في الوقت الذي كانت تتجه فيه الانظار الى اللاعبين الواعدين في كأس اوروبا 2012، هؤلاء الذين يتواجدون بكثرة في الـ«يورو» البولوني والأوكراني، فإن الجولة الاولى من دور المجموعات جاءت لتؤكد ان اللاعبين المخضرمين وأصحاب الخبرة لا يزال لهم الكلمة العليا في مثل هذه المناسبات، هذا ما أظهرته اكثر من مباراة وما بدا في اكثر من منتخب.
البداية من المباراة الاخيرة في الجولة الأولى، حيث خرج «المارد» الاوكراني، النجم المخضرم اندريه شفتشنكو من قمقه ليثبت انه لا يزال الرقم الأصعب في اوكرانيا مهما برز لاعبون صاعدون في الوقت الذي اعتقد فيه كثيرون ان هذا اللاعب أصبح عاجزاً عن فعل شيء في الميدان. اول من امس بدا «شيفا» كمن لم يفقد بريقه، في ريعان شبابه. تحرُّك ممتاز من دون كرة، استلام وتسليم على اعلى مستوى، وتواجد في التوقيت المناسب في منطقة الجزاء. الهدفان اللذان سجلهما شفتشنكو برأسه، فضلاً عن روعتهما، وبالتحديد الثاني عندما انسل من خلف السويدي زلاتان إبراهيموفيتش وزرع الكرة في الزاوية الضيقة للمرمى السويدي، يُظهران من جانب آخر مدى الخبرة التي يتمتع بها هذا النجم الاوكراني، اذ ليس من السهل تسجيل هذين الهدفين الرأسيين امام المنتخب الذي يمتلك المعدل الاكبر للاعبين الاطول في البطولة الى جانب المانيا، وهذه نقطة تحسب لـ«شيفا».
بالفعل، كان مذهلاً شفتشنكو ليلة اول من امس. ولا يخفى ان العزيمة التي لا يزال هذا النجم يمتلكها تنطلق من رغبته الشخصية الجامحة في فعل شيء مع منتخب بلاده تحديداً وهو على مشارف الاعتزال بعد ان حقق كل ما يطمح اليه لاعب كرة القدم على صعيد الاندية وتحديداً مع ميلان الايطالي.
في المباراة عينها، ورغم خسارة منتخب بلاده، فإن زلاتان ابراهيموفيتش صاحب الباع الطويل في الملاعب الاوروبية كان الأفضل في منتخب بلاده. هدف جميل كان ذلك الذي أسكنه في مرمى اندريه بياتوف عندما تابع الكرة بهدوء الكبار في الشباك غير مبال بالضغط الجماهيري الكبير في الملعب الاولمبي في كييف، فضلاً عن اصابته القائم في الشوط الاول بعد كرة رأسية ذكية وتحركاته التي كانت كثيرة الازعاج للدفاع الأوكراني. ويقيناً لو استند «إيبرا» الى صانع العاب مميز لكان بإمكانه ان يفعل الكثير في المباراة حيث كان مضطراً للعودة الى الوراء واستلام الكرات حتى انه قام بدور الممرر لزملائه.
وبالانتقال الى مباراة فرنسا وانكلترا، رغم الكم الهائل من اللاعبين الشباب الواعدين في صفوف منتخب «الاسود الثلاثة»، بدا القائد ستيفن جيرارد اكثرهم شباباً ونشاطاً حيث لم يكلّ ولم يمل من الجري بالكرة ومن دونها طيلة فترات المباراة فضلاً عن تدخلاته الكثيرة على اللاعبين الفرنسيين من دون ارتكاب الاخطاء وتوزيعه الكرات يميناً ويساراً ليقدم صورة جيدة عن القائد الفعلي في وسط الميدان، ولتكون شارة القيادة التي وضعها المدرب روي هودجسون على زنده في مكانها المناسب.
اما في مباراة ايطاليا واسبانيا، فبدا ان الكلمة الاولى والاخيرة هي للاعبين المخضرمين وليس للاعبين الشبان، هذا ما أثبته بالفعل لا بمجرد القول كل من جانلويجي بوفون وانطونيو دي ناتالي وأندريا بيرلو. ففي الوقت الذي كان يعتقد فيه البعض ان موهبة «عميد» لاعبي الـ«سكوادرا آزورا» في التشكيلة الحالية في الـ«يورو» لم تعد كما من قبل، اذا بهذا الحارس الكبير يثبت انه لا يزال قادراً على العطاء وأنه لم يفقد شيئاً من ليونة ورشاقة الايام الخوالي وخصوصاً في مونديال المانيا 2006 حين لعب دوراً رئيسياً في قيادة ايطاليا للقب.
اما دي ناتالي، صاحب الـ34 عاماً، فيكفي هدفه في مرمى ايكر كاسياس للدلالة على براعته، حيث انطلق بسرعة كبيرة لا يمتلكها العديد من اللاعبين الشباب حالياً واسكن الكرة بذكاء في المرمى الاسباني بعد ان حرق الشاب ماريو بالوتيللي اعصاب جماهير الأزرق بسبب رعونته الكبيرة. وختاماً، فإن المخضرم الآخر بيرلو جسّد بامتياز واتقان شخصية القائد في الميدان مقدماً عصارة تجربته امام لاعبين شباناً، حيث كان بمثابة القلب النابض للآزوري ومن دونه كان ليفقد هذا الاخير الكثير من فاعليته في المباراة امام اسبانيا.
اذاً، اللاعبون المخضرمون خطفوا الأضواء في الجولة الاولى من دور المجموعات على عكس ما كانت تشير اليه التوقعات. ورغم ان الباب لا يزال مفتوحاً على مصراعَيه لبروز اللاعبين الشبان في المباريات القادمة، فإنه لا مفرّ من ان الكلمة الفاصلة في البطولات الكبرى تبقى اولاً واخيراً لأولئك اللاعبين الذين أكل الدهر عليهم وشرب.