انتهت الحكاية. حكاية كأس و22 لاعباً. حكاية دمعت فيها أعين وارتفعت ابتسامات. حكاية «هيتشكوكية» بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لاعبون يطاردون كأساً في ميونيخ الألمانية طوال 120 دقيقة. الكأس في النهاية ترقد الآن في لندن. كم اشتاقت لندن إلى كأس دوري أبطال أوروبا. فعلها تشلسي وعاد بهذه الكأس ذات الأذنين إلى إنكلترا. إنكلترا أول من أمس وأمس واليوم وغداً وبعد غد... تعيش فرحة لا توصف: أصبحنا أبطالاً لأوروبا على صعيد الأندية، وأين؟ في أرض الألمان. إنها الفرحة المزدوجة. فرحة ما بعدها فرحة.
يا لهذه الكرة! لا أمان معها. هذا هو لسان حال الألمان في المقابل. بالأمس القريب كان نجم بايرن ميونيخ، باستيان شفاينشتايغر، يحتفل بجنون في ملعب «سانتياغو برنابيو» بعد تسجيله الركلة الترجيحية الحاسمة في مرمى ريال مدريد الإسباني في إياب نصف النهائي. كانت عدسات الكاميرات تتسابق لتأريخ تلك اللقطة البالغة المعاني والتعابير. أما أول من أمس، فإن تلك العدسات ذاتها نقلت لنا صورة معاكسة لـ«شفايني»: الشاب الألماني ملقى على الأرض وهو يذرف الدموع بعد إضاعته ركلة الترجيح الأخيرة أمام تشلسي. هذه هي كرة القدم، مرة تُفرح ومرة تُبكي، مرة تنصف ومرة تخذل.
هل استحق تشلسي اللقب؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي شغل المتابعين بعد المباراة؛ إذ إن من شاهد السيطرة التامة لبايرن وخطورته المطلقة، حيث من النادر أن نشاهد فريقاً يسيطر على آخر في مباراة نهائية بهذه الكيفية طوال 120 دقيقة ويضيع ركلة جزاء في الوقت الإضافي (عبر الهولندي أريين روبن د. 95)، سيطرح هذا التساؤل. لكن ثمة العديد من المعطيات الأخرى تجعل من هذا التساؤل عبثياً؛ إذ إن كل فريق لعب لعبته. بايرن لعب مهاجماً مثل ما كانت تقتضي الحاجة على ملعبه، وتشلسي لعب مدافعاً كما كانت تقتضي الحاجة خارج ملعبه وفي ظل غياب، تحديداً البرازيلي المميز راميريش صاحب النزعتين الدفاعية والهجومية، حيث اضطر الإيطالي روبرتو دي ماتيو إلى الاستعانة بخدمات المدافع راين بيرتران في الوسط. إذاً، العنوان كان واضحاً حتى قبل انطلاق المباراة: هجوم من هنا ودفاع من هناك. كل فريق كان يلعب على نقاط قوته. الاثنان أبدعا في هاتين النقطتين، بيد أن رعونة ماريو غوميز في ترجمة الفرص إلى أهداف قتلت فريقه. بتعبير أدق، الحظ كما اعتبر كثيرون وإن وُجد وهو من روح اللعبة كما بات معروفاً، فإن من الإجحاف القول إنه كان حاسماً لتجيير اللقب لمصلحة تشلسي، حيث إن رعونة غوميز والإصرار على روبن في تنفيذ ضربات الجزاء كانا جزءاً أساسياً من هذا الحظ. ففي نهاية المطاف وبعد سنوات، لن يقال عند العودة إلى سجلات اللعبة إن هذا الفريق فاز بمجهوده والآخر بالحظ، الفائز هو الفائز. هذا فضلاً عن الخطأ الذي اقترفه مدرب بايرن، يوب هاينكس، عندما سارع إلى اخراج صاحب هدف التقدم، توماس مولر، أحد نجوم بايرن مباشرة بعد تسجيله هدفه، حيث زج بدلاً منه المدافع البلجيكي دانيال فان بويتن العائد من عملية جراحية، وذلك قبل نحو 10 دقائق (مع الوقت المحتسب بدل ضائع) من صافرة الختام، وهو وقت طويل في اللعبة، علماً بأن الفريق كان ثابتاً دفاعياً، الأمر الذي أدى إلى توقف ضغط البافاري لدقائق، حيث استغل «البلوز» الفرصة لتسجيل هدف التعادل عبر النجم العاجي ديديه دروغبا في الدقيقة 88، ومن ثم إلى فقدان البافاري لأحد مفاتيحه الأساسية القادرة على تسجيل الأهداف في ظل سوء غوميز وخروج أحد نجوم اللقاء الفرنسي فرانك ريبيري مصاباً.
في الواقع، يمكن القول إن بايرن ميونيخ دفع ثمناً غالياً لتعنّت إدارته بعدم ابتياع النجوم للفريق؛ إذ إن دكة بدلاء الفريق بدت خاوية بعكس تشلسي، حيث كان البافاري بحاجة ماسة إلى زاد بشري، وخصوصاً مع إصابات اللاعبين كما حصل مع ريبيري ومع عدم توفيق ورعونة آخرين كما حصل مع غوميز الذي يقيناً أضاع بمفرده 3 أهداف على الأقل.





إذاً، بالنظر إلى خوضه المباراة على ملعب خصمه، وبالنظر إلى المسيرة الصعبة التي لاقاها في طريقه إلى النهائي، حيث واجه نابولي الإيطالي القوي والأهم برشلونة المرعب، وبالنظر إلى التغيّرات التي حصلت بإقالة البرتغالي أندريه فياش بواش وتسلم دي ماتيو زمام الأمور بعد أن كان واقع الحال كارثياً، وبالنظر إلى الغيابات في صفوفه وتحديداً راميريش، وبالنظر إلى تقدم سنّ معظم عناصره، فإن تحقيق تشلسي للقب لا يعد مفاجئاً، ومن الإجحاف القول إن الحظ وحده هو من أهداه اللقب.
هنا، لا بد من التوقف عند شخصين يستحقان الإشادة بعد تتويج البلوز باللقب الأول في تاريخه، هما: دي ماتيو ودروغبا (باعتبار أن الحارس التشيكي بيتر تشيك لا غبار على أنه من الأفضل في العالم حالياً). فالأول قام بعمل جبار منذ تسلمه دفة القيادة بعد إقالة بواش، رغم أنه كان مساعداً، حيث استطاع بث الروح في فريق مشرذم. وأكثر من ذلك فإنه ظل محافظاً على تماسكه رغم التقارير الكثيرة التي اعتبرت أنه سيُزاح من منصبه بغضّ النظر عن نتيجة المباراة النهائية. أما دروغبا، فتلك قصة أخرى. «العجوز» العاجي برهن مرة جديدة أنه نجم من طينة الكبار؛ إذ رغم تقدمه في السن، ظل محافظاً على قوته وفنياته المميزة، حيث استطاع من فرصة واحدة أن يهز الشباك بعكس غوميز، فضلاً عن أن هذا اللاعب واجهته مصاعب كثيرة، حيث تردد كثيراً قبل العطلة الشتوية أن تشلسي سيتخلى عن خدماته على غرار ما فعل مع زميله الفرنسي نيكولا أنيلكا، إلا أن ديدييه لم يأبه لكل تلك الأقاويل، وظل مصمماً على المضي قدماً واهداء اللقب العتيد لفريقه.
إذاً، ليلة رائعة عاشها ملعب «اليانز أرينا» في ميونيخ السبت. ليلة شاهد فيها المتابع كل فنون اللعبة. ليلة كانت على قدر التوقعات. ليلة كانت خير ختام لموسم طويل وشاق. ليلة بكى فيها الألمان كثيراً للقب كان قريباً منهم وهلل فيها الإنكليز لفوز كانوا غير مرشحين، بحسب الكثير من النقاد قبل المباراة، لتحقيقه. صحيح أن تشلسي فاز وبايرن ميونيخ خسر، لكن هذا لا يمنع من أن الفريقين يستحقان الإشادة بعد هذا النهائي المثير الذي سيعلق طويلاً في الأذهان: شكراً تشلسي، شكراً بايرن.



حول النهائي

نوير سدّد ركلة ترجيح بسبب تمنّع روبن!



ذكر يوب هاينكس، مدرب بايرن ميونيخ، للصحافيين أن لاعبين في فريقه بينهم الهولندي اريين روبن رفضوا تسديد ركلات ترجيح في المباراة التي خسرها البافاري أمام تشلسي في نهائي دوري أبطال أوروبا، ولهذا السبب فإنه اضطر لدفع حارسه مانويل نوير لتسديد واحدة.
وأضاف هاينكس: «بعض اللاعبين لم يشعروا باطمئنان كاف للتقدم لتسديد ركلات الترجيح. كانوا مرهقين بعد 120 دقيقة من اللعب. لا يمكن إجبار أحد على تسديد ركلات ترجيح».
وقال هاينكس إن أحد اللاعبين الذين رفضوا التسديد كان روبن الذي يتولى تسديد جميع الركلات من علامة الجزاء لبايرن، لكنه أهدر ركلة جزاء في الشوط الإضافي الأول.
وتابع المدرب: «لم تكن لديه (روبن) ثقة كبيرة. لذلك يمكن أن تفهموا لماذا سدد نويل ركلة ترجيح. كان أمراً حتمياً».
في المقابل، ذكر فرانك لامبارد، لاعب وسط تشلسي، أنه كان على ثقة تامة بفوز فريقه بركلات الترجيح، وقال الدولي الإنكليزي: «أعترف بأننا عندما تأخرنا بهدف قبل نحو دقيقة على النهاية بدأ اليأس يتسرب إلى نفسي. لكن عندما ذهبت المباراة إلى ركلات الترجيح كنت على ثقة بأننا لن نخسر. كنت أعرف أننا سننتصر»، وأضاف: «لم نكن لنتحمل تكرار ما حدث في موسكو. لم يكن الفريق ليقف على قدميه بعدها».
(رويترز)