أن تمكنه من صناعة هدف لخوان ماتا جيّر له هذه الجائزة. وسجل توريس ثلاثة أهداف وتمريرة حاسمة في البطولة الأوروبية، متساوياً مع غوميز، لكنه لعب عدداً أقل من الدقائق مقارنة بالمهاجم الألماني، وهو المعيار الحاسم الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. تجدر الإشارة الى أن توريس شارك في كأس أوروبا 2012 بدلاً من دافيد فيا الذي أبعدته الإصابة عن المشاركة في البطولة، بعدما تصدر قائمة هدافي نسخة 2008 بأربعة أهداف. وعانى توريس من انتقادات كثيرة هذا الموسم في صفوف ناديه تشلسي الإنكليزي، إلا أن ختام موسمه كان مميزاً، حيث توّج مع فريقه بلقب دوري أبطال أوروبا قبل أن يحرز كأس أوروبا مع إسبانيا.



مشاهدة قياسيّة للبطولة

فاقت أعداد مشاهدي كأس أوروبا 2012 على شاشات التلفزيون التوقعات، وقد وصفها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بـ«الأرقام الاستثنائية» للمشاهدة في أوروبا، إضافة إلى الزيادات المرتفعة في عدد المشاهدين في الأسواق «غير التقليدية» كالولايات المتحدة وآسيا. ومع 3,20 ملايين مشاهد في إنكلترا و8,21 ملايين في إيطاليا، باتت المباراة بين منتخبي البلدين في ربع النهائي، اللقاء الأكثر مشاهدة في هذا الدور منذ انطلاق البطولة قبل 52 عاماً.
فالأرقام البريطانية فاقت عدد المشاهدين الذين تابعوا زواج الأمير ويليام وكايت ميدلتون العام الماضي، أو الحفلة الموسيقية التي أقيمت لمناسبة اليوبيل الألماسي للملكة إليزابيث الثانية الشهر الماضي.
وتابع أكثر من 18 مليون مشاهد في إسبانيا لقاء نصف النهائي ضد البرتغال، ما جعل من المباراة أحد أكثر البرامج متابعة في تاريخ التلفزيون الإسباني. ومع تجزئة السوق الإعلامية الى حد كبير، رأى مدير التواصل في الاتحاد الأوروبي، ألكسندر فورتوي، أن الأرقام تدفع الى السرور لأن «الحصة من السوق هائلة. لا توجد أمور كثيرة أخرى بإمكانها أن تستحوذ على 70 في المئة من السوق. تبقى كرة القدم أمراً يجمع الناس»، كما قال لوكالة «فرانس برس».

أرباح مليونيّة للنوادي

ستحظى النوادي التي حررت لاعبيها الدوليين للمشاركة في تصفيات كأس أوروبا 2012 وأدوارها النهائية بمبلغ 100 مليون يورو من أرباح البطولة من قِبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، كما أعلن الأمين العام للاتحاد جياني اينفانتينو.
وسيوزع الاتحاد 40 مليون يورو على كل النوادي التي شارك لاعبون منها في التصفيات المؤهلة، و60 مليوناً على النوادي التي شارك لاعبوها في الأدوار النهائية المقامة في بولونيا وأوكرانيا.
وسيرفع الاتحاد العائدات المخصصة للنوادي التي تحرر لاعبيها للمشاركة في التصفيات والأدوار النهائية لكأس أوروبا 2016، الى 150 مليون يورو، كما تقرر في المؤتمر الذي عقده الاتحاد في اسطنبول نهاية آذار الماضي.
وأتى الإعلان عن رفع عائدات النوادي الى 100 مليون يورو في 2012 و150 مليوناً في 2016، بناء على مذكرة وقعها خلال المؤتمر الاتحاد الدولي رئيسه الفرنسي ميشال بلاتيني ورئيس الجمعية الأوروبية للنوادي الألماني كارل - هاينز رومينيغه، وضعت حداً لعلاقات معقدة أحياناً بين الطرفين.