«لبنان الأخضر» شعار التصق بلبنان قبل أن يأكل الأسمنت الأخضر واليابس في المناطق المختلفة. لكن أمس عاد الشعار نفسه؛ إذ بدت البلاد أشبه بمستطيل أخضر كبير يمثّل ملعب كرة القدم؛ فالكل يتحدثون عن المستديرة بغضّ النظر عن إدراكهم لواقع الحال أو المرحلة التي سينتقل إليها المنتخب اللبناني بعد المباراة مع الإمارات. بعضهم ظنّ أن المنتخب سيحجز مكانه في كأس العالم 2014 بعد 90 دقيقة من اللعب، والبعض الآخر كان يسأل عن قواعد اللعبة، بمعنى أي نوعٍ من المسابقات هذه ويمكن المنتخب أن يتأهل حتى في حال خسارته؟ الأكيد أن الأكثرية الساحقة التي وصل الحدّ ببعضها إلى تهديد ألمانيا وإسبانيا والبرازيل بأن لبنان قادم لسحقها في 2014، لم تكن تعلم فعلاً بطبيعة الواقع، لكنها اندمجت بالأجواء التي غزت البلاد، فلمَ لا؟ الموضة الآن هي كرة القدم بعدما كانت في الماضي القريب كرة السلة...
طبعاً، على الصعيد الشخصي بدا الأمر رائعاً؛ إذ لم يعد الخجل يصيبنا، نحن معشر الإعلاميين، عندما نريد التحدث عن شيء يرتبط بالفوتبول اللبناني حيث كان يأتي الردّ الكلاسيكي المحرج: «عن أي نوعٍ من الكرة تتحدث يا أخي؟ احكيني ببرشلونة وريال مدريد وبالمنتخبات الأوروبية. هيدا إسمو فوتبول».
لكن في الوقت عينه، يبدو الوضع أسوأ من هذا الردّ المحرج عندما ينغمس إعلاميو الفن مثلاً الذين صدحت أصواتهم عبر أثير الإذاعات منذ ساعات الصباح الباكر لتشجيع الفريق (لا المنتخب) اللبناني، وذلك وسط تمتعهم بأغنية «الملعب والـ Goal وسامي» التي أكل عليها الدهر وشرب، بينما استعاد بعضهم الأغاني الوطنية الثورية التي علقت في ذاكرتنا لكثرة تردادها في ساحات التظاهرات السياسية خلال الأعوام القريبة الماضية و«يا سيف على الأعدا طايل»!
وبالتأكيد لا يلام المتصلون أو أولئك الذين تداولوا بالكرة أمس بسبب الشحّ في معلوماتهم أو عدم تفريقهم بين لاعب المنتخب الحالي عباس عطوي أو موسى حجيج الذي اعتزل دولياً منذ فترة طويلة جداً، لكن عندما يستعمل «الإعلاميون الرياضيون الجدد» مصطلحات خاطئة، فهم يقضون على فرصة إدخال الثقافة الكروية إلى الشعب اللبناني، وذلك في ظل أجواء مواتية جداً لجعل شرائح المجتمع كلّها تهتم بأشياء أخرى غير السهر ومظاهر الحياة التي تخلو من كل شيء إلا ممّا يتصل بالرياضة.
فعلاً، لم يملك لبنان يوماً تاريخاً مجيداً في كرة القدم، لذا ليس مستغرباً أن تسقط صفة الثقافة الكروية عنه. لكن مع تحوّل 4 ملايين نسمة إلى محللين كرويين أمس، كانت هناك فرصة لتصحيح المسار، لكن بشكلٍ صحيح وعبر إعلامٍ ينقل شيئاً أدق من الفولكلور المعتاد الذي يرافق كل مناسبة اجتماعية ورياضية وسياسية تقريباً. أليس غسل الدماغ الإعلامي هو السبب الرئيسي في حشد كل هؤلاء الناس، المنغمسين منهم باللعبة والمتحمسين لسببٍ أو لآخر، وراء منتخب لبنان؟
نحن لا نريد موضة كروية بحيث تصبح متابعة المنتخب «Trend» لا أكثر، يهواها البعض فقط لأن محيطه «عمّ يعيشها»، وذلك على غرار ما يحصل كل أربع سنوات عندما تقام نهائيات كأس العالم حيث يصبح الكلّ هاوياً للكرة.
الفرصة لا تزال متاحة؛ فرجال «منتخب الأرز» عبروا إلى الدور الرابع للتصفيات الآسيوية، ربما بنتيجة لم تكن بحجم الإنجاز الذي حدث على أرض الملعب وفي المدرجات، لكن بانعكاسات إيجابية أخرى على العقلية اللبنانية عموماً عبر توجيه اهتمام الناس من الساحات السياسية إلى تلك الرياضية.
وحتى الصيف المقبل، أي موعد انطلاق الدور الحاسم في حزيران، ومع دخولنا في آذار سيكون السؤال العام: «شو الموضة هيدا الشهر؟».