دقت قلوب اللبنانيين مرات عدة أمس مع سحب كل كرة من الكرات الزرقاء العشر التي احتوت على أسماء نخبة منتخبات آسيا التي ستتنافس على أربع بطاقات تأهل ونصف بطاقة إلى مونديال كأس العالم. الكرة التي حملت اسم لبنان سحبها الياباني تسونياسو ميياموتو، مرسلاً المنتخب اللبناني إلى المجموعة الأولى لتنضم إليه لاحقاً منتخبات كوريا الجنوبية وإيران وأوزبكستان وقطر. أما المجموعة الثانية، فتضم أوستراليا والعراق والأردن وعمان واليابان. مجموعتان صعبتان، لكن الحظوظ بمركز ثالث في المجموعة الثانية تبدو أوفر للمنتخبات العربية، إن فرض المنطق نفسه على صعيد السيطرة اليابانية والأوسترالية. أما في مجموعة لبنان، فهناك الثلاثي الكوري والإيراني والأوزبكي الذي قد يمثّل عائقاً أمام التأهل اللبناني الصعب إلى المونديال، إضافة إلى الطموح القطري بالتأهل للمرة الأولى في تاريخهم. مرحلة جديدة تنتظر منتخب لبنان في الأشهر المقبلة قبل اللقاء الأول مع منتخب قطر في 3 حزيران في بيروت، يليه اللقاء مع الأوزبكيين أيضاً في بيروت في 8 منه، على أن يتوجه المنتخب اللبناني إلى كوريا الجنوبية للقاء أصحاب الأرض في 12 حزيران. ثلاث مباريات في ظرف عشرة أيام تتطلب عمل شهور ليل نهار استعداداً لمرحلة يمكن أن تمثّل قيامة حقيقية للكرة اللبنانية عموماً، لا على صعيد المنتخب اللبناني فقط.
المدير الفني للمنتخب ثيو بوكير، رأى أن بالإمكان الاستفادة من هذه المرحلة للترويج لكرة القدم في لبنان، وخصوصاً في ظل التفوق الفني للمنتخبات الأخرى في المجموعة.
وجهة نظر يمكن الانطلاق منها للاستفادة من إنجاز منتخب لبنان في أن يكون واحداً من أفضل عشرة منتخبات في آسيا. أن يكون لبنان في مكان لم ينجح السعوديون والصينيون والتايلانديون والبحرينيون في الوصول إليه. مرحلة صعبة جداً يراها قطب كروي لبناني أنها يجب أن تبدأ من عند المدرب ثيو بوكير وتسوية أوضاعه سريعاً. فبوكير وضع رئيس الاتحاد في أجواء ما يريد، والبعض رأى أنه يساوم لزيادة مرتبه. وهذا حق مشروع له؛ فهو صحيح يحب لبنان، لكن في الوقت عينه هو مدرب محترف، وبما أن الجميع يؤكّد أن المرحلة المقبلة مختلفة عن سابقاتها، فلماذا «يُستكتر» على المدرب الألماني أن يفرض شروطه وهو الذي كان له الفضل الكبير إلى جانب لاعبيه في الوصول إلى هذه المرحلة؟ كذلك إن تلبية متطلبات بوكير تقطع الطريق على أي محاولة لرمي المسؤولية على الاتحاد أو بعض أعضائه «بأنهم يتدخلون في ما لا يعنيهم».
الخطوة الثانية تتمثل في ترتيب البيت الداخلي للاتحاد ومعالجة الأمور، ولو مؤقتاً، كي يستطيع الجميع التعاون لإنجاح المرحلة. فمسألة «التفويض» التي طبعت المرحلة الماضية لا يمكن أن تستمر في المستقبل؛ إذ إن العمل المطلوب أكبر من أن يقوم به شخص واحد. أضف إلى ذلك أن أعضاء الاتحاد مطالبون بفرض أنفسهم والقيام بدورهم، كي لا تتكرر أخطاء الماضي؛ إذ لا يمكن الوقوف موقف المتفرّج على «الآخر» ومن ثم محاسبته على أخطائه، حتى لو أن هذا «الآخر» هو من طلب العمل وحيداً؛ فكمية العمل المطلوبة تتطلب فريق عمل متكاملاً مع توزيع للأدوار والمهمات، كي لا تكون النتائج كارثية في فترة سيكون عنوانها «كسر عظم» بين منتخبات ستقاتل للصعود إلى كأس العالم. وقد أثبتت المرحلة الماضية أن الأفكار غالباً ما كانت إيجابية على صعيد متطلبات المنتخب، لكن التنفيذ كان سلبياً في بعض الأحيان. وحتى لو كانت هذه السلبية نتيجة «طيبة قلب» البعض، أو نتيجة المسؤوليات الكبيرة، إلا أن هذا لا يمكن أن ينسحب على المرحلة المقبلة التي تتطلب احترافية في التفكير والتطبيق والعمل.
وهذا الأسلوب من العمل الاتحادي يتطلب استقراراً وتأجيلاً لموضوع التغيير الاتحادي، وهو أمر يؤمن به الطرف المتضرر من الصيغة الجديدة للعمل الاتحادي في المستقبل. فهم يرون أن التغيير حتمي، لكن لا يمكن أن يحصل في الأسابيع المقبلة، حرصاً على المنتخب اللبناني، من دون التراجع عن «تحصيل الحقوق عبر صيغة ملائمة تحفظ كرة القدم اللبنانية وتواكب نهضتها المتمثلة بإنجاز منتخب لبنان»، كما يقول قطب كروي آخر.
أما على الصعيد الفني، فمواجهة نخبة منتخبات آسيا تفرض وضع خطة عملة شاملة وبعيدة المدى وبوقت سريع تتضمن مباريات استعدادية عديدة إضافة إلى معسكرات، مع حاجة ملحة إلى تفريغ لاعبي المنتخب وتخصيص مرتبات منطقية لهم، تسمح لهم بالتفرّغ لمنتخب لبنان والتركيز على التمارين.
أمور عدة مطلوبة في فترة قصيرة. المهمة صعبة جداً، لكنها ليست مستحيلة، بشرط التعاون وعدم اعتماد سياسة العزف المنفرد من جهة والتربص بالآخر من جهة ثانية.