هل اصبحت كرة القدم منصفة الى هذا الحدّ، أم ان المنتخبات الاربعة المتأهلة الى نصف نهائي كأس أوروبا هي اقوى من كل اعتبارات الحظ وغيرها؟ سؤال جدير بالطرح عقب نهاية الدور ربع النهائي وعشية انطلاق مباراتي نصف النهائي اللتين ستجمعان اسبانيا مع البرتغال والمانيا مع ايطاليا.
والحقيقة الفنية المصحوبة بالإحصاءات تشير الى ان المنتخبات الاربعة التي قَدِّمت من المجموعتين الثانية والثالثة كانت الافضل، فهي حاربت اصلاً للخروج من مجموعتين اعتبرتا الاصعب، فالأكيد ان منتخبين مثل الدانمارك وكرواتيا كانا سيبلغان الدور ربع النهائي لو لم يصطدما، الاول بالمانيا والبرتغال، والثاني باسبانيا وايطاليا. أضف ان ما قدّمته المنتخبات الاربعة الباقية في البطولة خلال الدور ربع النهائي هو شيء فقدته المنتخبات التي أُقصيت منه، وهو تقديم ما نسبته مئة في المئة من مكنونات الفريق لتشكيل فارقٍ حاسمٍ في النتيجة النهائية لكلٍّ من المواجهات.
من هنا، يمكن اعتبار ان نصف نهائي كأس اوروبا سيكون الافضل منذ فترة طويلة، حيث شهدت البطولات اخيراً في كأسي العالم واوروبا ضيوفاً غير منتظرين مثل تركيا وروسيا في «يورو 2008» والاوروغواي في مونديال 2010. ففي كأس اوروبا 2012 لم ينتظر المتابعون من اسبانيا والمانيا سوى بلوغهما نصف النهائي على الاقل، والامر عينه ينطبق على البرتغال التي حكي كثيراً عن تسلّحها بالنجم كريستيانو رونالدو لقيادتها الى هذه المرحلة، فكان الأخير على الموعد، بينما اثبتت ايطاليا نوعيتها منذ المباراة الاولى امام حاملة اللقب واظهرت ان مستواها افضل من هولندا وفرنسا وانكلترا وغيرها من منتخبات الصف الاول التي استحقت الخروج من دون أي أسف عليها.
اذاً، لم يكن هناك اي مكانٍ لأمثال تشلسي الانكليزي الذي توّج بلقب دوري ابطال أوروبا بمساعدة الحظ نسبياً في مواجهته مع برشلونة الاسباني في نصف النهائي، وبشكلٍ كبير امام بايرن ميونيخ في المباراة النهائية، اذ ان البقاء هو للأقوى في العرس القاري. ومردّ هذا الامر الى التفوّق التقني الهائل بين المنتخبات الاربعة المذكورة وخصومهم في المرحلتين الماضيتين، اي دور المجموعات وربع النهائي، اذ لا يخفى ان اسبانيا، بعد بدايتها العادية امام ايطاليا، ظهرت قادرة على الفوز بأي لقاء امام أيٍّ كان، ولو انها لم تقدّم النوعية عينها من الكرة التي ميّزتها في النسخة الماضية او عندما توّجت بطلة للعالم. كذلك، لا يمكن اسقاط علوّ كعب الالمان في فرضهم شخصيتهم على اي منتخبٍ واجهوه، بينما كان التكتيك المتبع من ايطاليا مفاجئاً للكلّ، وهو لحظ قدرات اللاعبين ليخرج الافضل منهم. اما البرتغال الاقل توازناً في قدرات خطوطها المختلفة من الثلاثة المذكورين، فهي استفادت من خلطة لاعبين تقنيين يمكن أيّاً منهم التأثير على مجريات اي لقاء، وهذا ما تناوب على فعله رونالدو وميغيل فليوزو ولويس ناني.
باختصار، لا يمكن أحداً من المنتخبات الخاسرة ان يندب حظه او يقول انه كان يستحق الاستمرار في البطولة القارية لانه حتى الواصلون الى نصف النهائي يمكن تصنيفهم في مستويين: الاول يجمع اسبانيا والمانيا، والثاني يضم ايطاليا والبرتغال. لذا، إن بقي منطق البقاء للاقوى او للأفضل سائداً، فإن لون نهائي 2012 لن يكون مختلفاً عن سابقه في 2008.



التسليم بالأمر الواقع


كان لافتاً أن المنتخبات الخاسرة في كأس أوروبا لم تواجه موجة عاتية من الانتقادات، على غرار ما درجت عليه العادة؛ إذ في فرنسا مثلاً، لم يحطّم الصحافيون المدرب لوران بلان ومنتخبه كما فعلوا قبل عامين مع ريمون دومينيك لدى خروج «الديوك» من مونديال 2010. وبدا الوضع مشابهاً بعض الشيء في إنكلترا التي استسلمت لقدرها، بحيث رأت غالبية الصحف ان الخسارة كانت حتمية؛ لأن منتخب «الأسود الثلاثة» لا يملك قدرات اكثر من تلك التي اظهرها، وخصوصاً ان الإيطاليين كانوا الافضل.