فعلاً إنها «مجموعة الموت». الداخل اليها مفقود والخارج مولود. اول من امس خرج الالمان والدنماركيون في الجولة الاولى من المجموعة الثانية بانتصارين اقل ما يقال فيهما انهما بالغا الاهمية. واذا كان الفوز الالماني على البرتغال يبدو طبعاً غير مستغرب، فإن المفاجئ كان فوز الدنماركيين على هولندا. المانيا كسبت ثلاث نقاط أراحتها كثيراً في الصراع على احدى بطاقتي التأهل الى ربع النهائي في حين ان الفوز الدنماركي، غير المتوقع، جاء ليبعثر الاوراق ويجعل المجموعة أكثر سخونة.
نبدأ من المباراة الاهم في هذه المجموعة في الجولة الاولى بين المانيا والبرتغال. مباراة لم يكن ثمة مجال لالتقاط الانفاس خلال مجرياتها. الاثارة كانت حاضرة وبمنسوب عال. لا يمكن اطلاق عنوان على هذه المواجهة سوى انها كانت تكتيكية بامتياز. لعبة شطرنج هي بالأصح. من يحرك احجاره بطريقة صحيحة هو من سيخرج فائزاً.
كان واضحاً منذ صافرة البداية ان المباراة تلعب على الجزيئات. بدا جلياً ان المنتخبين كانا يتهيبان السقوط في الجولة الاولى كي لا تتعثر المهمة في الجولتين القادمتين. هكذا، كان الحذر واضحاً تحديداً في الشوط الاول. الالمان لم يظهروا بالصورة التي ظهروا عليها في مونديال 2010. غابت السرعة في الاداء وهذا ما كان واضحاً ازاء الاسلوب الدفاعي للبرتغاليين، لكن ما يحسب للألمان انهم رغم عدم تقديمهم تلك الكرة الهجومية الممتعة وعدم ظهور بعض اللاعبين في «الفورمة» استطاعوا كسب النقاط الثلاث، وهذا الاهم.
ويمكن القول ان ثمة أسباباً لعدم تقديم بعض الوجوه مستواهم المعهود، اذ اولاً فإن الحذر كان كفيلاً بالحدّ من بعض الامكانات، أضف الى ذلك فإن لاعباً كباستيان شفاينشتايغر تحديداً لم يكن مرعباً كما عادته في وسط الميدان وهذا بالتأكيد عائد الى تأثره بالخسارة في نهائي دوري ابطال اوروبا، فضلاً عن عدم مشاركته في المباريات الاستعدادية قبل النهائيات، حيث اكتفى بالشق الدفاعي البحت ولم يسهم في فرض سيطرة الالمان التامة على منطقة «العمليات» على غرار ما اشتهروا به اخيراً، حيث كان هناك بعض الفراغ بين الوسط والدفاع ولولا يقظة الخط الاخير لكان في النتيجة كلام آخر، من هنا كان تواجد طوني كروس أصح في المباراة او حتى ادخاله في بداية الشوط الثاني. اما أسوء لاعبي ألمانيا فكان بامتياز القائد فيليب لام. وهنا يمكن القول ان مباراة البرتغال اثبتت ان لام أصبح متخصصاً في الجهة اليمنى ومعتاداً عليها. وعليه، ينبغي على يواكيم لوف ان يتنبه سريعاً لهذا «المأزق» الذي أفقد الالمان احدى أهم نقاط قوته. هذا الامر لا يعني ان ألمانيا لم تخرج فائزة بنقاط أخرى، ولعل اهمها قوة خط الدفاع على عكس ما كان يتخوّف منه الالمان وما حدث في المباراة الودية امام سويسرا (3-5)، اذ ورغم بعض الفرص البرتغالية التي كانت منتظرة بوجود لاعبين كلويس ناني وبدرجة أقل كريستيانو رونالدو، فإن الثلاثي جيروم بواتنغ وهولغر بادشتوبر وماتس هاميلس كان على قدر التطلعات الالمانية، وخصوصاً هذا الاخير الذي اعاد بتدخلاته الموفقة ومساندته الهجومية الرائعة التذكير بمدافعين كبار مروا على المانيا وكان آخرهم ماتياس سامر كي لا نبالغ في مقارنته بالـ «قيصر» فرانتس بكنباور (علماً انه يحمل رقم قميصه 5)، في حين استطاع بواتنغ تعطيل رونالدو في اكثر من مناسبة وبدا بادشتوبر صلباً، لكن ما يعاب عليه هو بعض التهور في التدخلات القوية.
في الجانب البرتغالي، بدا هذا المنتخب عنيداً ولا يستهان به اطلاقاً غير ان المشكلة التي واجهته وستواجهه مستقبلاً هي عدم وجود مهاجم كبير ينهي مجهودات ناني ورونالدو في الشباك، اضافة الى افتقاره الى صانع العاب خلاق مساند لهذين الاثنين على غرار روي كوستا او ديكو.
بالمجمل، يمكن القول ان هذا الفوز اراح الالمان وبالتأكيد سيعطي دفعة معنوية هائلة لبعض النجوم في المواعيد القادمة، وبالاخص لشفاينشتايغر، اما البرتغال، فمن المتوقع ان تنافس على البطاقة الثانية للتأهل حتى الرمق الأخير.
بالانتقال الى المواجهة الثانية، فإن الدنمارك عرفت من اين «تؤكل الكتف»، حيث لعبت بواقعية مفرطة باغلاقها المنافذ امام الهجوم الهولندي المرعب، أضف الى ذلك تمتع لاعبيها بالقوة البدنية وبالانضباط التكتيكي العالي المستوى. هذا الامر لا يعني ان هولندا لم تود بنفسها الى التهلكة، حيث لم يعمل مدربها بيرت فان مارفيك على حل مشكلة الضعف في خط دفاعه وهذا ما يثبته الهدف الدنماركي، اذ من احدى الفرص القليلة استطاعت الدنمارك زيارة الشباك الهولندية عندما ضرب مايكل كرون ـــ ديلي بلمحة واحدة دفاع هولندا بأكمله وأسكن الكرة في الشباك.
هذه النقطة كانت تعانيها المانيا وهولندا القويتين هجومياً تحديداً، وفي الوقت الذي تنبّه فيه لوف سريعاً لهذه المشكلة فإن فان مارفيك دفع الثمن من خلالها غالياً. أضف الى ذلك، لا يمكن ان يسير منتخب ينافس على اللقب وفق مزاجية لاعب معين والمقصود هنا طبعاً أريين روبن، الذي أرهق الهولنديين بإصراره على التسديد الطائش دون مراعاة لزملائه.
إنها «مجموعة الموت» إذاً، والآتي، لا شك، أعظم!