ألمانيا والبرتغال بلغتا الدور ربع النهائي لكأس أوروبا، بينما خرجت هولندا وروسيا. عنوانان يحملان قواسم مشتركة من حيث الفارق الذي أبقى المنتخبين الأولين في بولونيا وأوكرانيا، وسبّب رحيل الآخَرين عنها. وإذا كان بالإمكان اختصار السبب المفصلي في عبور المتأهلين دون الخاسرين، فهو مسألة بسيطة تتمثل بالفارق بين ما يسمّى فريق الذي هو عبارة عن مجموعة متناغمة ومتماسكة، وما يسمّى «شلّة»، وهي مجموعة من الأفراد المتوحّدين في اللون والمختلفين في التصرّفات.
البداية من عند ألمانيا التي قيل إنها لن تجد سوى الصعوبات في «مجموعة الموت» التي قد لا تتأهل عنها، إلا أن الألمان عبروا وفي جعبتهم 9 نقاط كاملة، وهو رصيد لن يتمكن أي منتخب في البطولة من تحقيقه. وصحيح أن خصوم ألمانيا في المجموعة الثانية يملكون نجوماً قد يفوقون بأسعارهم نجوم ألمانيا في سوق الانتقالات، لكنهم يختلفون عن هؤلاء عندما يختص الأمر بتعريف الفريق، فنقطة القوة عند الألمان التي افتقدها منافسوهم هي اللعب كوحدة موحّدة؛ إذ يبدو واضحاً أن جميع لاعبي «المانشافت» يقومون بالواجب المطلوب في الوقت نفسه. وهنا ليس الحديث عن عشرة لاعبين يركضون إلى الأمام في الوقت عينه، لكن عن خمسة يهاجمون وخمسة يشارك كلٌّ منهم بطريقة معيّنة في الحالة الهجومية إن كان من خلال توفير الزيادة العددية أو الدعم اللازم، وإن كان من خلال حماية ظهر المهاجمين. وهذا الأمر ينطبق أيضاً في الحالة الدفاعية حيث ينتقل اللاعبون وكأنهم كتلة واحدة باتجاه المنطقة التي تتنقل فيها الكرة بين أقدام الخصم.
عبرة اللعب الجماعي هذه أخذها المنتخب البرتغالي أمثولة لحسم تأهله، وذلك عندما بدا في مباراته أمام هولندا متفقاً، ولو أن هذا الاتفاق كان مفاده إيصال الكرات إلى الكابتن كريستيانو رونالدو. هذه الخطة ربما لم يكن ليحبذها كثير من المدربين، لكن البرتغال تملك نجماً كبيراً ولا تستفيد من خدماته، رغم إمكان توجيه بعض المشغّلين لتحريك فاعليته. وهنا الحديث عن مقارنة بسيطة بين رونالدو ريال مدريد ونظيره في المنتخب البرتغالي، حيث يبرز الأول مع بطل إسبانيا لسببٍ بسيط، هو إيمان زملائه به ومساعدته على تسجيل الكثير من الأهداف التي يوفّرها له في أحيانٍ عدة الألماني مسعود أوزيل والأرجنتيني أنخيل دي ماريا والفرنسي كريم بنزيما وغيرهم. وبالتأكيد كان رهان باولو بنتو في محله؛ إذ من الواضح أنه طلب من لاعبي خط الوسط ميغيل فيلوزو وجواو موتينيو وراوول ميريليش ولويس ناني العمل على وضع رونالدو قدر الإمكان في أماكن مريحة للتسجيل، فحصل الأمر بطريقة مثالية بعدما سجل «سي آر 7» هدفي الفوز.
وهذه المسألة، أي الجماعية في الأداء، كان غيابها وراء الكارثة التي حلّت بالمنتخب الهولندي؛ إذ إن «البرتقالي» يضم مجموعة من اللاعبين الفرديين الذين لعبوا لأنفسهم في المباريات الثلاث التي خسروها. والمثال الأبرز على هذا النوع من اللاعبين هو أريين روبن الذي غالباً ما يحاول شقّ طريقه بنفسه في محاولة منه لتسجيل الأهداف، فنراه أحياناً لا يلعب العرضيات عن الجناح، بل يحاول الاختراق للتسديد نحو المرمى، وهي مسألة لا يمكن أن ينجح بها كل يوم. كذلك، يبدو هذا اللاعب معتكفاً عن التمرير إلا عندما يشعر بضيق المدافعين وهو منطلق بالكرة من عمق الملعب، فينقلها إلى روبن فان بيرسي الذي كان وجوده أساسياً أحدى مشاكل افتقاد روح الجماعة في المنتخب الهولندي، حيث يبدو أن انقساماً حول مشاركته أساسياً على حساب كلاس يان هونتيلار لم يرضِ كل الأطراف. وطبعاً هذه الأمور لم تكن وحدها السبب في خروج هولندا التي تحتاج إلى نفضة كبيرة، وخصوصاً بعدما ظهرت أخطاء المدرب برت فان مارفيك وتقدّم السن على الكابتن مارك فان بومل وعدم وجود بديل لويسلي سنايدر عندما يكون الأخير بعيداً من مستواه على غرار ما كان عليه الأمر في البطولة الحالية...
وهذا الوضع بدا أقل نسبياً في الوضع الروسي، لكنه كان مفصلياً لخروج الروس من البطولة، فهؤلاء الذين أدهشوا العالم بفوزهم الساحق على تشيكيا في مباراتهم الافتتاحية، فقدوا التآلف في مباراتهم الأخيرة أمام اليونان التي عُرف منتخبها بفدائيته، وهي الميزة التي لم تكن عند رجال المدرب الهولندي ديك أدفوكات الذين بدا بعضهم كأنهم لا يريدون اللعب أو مواصلة المشوار في كأس أوروبا، أمثال القائد أندريه أرشافين الذي لم يفد نفسه أو منتخبه رغم أن بناء المنتخب الأحمر تمّ حوله.