لا شك في أن مشهد خروج البرتغالي أندريه فياش - بواش من تشلسي يجول كثيراً في ذهن الايطالي روبرتو مانشيني، مدرب مانشستر سيتي، الذي يعرف تماماً أنه سيلقى المصير عينه في حال عدم تمكن فريقه من الحفاظ على الصدارة حتى نهاية الموسم، وبالتالي غنم اللقب الذي كلّف الادارة الاماراتية للنادي الملايين حتى الآن.
الملايين، هذه هي الكلمة التي دارت في فلك مانشستر سيتي طوال أشهر طويلة، إلى درجة جعلت البعض في انكلترا يذهب الى القول إن الـ«سيتيزنس» يعملون على شراء اللقب، ومع اشتداد المنافسة ذهبوا الى التأكيد أن مانشيني لن يكون قادراً على تحمّل الضغوط، في مرحلةٍ يظهر فيها تأثير المدرب في المشروع الحاصل، إذ يمكن شراء العديد من النجوم، لكن قد يكون من الصعب صنع النجاح.
ومن دون إسقاط عامل المال كمؤثر أول في نجاحات اندية كبيرة خلال الاعوام الاخيرة، امثال مانشستر يونايتد، وبرشلونة الاسباني وغيرهما، فإنه ليس بالمال وحده تصنع الانجازات بل عبر وجود تركيبة ناجحة وعلى رأسها مدرب قدير، وقد ثبت هذا الامر في حالة ريال مدريد الاسباني مثلاً، إذ إن الفريق الملكي الذي اشتهر بخلق ما يسمى «لوس غالاكتيكوس» خلال الولاية الاولى للرئيس فلورنتينو بيريز، نجح في حصد لقب الدوري الاسباني ودوري ابطال اوروبا مرتين بوجود نجومٍ من طينة الفرنسي زين الدين زيدان والبرازيلي رونالدو والبرتغالي لويس فيغو وغيرهم. لكن مع رحيل «العقل المفكّر» المدرب فيسنتي دل بوسكي، سقط نهج بيريز الذي رحل بعد ثلاثة مواسم إثر تعاقب خمسة مدربين على النادي من دون ان ينجحوا في جلب لقبٍ واحد.
ومن دون شك، اتعظ بيريز من هذه التجربة في ولايته الثانية، لذا استقدم الداهية البرتغالي جوزيه مورينيو، الذي رغم فشله في الموسم الاول فقد قدّم فريقاً رائعاً هذا الموسم يبدو في طريقه لاستعادة لقب «الليغا»، وهو امر لم يكن ليفعله سلفه التشيلياني مانويل بيلليغريني لعدم تمتعه بالقدرات التكتيكية والذهنية التي يملكها الـ«سبيشال وان».
وقبل ريال مدريد، عرف مورينيو مثلاً كيفية «إدارة الأعمال» في تشلسي، إذ عمل في ظروفٍ مشابهة كثيراً لتلك التي عمل فيها أولئك الذين خلفوه، لكنه كان الوحيد الذي تمكن من ترك بصمة، والدليل مطالبة اللندنيين بعودته الآن بعد حنينهم الى أيام المجد معه.
وعلى درب مورينيو الذي عرف كيف يعمل وسط تشكيلة مدججة بالنجوم، وقف مانشيني. فهو حتى الآن نجح في خلق التوازن داخل مجموعته، وضخ ثقافته في أذهان لاعبين مختلفي الجنسية. تلك الثقافة القريبة الى حدٍّ ما من العاب الكرة الايطالية حيث يمثّل الدفاع مثلاً أول مدماك لخطّ الانتصارات، وهذا ما افتقده الفريق مثلاً ايام كان الويلزي مارك هيوز مدرباً له، حيث هوى الاخير اتباع اسلوب المدرسة الانكليزية الهجومية التي لا تعير اهتماماً كبيراً لما يحصل في الخلف، بقدر التركيز على تسجيل الاهداف.
الآن سر نجاح مانشستر سيتي في دفاعه، ذاك الدفاع الذي انتُقد مراراً اصبح العصب الاساس للفريق، وقد انصب كل تركيز مانشيني على تطويره، رغم ان البعض اعتقد انه سيعمل اكثر على الهجوم انطلاقاً من الدور الذي كان يشغله ايام كان لاعباً هدافاً.
اذاً هناك فضل كبير لمانشيني في ما وصل اليه سيتي حالياً، والمفاجآت التي تحضر في التشكيلة هي عادة تأتي من خضم حسابات المدرب الذي قد يفضّل اشراك جيمس ميلنر المقاتل على الاجنحة بدلاً من آدم جونسون ذي النزعة الهجومية اكثر منها الدفاعية. وهذه مسألة قد تكون ضمانة للفريق ليبقى متقدّماً على غريمه مانشستر يونايتد في السباق الى اللقب، وهو ما يحسب لمانشيني الذي سيكون بالتأكيد الصانع الاساسي للانجاز في حال تحقق بالنظر الى قوة الخصم الذي ينازله في الـ«برميير ليغ».
طبعاً، لا يمكن إغفال ان مانشيني يتمتع بالـ«بترودولار» لبناء فريقٍ قوي، وهو ما يفتقده مدربون يفوقونه خبرة مثل الفرنسي أرسين فينغر في أرسنال مثلاً، لكن يحسب للرجل انه لم يضيع ويضيّع الفريق كلّه معه، إذ باستثناء المشكلة التي حصلت مع الارجنتيني كارلوس تيفيز، فقد استطاع إرضاء الجميع وخلق دورٍ فعال لكلٍّ منهم، وحتى انه قام بترويض مواطنه المشاغب ماريو بالوتيللي جاعلاً منه ورقة حاسمة في المجموعة.
كل هذه النقاط الايجابية تصبّ في خانة مانشيني وتجعل منه قادراً على محو كل تلك الاقاويل التي اعتبرته مدرباً يشتري الالقاب ولا يصنعها بنفسه.