الأوروبيون ليسوا وحدهم في كأس أوروبا. معادلة أصبحت امراً واقعاً بعد استعراض المنتخبات في هذه البطولة، حيث اختلطت اعراق العالم المختلفة في التشكيلات التي اختارها المدربون، الذين بالتأكيد لن يكون بمقدور اي منهم التهكم على الآخر بشأن استعانته بالمجنّسين او ابناء المهاجرين، او حتى سرقته المواهب بعيداً من حدوده الكروية، فلم تعد فرنسا والمانيا وهولندا وحدها في هذا المجال.
وبالفعل اصبحت غالبية المنتخبات الاوروبية اشبه بخليط من اللاعبين المختلفي الاصول، منهم من قَدِم صغيراً الى البلاد التي يمثّلها، ومنهم من ولد فيها من أبوين مهاجرين (بأحسن الحالات من أب مهاجر وأم مواطنة او العكس)، ومنهم من مُنح الجنسية للاستفادة من خدماته.
صورة المنتخبات في هذه البطولة تسقط تلك التصريحات التي اطلقها الايطالي فابيو كابيللو المدرب السابق لمنتخب انكلترا من دبي اواخر العام الماضي، عندما انتقد وجود العديد من ابناء المهاجرين في صفوف المنتخب الالماني الذي أذلّ انكلترا في مونديال 2010. لذا لم نسمع اي مدرب آخر خلال البطولة الحالية يعمد الى انتقاد زميل له بهذا الشأن، وخصوصاً ان المدربين عملوا على نحو شخصي على اقناع بعض اللاعبين بالالتحاق بصفوف منتخبات بلدان لا ينتمون اليها بنسبة مئة في المئة.
وهذا الامر يبرز عند منتخب احدى الدولتين المضيفتين، أي بولونيا التي غالباً ما انتقدت جارتها المانيا لخطفها المهاجمين ميروسلاف كلوزه ولوكاس بودولسكي منها، لكن عشية كأس أوروبا كان المدرب فرانسيشك سمودا على الخط لردّ التحية الى الالمان، عبر اقناع الثنائي سيباستيان بونيتش ويوجين بولانكسي برمي الجنسية الالمانية جانباً، والالتحاق بصفوف بلادهما الأم. واللافت ان بونيتش مدافع فيردر بريمن لم يلعب يوماً لأي نادٍ بولوني، لا بل فاز ببطولة اوروبا للشباب مع منتخب المانيا، بينما مثّل بولانسكي المنتخب الالماني نفسه لثلاثة اعوام، خاض خلالها 19 مباراة دولية وكان اساسياً في بطولة اوروبا عام 2006، وهو ايضاً لم يلعب لأي نادٍ بولوني سابقاً.
واذا كان بونيتش وبولانسكي قد ولدا في بولونيا وتلقيا تربيتهما الكروية في المانيا، فان الثنائي لودوفيك أوبرانياك وداميان بيركيس ولدا في فرنسا ولم تكن لديهما اي اوراق تثبت بولونيتهما، بل كل ما يعرفانه ان جدّيهما ابصرا النور في البلاد التي يدافعان عن الوانها حالياً، حيث اشتغلت الدولة كلّها لتأمين تجنيسهما، وحتى ان المدرب سمودا تدخل مباشرة عند الرئيس البولوني برونيسلاف كوموروفسكي من اجل منح الجنسية لبيركيس، الذي تردد انه لا يعرف اي كلمة في اللغة البولونية.
ومن المانيا استفادت اليونان ايضاً بحصولها على خدمات خوسيه هوليباس، الذي ولد هناك، ويدلّ اسمه الاول على نصفه اللاتيني وتحديداً الاورغواياني لناحية والدته، علماً انه عرف الكرة اليونانية للمرة الاولى بعد انتقاله من ميونيخ 1860 الى اولمبياكوس قبل عامين.
أما الامر الاكثر استغراباً في المجموعة الاولى فكان وجود لاعبٍ اسمر في صفوف المنتخب التشيكي ويدعى ثيودور جبري سيلاسي، واسمه لا يفرض الاجتهاد من اجل معرفة اصوله الاثيوبية لناحية والده، لكنه اعتمد جنسية والدته في مسيرته استناداً لعدم وجود اثيوبيا تقريباً على الخارطة الكروية.
وفي بلد «أشقر» آخر لفت الامر عينه. وهنا الحديث عن الدنمارك التي اختارت المدافع جوريس أوكوريه المولود في ساحل العاج ضمن تشكيلتها، مسجلة علامة فارقة، واذ باتت المانيا وهولندا وفرنسا معروفة بتنوّع اصول لاعبي منتخباتها، فان البرتغال دخلت المعمعة سابقاً بتجنيسها البرازيلي بيبي، علماً ان لاعبين عديدين لديها ولدوا في الرأس الاخضر، وأبرزهم ناني.
وفي ايطاليا هناك الغاني ماريو بالوتيللي، وفي كرواتيا البرازيلي إدواردو دا سيلفا، وفي السويد البوسني زلاتان إبراهيموفيتش، والألباني إمير بايرامي والفنلندي أولا تويفونن والايراني بهرانغ سافاري. اما انكلترا، فيفترض ان تخجل من التصريحات القديمة لكابيللو لكون قسم كبير من لاعبي منتخب «الأسود الثلاثة» يتحدرون من اصول غير انكليزية ايضاً، ومنهم الايرلندي واين روني، والجامايكيان ثيو والكوت واشلي يونغ والغاني داني ويلبيك، والبولوني ـــــ الاسكوتلندي فيل جاغييلكا، بينما يتحدّر أشلي كول وجرماين ديفو من باربادوس والدومينيكان على التوالي.
باختصار تعكس هذه المنتخبات مدى تقارب المسافات بين البلدان المتباعدة في العالم، ومدى سقوط الحواجز الجغرافية بين البلدان الأوروبية، حيث اصبح اللاعبون يبحثون عن الفرصة الافضل بالنسبة اليهم في مسيرتهم، وذلك من اجل الحصول على فرص افضل في اللعب او اصابة النجومية من خلال وجودهم تحت راية هذا المنتخب دون الآخر.